الجمعة , نوفمبر 22 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

نارام سرجون:بوتين يهز القلعة من الأسوار الى القلب .. هي ليست مصافحة القرن ..

نارام سرجون:بوتين يهز القلعة من الأسوار الى القلب .. هي ليست مصافحة القرن ..

نارام سرجون

عند اقتحام القلاع الحصينة تبدأ بالاسوار وليس بقلبها .. فلايسقط قلب القلعة قبل السور الا في القلاع التي يحكمها الملوك الهزالى ويختبؤون في أعماقها وهم الذين تنخلع قلوبهم قبل ان تنخلع ابواب قلاعهم .. فيسلمون قلب القلعة المنهار ومافيه من المعنى والذهب .. فيما الاسوار والرجال على الاسوار قادرة على ان تقاتل والابواب قادرة على ان تكون ابواب الجحيم لمن يحاول الدخول .. وهذا هو سر سقوط البلاد العربية التي تشبه قلاعا يحكمها اشباه الرجال واشخاص قلوبهم بالكاد معلقة في صدورهم لاتشبه الا ورقة يابسة على أغصان الصدر كلما هبت الرياح والنسمات تأرجحت ووقعت .. بين أرجلهم .. ومن هنا جاء مصطلح أشباه الرجال الشهير ..
وأميريكا كما وصفها الزعيم فلاديمير بوتين قلعة هائلة .. لكن بوتين أثبت انه من أذكى وأدهى زعماء العالم وهو يتجنب اقتحام القلعة الهائلة بالهجوم على قلبها مباشرة لكنه يعمل على ثقب اسوارها وخلخلة حيطانها الضخمة والسميكة قبل تهديم قلبها ..
عندما شاهدت المصافحة الحارة التي حظي بها محمد بن سلمان من الزعيم بوتين لم يكن عندي شك ان بوتين فعلا يهدم القلعة الاميريكية حجرا حجرا .. فقد كان العالم كله يترقب موقف بوتين من بن سلمان وهو الذي التزم حيادا أقرب الى الصمت في قضية الخاشقجي .. ولكن العالم فوجئ بهذا اللقاء الحار والمفاجئ لأن العالم كله يتصرف وفق ماتريده وترسمه الواشنطن بوست ومن وراءها .. ولن يجرؤ زعيم على ان يظهر عكس ماتجمع عليه الدنيا التي املت عليها الواشنطن بوست سلوكها وعلاقاتها .. ولكن بوتين لايكترث بالعالم وهو في طريقة لهدم القلعة .. ومشروع بوتين في هدم القلعة بدأ من سورية عندما منع الاميريكيين من اضافة سورية الى جدران القلعة واستعمالها حدرا في بناء أسوار اميريكا الامبراطورية .. لا عبر الناتو ولا عبر مجلس الامن ووقف بصلابة نادرة وكاد ان يكون يتيما في موقفه أمام العالم وهو يرفض الدعاية السوداء التي جعلت الدفاع عن الحكم الوطني السوري دفاعا عما وصف أنه دفاع عن القتلة يحرج اي شخص في العالم .. الا بوتين الذي سخر من هذا الاحراج وتحالف مع السوريين ووجه أعمق ضربة معنوية للسياسة الاميريكية وهيبتها في العالم وشاهد العالم ان بلدا مثل سورية لم يسقط رغم ان كل العالم كان يردد كالببغاء بيانات البيت الابيض والايام المعدودة ..

ورغم ان العالم كان يريد ان يدفع تركيا لمواجهة بوتين في سورية الا ان بوتين امتص المواجهة وتسلل الى تركيا ويقال انه دخل على خط الانقلاب العسكري عبر استخباراته وقايض اردوغان على حياته .. ومن يومها وهناك من يتوقع ويظن ان يقتلع بوتين تركيا من بين اسنان الناتو بين عشية وضحاها ..

اليوم وفيما العالم يقود اوركسترا الخاشقجي توقفت الاوركسترا وهي ترقب كيف ان بوتين أجلس بن سلمان الى جانبه في قمة العشرين .. بل وصافحه مصافحة خاصة وحارة .. جعلت بن سلمان يهتز طربا وهو لايصدق نفسه وكأنه يقول للعالم بأن اقوى رجل في العالم يثبته على كرسيه الذي اهتز .. وأنا لم اجد بن سلمان يطير فرحا وجذلا ويكشر بسعادة فائقة من كل قلبه الا في هذا الموقف .. لأن ضحكته مع ترامب وهو يهينه ويبيعه خردة السلاح الامريكي ويحلبه امام الكاميرات كانت ضحكة المغلوب على امره .. اما امام بوتين فانها ضحكة الظفر والعرفان ..

اذا تمكن بوتين بدهائه من اتمام عملية انتقال ما للسعودية نحو مكان اقرب قليلا الى روسيا حتى وان لم تفارق المجال الامريكي فانه يوجه تهديدا آخر الى الاميريكيين وسيتسبب بهستيريا في واشنطن .. وبوتين لايحب السعوديين طبعا ولكنه يستعملهم في صراعه مع القلعة الامريكية العملاقة .. والسعودية جدار من الجدران الضخمة التي تسيج اميريكا نفسها بها والتي ان افلح في خلخلة علاقتها بالغرب ولو قليلا فانه يصل الى جذور الدولار الذي يعيش على النفط وأسعار النفط ..

وفوق كل هذا يخلخل بوتين الجدار لاوروبي الذي تستند عليه اميريكا .. وصار هناك اوروبيون يرون ان العلاقة مع اميريكا صارت مكلفة وليست ندية ولو ظاهربا .. كما ان اذعان اوروبة لطلبات اميريكا يحرمها من ميزات العلاقات مع روسيا وايران والصين .. بل ان روسيا التي قتلت جيش هتلر بالبرد السيبيري القارس ستجلد اوروبة بسوط الغاز الذي سيحول اوروبة الى كتلة باردة من دون الغاز الروسي .. وهذا ماسيجعل اوروية أكثر اعتمادا وميلا للاقتراب من روسيا على حساب اميريكا ..
واذا نجح بوتين فسيكون يهز عرش اميريكا في الشرق الاوسط واوروبة ويهز عرش الدولار .. ويهز الناتو كله ..
وأتذكر أنني منذ فترة كنت أخوض حوارا مع صديقي نزار حول بعض الشؤون السياسبة وفوجئت بنزار يقول يثقة متناهية ان بوتين يهاجم القلعة “من الخارج ومن الداخل” وهو سيهز اميريكا من قلب البيت الابيض وليس من خارجه .. واستغربت ثقته بنفسه ولكنه زاد من استغرابي عندما قال دون تردد ان ترامب بلا شك هو غورباتشوف اميريكا .. وهو رد بوتين على مرحلة غورباتشوف روسيا الذي اوصلته اميريكا ليحكم الامبراطورية الشيوعية ليتسبب في تفككها .. وترامب هو صناعة بوتين .. وهواجس الاميريكيين عن علاقة بين ترامب وبوتين لايجب رفضها فورا بل تأملها بعنابة .. وليس من المبالغة القول انه اوصله بشكل ما الى البيت الابيض بهجوم معاكس استخدم فيه نفس أسلحة الاميريكيين الذين اخترقوا العهد الشيوعي عبر ايصال غورباتشوف .. ولذلك لن ننتظر طويلا قبل ان نرى ان اميريكا التي تتشتت حول ترامب قد تتفكك بسبب الصراعات في الدولة العميقة .. بسبب اهتزاز جدران القلعة .. فالشرق الاوسط هو بوابة القلعة الامريكية بما فيه من طافة وخطوط الطاقة .. ولكن مستقبل الغاز وانابيت الطاقة انتهى بيد بوتين لأنه ساعد الشعب السوري في الصمود وكسر اسنان اميريكا في شرق البحر المتوسط عقدة خطوط الطاقة .. وبعد ذلك بدأ بسحب تركيا ببطء وربطها بأنابيب الغاز الروسية لتصبح مرتبطة به بمشيمة الغاز الروسية .. وهاهو يحوم حول السعودية والخليج ويمد يده الى أملاك اليانكي والانغلوساكسون ومستودع المال العربي ويبحث عن مكان لقدمه هناك .. وربما يرى البعض أن هذه المصافحة مع بن سلمان هي مصافحة القرن في سياق مصارعة القرن بين روسيا الناهضة واميريكا الهابطة ولكنها لاشك جولة من جولات مصارعة القرن بين اميريكا وروسيا .. لان من خلالها يجد بن سلمان ان حكمه قد يثبت أكثر بمباركة اقوى رجل في العالم فلاديمير بوتين وهو رأى بأم عينه ان هذا الرجل مع حلفائه هم الوحيدون الذين اوقفوا وحيد القرن الامريكي الذي رمى بكل ثقله على الشرق الاوسط في الربيع العربي بعد أن غرز قرنه في بطن الشرق والعراق وليبيا ومصر والاردن والخليج والسودان ولكنه كسر في سورية بمساعدة بوتين .. وصار وحيد القرن .. بلا قرن .. مثل اية بقرة ضخمة .. او مثل البقرة السعودية التي كان يحلبها ..

نزار كان لايزال يسترسل في تأملاته واستشرافاته وهو يرى ان نتيجة النصر السوري ان المرحلة القادمة ستجعل من سورية مركز الشرق وان الثروات الهائلة من الغاز والنفط والمشاريع الضخمة ستنقل الثقل المالي في الشرق اليها وتنتزعه من الخليج الذي قارب على الافلاس ونهاية عصره القصير .. بل ان نزار كان يرى مالم اره من أن مقاهي دمشق ومطاعمها ستكون ملأى بفقراء الخليج وهم يعملون على خدمة الزبائن وتقديم الشاي والقهوة والطعام ويهرولون لتلبية نداء رواد المقاهي وهم ينادون على عمال الأركيلة (نارة ياولد نارة) .. الخليجيون سيهاجرون الى الشمال العربي الغني في سورية بعد انفجار فقاعتهم .. والخليج سيصبح خلال السنوات القادمة مركزا من مراكز الهجرة ولاجئي القوارب بعد انحسار الثروة وانحسار اميريكا عنه التي حطمها بوتين ..
الحقيقة انني تجاهلت ماقاله نزار ودعوته الى اكمال مشاريعه الاخرى ونصحته ألا يدخل السياسة في التنجيم لكنه نظر لي نظرة كمن يتحداني وسكت دون أن يعلق وكانه يقول: انتظر وسترى ..
واليوم وبينما أنا اتابع بوتين وهو يمد حبل النجاة لبن سلمان تذكرت ماقاله نزار وعندي رغبة كبيرة في ألا اصدقه ولكن لدي من الاسباب الكثيرة الآن لأن أعيد قراءة ماقال وتفكيكه وغربلته واستخلاص نبوءة ربما لايردها الزمن كما لايرد القدر .. لأن مصافحة بوتين لبن سلمان واخراجها بهذا الطريقة هي رسالة متفق عليها .. ولاأدري كم سيدفع بن سلمان ثمنا لها .. انها تساوي عنده 500 مليار دولار في محنته الخاشقجية .. وهي في نظر اميريكا أخطر صفقة قد تحدث .. لكن بوتين ليس تاجر عقارات مثل ترامب بل ماقد يقبله هو أثمان سياسية كبيرة على أدوار سعودية في المنطقة ..

بوتين بهذه المراهنة يدرك ان السعوديين لايؤمن جانبهم وانهم اميريكون الهوى ولكنه سيضع اول اسفين بين الحليفين التاريخيين وبذور الشك بين السيد والعبد واي خلاف قد يهز الدولار .. وهو يدرك ان ذلك التقارب مع السعوديين في هذا الوقت قد يزعج الايرانيين والسوريين واليمنيين .. ويغضب الاتراك الذين تعبوا من أجل انجاز هذا العمل المسرحي الخاشقجي الضخم لابتزاز السعودية لصالح مشروعها العثماني والاخواني .. ولكنه الفن الروسي في احداث الخلل والاهتزاز في الجدران القديمة الحجرية .. واللعب على التناقضات .. فتركيا وان حاولت الابتعاد عن روسيا بسبب هذا الموقف فانها تدرك ان تراجعها لن يفيدها لأن المقابل الغربي سيء جدا وغير مضمون .. فبوتين ربط الاقتصاد التركي ونموه بشبكة اتفاقيات وعلاقات اقتصادية حيوية .. فيما ان الغرب وضع امواله في البورصة التركية وهذا اقتصاد ليس تركيا بل هو اقتصاد طفيلي وخطر بدليل تزعزعه بمجرد قرار عقوبات على صادرات الصلب الاميريكي الى تركيا .. ولم تملك تركيا الا قبول رغبة روسيا في المسألة السعودية كما قبلتها في سورية .. لأن تركيا التي خسرت مشروعها في سورية بسبب موقف روسيا لن تجد نفسها منجذبة لمغامرة تنافر مع روسيا بسبب السعودية التي لاتمثل طموحا تركيا كما سورية ..

رغم ان كثيرين منا لايحب بن سلمان ولا اسرته ولامملكته ولايثق بها ولايغفر لها مافعلت بالعرب والشرق خلال مئة سنة وهي تعمل كالسكين في يد الصهيونية .. الا أن بوتين كما أظن يرى ان يطعن أميريكا بالسيف الذي كانت تطعن به العالم .. سيف يقطر دما .. ولكن لابأس من أن يجرح به جسد الجلاد الذي حمله .. وأمثال بوتين لايغرمون بالسيوف التي تستأجر .. لكنه كما يقول انه ليست مهمته معاقبة الارهابيين لأن الله هو من يجب ان يعاقبهم .. ولكنه هو من يرسلهم الى الله لينالوا العقاب عنده .. وهذه فلسفة يطبقها حتى في علاقاته مع الدول .. فهو لن يعاقب السعودية لما فعلته في تاريخها وهي تخدم اميريكا .. ولن يعاقبها لما تفعله اليوم مع سورية ومع اليمن .. لكنه مهمته هي ان يشق السعودية واميريكا .. ويرسلهما الى الله .. والله هنا هو التاريخ .. وهذا بداية العقاب لكليهما ..