هل بدأ الضغط الروسي على الاتراك لتنفيذ اتفاق سوتشي؟
شارل أبي نادر – عميد متقاعد
لقد كان لافتا ما قاله بالامس الرئيس الروسي فلاديميير بوتين أمام مجموعة دول البريكس على هامش قمة العشرين الاخيرة في الارجنتين: “ان الهجوم الكيميائي الذي نفذه الارهابيون على حلب يجب الا يبقى دون عقاب، وان المعايير المزدوجة او الحلول الوسط مرفوضة في التعامل مع الارهابيين، والتلاعب معهم لاغراض جيوسياسية يؤدي الى ارتكابهم المزيد من الجرائم الدموية”.
انطلاقا من هذا التصريح الواضح، لا يمكن إلاَّ أن تكون هناك إجراءات عملية، تُترجم مضمون هذه الرسالة الصريحة، فهل تتضمن هذه الاجراءات، بالاضافة الى العمل العسكري المفترض ضد المجموعات الارهابية، ضغطا سياسيا وديبلوماسيا على الاتراك، لاجبارهم على تنفيذ ما التزموا به في سوتشي حول إدلب؟
مبدئيا، ردَّت الطائرات الروسية مباشرة على الهجوم كمرحلة أولى، وذلك بعد اقل من 24 ساعة على العمل الارهابي، من خلال استهداف المنطقة القريبة من مدينة حلب، والتي كان من المفترض استنادا لاتفاق سوتشي، ان تكون عازلة ومنزوعة السلاح الثقيل، وذلك عبر عدة غارات جوية، استهدفت احياء الراشدين ومنطقة خان طومان بريف حلب الغربي، حيث لا تبتعد هذه المناطق اكثر من 1500 متر عن نقاط المراقبة التركية الموجودة في منطقة حي الراشدين.
هذا الرد الروسي المباشر، لا يمكن ان يكون الرد النهائي، خاصة وان كلمة الرئيس الروسي اتت بالامس، اي بعد تنفيذ الغارات الجوية على مواقع الارهابيين غرب حلب بحوالي الاسبوع، مما يعني ان هناك ردا لاحقا على الارهابيين، والذي سيكون حسب الرئيس بوتين، بمثابة عقاب على العملية.
الرد الروسي الآخر على العملية الارهابية جاء سياسيا، حين اعلن الرئيس بوتين عن رفضه الحلول الوسط والمعايير المزدوجة في التعامل مع الارهابيين، وعدم التلاعب معهم لاغراض جيوسياسية يؤدي الى ارتكابهم المزيد من الجرائم الدموية، وذلك من خلال التصويب الصريح على رعاة الارهابيين المباشرين في الشمال السوري، حيث يتحركون ميدانيا وعسكريا باسلحتهم وبآلياتهم بسهولة.
من هنا، يمكن الاستنتاج ان التصويب السياسي الروسي على رعاة الارهابيين، يندرج في اتجاهين، الاول نحو الاميركيين، والثاني نحو الاتراك، وذلك على الشكل التالي:
لناحية الاميركيين، لم يستبعد يوماً الرئيس بوتين العلاقة الاميركية مع هؤلاء الارهابيين، والتي كانت تظهر من خلال الدعم العسكري المباشر لهم ببرامج التدريب والتسليح وخاصة بالاسلحة النوعية، من صواريخ اميركية مضادة للدروع من النوع المتطور، الى تزويدهم بتقنية ادارة وتوجيه طائرات بدون طيار (درون)، والتي حاولت عدة مرات استهداف القواعد الجوية والبحرية الروسية، في حميميم وفي طرطوس، وايضاً من خلال الدعم السياسي الذي كان يظهر بكل وضوح في اروقة مجلس الامن، عند كل محاولة روسية ـ سورية لتنفيذ الحسم العسكري في إدلب، أو في عمليات استثمار فبركات ومسرحيات الاسلحة الكيميائية التي كان يُتهم بها زوراً الجيش العربي السوري.
لناحية الاتراك، ما من شك ابداً ان الروس مقتنعون ايضاً بأن لأنقرة دورا في رعاية الارهابيين المنتشرين في الشمال السوري وخاصة في إدلب، فهؤلاء (الاتراك) ينشرون العديد من نقاط المراقبة في المنطقة، ولديهم التواجد الامني والمخابراتي كاملا، ويملكون التاثير الكامل على حركة اغلب الارهابيين، كما ان الاتراك هم الذين ضمنوا تنفيذ بنود اتفاق سوتشي لناحية ما هو مطلوب تحقيقه عمليا في إدلب، انطلاقا من قدرة تاثيرهم الاكيدة على هؤلاء، خاصة وانهم ايضا يملكون كافة المعطيات المتعلقة بهوية وحقيقة وتركيبة تلك المجموعات المسلحة، الارهابية وغير الارهابية.
من هنا، يمكن الاستنتاج ان هناك مناورة روسية مرتقبة، ستأتي للرد على الارهابيين اساسا، وستأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
ـ رسالة للاميركيين انه لا يجب التعامل مع الاوضاع بمعايير مزدوجة تبعا للمصالح الخاصة، ولا يمكن التساهل والتغاضي عن استعمال الارهابيين الاسلحة الكيميائية المحرمة دون رد، خاصة وان هذه الاسلحة كانت دائما شماعة الاميركيين المُفَبرَكة، لاستهداف الجيش والدولة في سوريا باكثر من اعتداء، تجاوز به الاميركيون القوانين والمؤسسات الدولية.
ـ رسالة للاتراك انهم تجاوزوا الحد المسموح به، في التأخر بتنفيذ اتفاق سوتشي وفي التساهل مع الارهابيين، لناحية استثمارهم كورقة ضغط وورقة ابتزاز لتحقيق اغراض جيوسياسية، لان النتيجة تكون في تمادي هؤلاء في جرائمهم الارهابية، كما حصل في غرب حلب.
ـ رسالة للجميع، ومن ضمنهم الاميركيون والاتراك بالاساس، انه لا يمكن الاستمرار بترك هذه البؤرة الارهابية في الشمال السوري، وتحديدا في إدلب ومحيطها، دون معالجة عسكرية وأمنية، وان هذه العملية المفترضة (تحرير إدلب) تُثبت يوما بعد يوم، انها المفتاح الاساس والوحيد للسير بالتسوية وبالحل السياسي لانهاء الازمة السورية.
العهد