قانون استثمار غامض وبيئة معبدة بالأشواك تدمي أقدام المستثمرين وتستنزف مقدرات البلاد
في كل مرة يأتي فيها المستثمرون الأجانب إلى البلاد يغادرونها على عجل، يحملون حقائبهم ومخاوفهم بعد أن تتعثر أقدامهم في مستقنع القوانين والروتين، وتغوص استثماراتهم في أطماع الفاسدين المحليين، لذلك حاولت الحكومة أن تحدث قانوناً جديداً للاستثمار يلبي متطلبات المرحلة فما الذي حصل بعد ذلك؟؟
أحدث مشروع قانون الاستثمار الجديد خلافات حادة بين أعضاء الحكومة أنفسهم، وبين الحكومة والخبراء الاقتصاديين من جهة أخرى، وكان رئيس مجلس الوزراء عماد خميس بيّن في وقت سابق أن القانون الجديد لم يرق إلى مستوى الطموحات، ما اضطر الحكومة إلى إعادته إلى اللجنة المختصة في هيئة الاستثمار السورية منذ آذار الماضي، وحتى اليوم ما زال المشروع في طور الدراسة والنقد اللاذع.
ناقشت وزيرة الدولة لشؤون الاستثمار والمشاريع الحيوية وفيقة حسني بتاريخ 15-11-2018، قانون الاستثمار الجديد مع متدربي الدورة التدريسية الخامسة عشرة في المعهد الوطني للإدارة العامة، وخرجت الجلسة بمجموعة من الاقتراحات منها؛ تحديد معنى الظروف القاهرة وماهيتها، ومحدداتها التي ذُكرت بنص مشروع القانون، والتي تبرر للمستثمر عدم الالتزام بأحكام هذا القانون وقرارات هيئة الاستثمار السورية، أو تغيير هدف ونطاق عمل ومخرجات المشروع، من دون موافقة مسبقة من الهيئة.
مركز سوري لمنازعات الاستثمار
المجتمعون اقترحوا أيضاً خلال الجلسة إنشاء المركز الدولي لمنازعات الاستثمار، عوضاً من أن يكون الاتجاه في حل المنازعات قضائياً، مما يشكل عامل تشكيك وارتياب لدى المستثمرين، كما يمكن تبسيط الإجراءات عبر تأسيس منافذ جمركية خاصة للمستثمرين، تعنى فيما يتعلق باستيراد آلاتهم ومعداتهم المتعلقة بالمشروع الاستثماري، وتؤمن لهم ذلك بالسرعة القصوى.
وطالب المجتمعون بأن يكون هناك حوافز مخصصة تُمنح للمشروع بعينه، بدلاً من أن تكون الحوافز معممة تشمل كل المشاريع أو كل القطاع كما هو وارد في مشروع القانون، والاستفادة من التجربة الماليزية بهذا الخصوص، وأن تكون نوعية المشاريع أكثر تحديداً من ناحية حجم رأسمالها، وأن يتم وضع معايير ومحددات واضحة لتقييمها وتصنفيها كمشاريع إنمائية وتنموية، مع التأكيد على ضرورة عدم وجود أنماط متعددة في الاقتصاد كالمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق التخصصية، والمناطق التنموية، الأمر الذي يخلق جزراً استثمارية متفرقة وتشتتاً في العملية الاستثمارية.
مشروع القانون يراعي متطلبات مستثمرين معينين
بدوره شدد رسلان خضور (أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق)، على وجوب عدم مراعاة مشروع قانون الاستثمار متطلبات فئة معينة من المستثمرين، كما يجب تحفيز المشاريع ذات الصلة بإعادة الإعمار، على أن يتلافى مشروع القانون ثغرات القوانين السابقة.
ومن حيث المبدأ، ركز القانون من وجهة نظر خضور، على جذب الاستثمارات بناء على الإعفاءات الضريبية، وهي أسوأ أنواع المحفزات لأنها تستنزف الموارد السيادية للدولة، فالمستثمر الحقيقي لن يهتم بالإعفاء الضريبي أكثر من عدالة وشفافية النظام الضريبي بحد ذاته.
ويبين خضور أنه لا يمكن تلمّس رؤية واضحة لمشروع القانون، فكأنه لا يرتبط بمرحلة إعادة الإعمار، في حين يجب أن تكون المنظومة القانونية منسجمة مع بعضها البعض من دون أن يتضمن قانون الاستثمار فقرات تتعارض مع القوانين الأخرى، وبالمقابل فإن كثيرا من القضايا لا تتطلب الذهاب إلى القضاء بعكس ما تضمّنه مشروع القانون الحالي، وهنا يكون التحكيم أفضل حل، وذلك بحسب طبيعة النزاع، تكون الخيارات موجودة فإما القضاء أو اللجوء إلى التحكيم، إذ أن الإجراءات القضائية تستهلك وقتاً وتكاليف تعرقل عمل المستثمرين.
بدوره يوضح عدنان سليمان (أستاذ اقتصاد في جامعة دمشق) أن محفزات الاستثمار الأجنبي متوقفة على جملة من المعايير، والعامل الأول هو استقرار الاقتصاد الوطني ووضوح رؤيته، فإن لم يكن هناك رؤية لمستقبل الاقتصاد السوري ومعدلات نمو إيجابي، ووضوح السياسات الاقتصادية الكلية واستقرار سعر الصرف، بالإضافة إلى استقرار معدلات الفائدة لن يأتي المستثمرون الأجانب، كما أن كل المراهنات السابقة كانت على أن محفزات النمو الاستثماري الخارجية مرتبطة بالتسهيلات والإعفاءات الضريبية، واليد العاملة الرخيصة، وهو ما لم يعد صالحاً أمام رؤوس الأموال، فلماذا دول أوروبا الغربية (ألمانيا مثالاً) ذات الكلف الإنتاجية المرتفعة والأجور العالية تستقطب رؤوس أموال صينية بخلاف التجربة السورية؟
هوية الاقتصاد السوري تعيق الاستثمار
ويشير سليمان على أن رأس المال عندما لا يجد بيئة مستقرة تنموية واضحة جداً، فهو لن يراهن على ضخ ملايين الدولارات إذا كانت رؤية الاقتصاد السوري غير واضحة، وعلى الضفة الأخرى فإن أي تمويل وفق صيغ مشروعات فردية أحادية مبعثرة لن يؤدي إلى نتيجة تنموية، وإنما فقط سيخلق قطاعات متجزئة بشكل أفقي، كذلك فإن هوية الاقتصاد السوري غير معروفة حتى الآن، هل نحن في اقتصاد سوق حر ليبرالي أم سوق اجتماعي، أو اقتصاد موجه كجزء من الاقتصاد الاشتراكي؟؟
ويقول سليمان «يجب التركيز على القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة والطاقة والنفط والغاز، ثم ينبغي طرح مشاريع كبرى بجدوى واضحة المعالم عندها تأتي الشركات الأجنبية وتبدأ الاستثمار، فمن هي الدولة التي ستعطيك قرض بقيمة 4 مليار دولار لتقيم طريقاً محورياً، من الحدود التركية إلى الأردنية، أو من الحدود العراقية إلى الساحل السوري من دون أن تحصل على تطمينات، حتى مسألة إعمار المدن لن تحل عبر الإقراض المادي، لكنها واردة الحدوث في حال استقدام شركات عملاقة.
يجب عدم تدخل جهات وصائية متعددة في الاستثمار
يعتقد حسن حزوري (أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب)، أن قانون الاستثمار يجب أن يعمل على تبسيط إجراءات الاستثمار لكي يكون قانوناً عصرياً، أما البيئة الاستثمارية فليست عبارة عن قوانين وتشريعات، إذ يجب أن تكون الجهات المسؤولة عن الاستثمار متطورة التفكير وبعيدة عن البيروقراطية، كما يجب ألّا تتدخل في الاستثمار جهات وصائية متعددة.
ويضيف حزوري «ينبغي أن نشجع قطاعات خدمات الإنتاج وشركات الأموال محدودة المسؤولية أو المساهمة، فمثلاً قطاع النقل الجماعي لا يمكن أن يعطى لمستثمر واحد، طالما أن الحكومة غير قادرة على حل مسألة النقل، بل يجب أن تعطى لشركة مساهمة عامة، يكون فيها نقابة النقل البري ومجلس المدينة وبقية المستثمرين بحيث تدير النقل في كل محافظة».
ويختم أستاذ الاقتصاد كلامه بالقول «السيولة الكبيرة التي تعاني منها المصارف حالياً، تأتي من عدم وجود البيئة المناسبة وقلة الثقة بها، والأفضل أن نخفض معدل الفائدة لتخفيض تكلفة التمويل، وبالنهاية فإن مشروع قانون الاستثمار الحالي، والمعدل فيه الكثير من المطبات، فهو يخدم أفرادا أكثر ما يخدم القطاعات الإنتاجية».
المصدر: صحيفة الأيام السورية