لماذا يجمّد الأميركيون حرب اليمن؟
د. وفيق إبراهيم
يجب الإقرار أنّ هناك مستفيدين كثراً من حرب اليمن رأسهم هو الأميركي الذي يريد الاستمرار في وضع يده على أهمّ معبر استراتيجي بدءاً من معبر هرمز قبالة إيران، حتى باب المندب اليمني إلى قناة السويس المصرية التي تربط بين بحري الأحمر والأبيض المتوسط، مما يؤدّي الى سيطرة واشنطن على حركة عبور نحو عشرين في المئة من تجارة العالم ونفطه.
أما اهتمامات السعودية والإمارات فتركز على استتباع اليمن لهما كجوار سياسي خطير ومنعه من التموضع في شبه جزيرة العرب وإبقائه مشروعاً ضعيفاً.
ولن ننسى «إسرائيل» التي تهتمّ بباب المندب، لأنه يربطها بحلفائها في القرن الأفريقي وسواحل البحر الأحمر مع إمكانية تأمينه لدور مستقبلي يربطها ببلاد الخليج «الحلفاء» فيصبح الكيان الإسرائيلي متوسطياً وخليجياً أيضاً ومسيطراً على البحر الأحمر.
ضمن هذه الاستراتيجيات يجب البحث عن الأسباب التي تجعل الأميركيين من أكثر العناصر في هذه المنطقة تريد تجميد الحرب إنما على نار قتال معتدل مع ذهاب ممثلي المتقاتلين الى السويد لإجراء مفاوضات حقيقية وضعت واشنطن لها محتوى يظهر تباعاً.
لماذا هذا النهج الأميركي الجديد؟ وماذا يريد الأبيض الترامبي فعلياً؟
يجب ربط «جديد أميركا» اليمني بثلاثة أنواع من الحقائق:
اولاً: هناك صمود أسطوري أنجزه أنصار الله والجيش والمؤتمر الشعبي والشعب، أوقفوا فيه هجمات متواصلة تعدّت مئات المرات للسيطرة على شمال اليمن والساحل الغربي عند الحديدة. يكفي أنّ هذه الهجمات جاوزت الستّ مرات لاحتلال الساحل الغربي بأسلحة نوعية وحشد عسكري غير مسبوق بالتعاون مع قواعد للأميركيين وتحالفاتهم المنصوبة في الساحل المقابل في اريتريا والصومال وجيبوتي مع دعم لوجيستي وجوي بالقصف والمراقبة من قبل واشنطن، تل أبيب، وقصف جوي من بلدان مختلفة وحصار بحري متشدّد تسبّب بنشر جوع بين 14 مليون يمني.
صمد اليمنيون في وجه هذه الاجتياحات ما يعني تحقيق الخطة الأميركية… بعزل الجيب الجبلي من صنعاء الى صعدة عن الساحل الغربي ورشوته بإنشاء كانتون خاص به يتبيّن آنفاً أنه لا يمتلك عناصر الاستمرار الجغرافي لأنه مقفل ولا معابر له برية او بحرية وربما جوية أيضاً.
هكذا يكشف حال المراوحة السعودية ـ الإماراتية التي فشلت في الساحل الغربي ومجمل الشمال وبعض الوسط حتى بلغت مرحلة التراجع… خصوصاً أن اليمنيين من أهل الجنوب بدأوا تحرّكاً ضد ما وصفوه بالاستعمار السعودي الإماراتي مطالبين برحيلهم.
ثانياً: فضيحة اغتيال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للإعلامي الخاشقجي تسببت بتراجع الدور السعودي وارتباك الراعي الأميركي ترامب.. ما أدّى إلى استثمار طبقة المعارضين في الداخل الأميركي وأوروبا وتركيا، في هذا الاغتيال وصولاً الى اتهام ترامب بتغطية إبن سلمان في جرائمه.. وللمزيد من خنق ترامب، يفتح هؤلاء المعارضون حلف اليمن للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، مركزين على الجرائم السعودية ـ الإماراتية المغطاة أميركياً ومصرين على فتح ملفها بشكل حقيقي، أي كعدوان ضخم ينفذه السعوديون والإماراتيون بدعم أميركي وإسرائيلي ومصري كامل ضد بلد ليس فيه إيرانيون او اي قوات أجنبية أخرى باستثناء السعوديين والإماراتيين والسودانيين والباكستانيين مجنسون ضمن الجيش السعودي والإسناد الجوي والبحري من أميركا وحلفائها.
لذلك يبدو الإصرار الأميركي على مفاوضات السويد لعبة أميركية لتعطيل محاولات الحزب الديموقراطي الأميركي الذي يتسلم مجلس النواب الأميركي الشهر المقبل، وله مصلحة بتحطيم ترامب داخلياً وخارجياً وذلك لمنعه من حيازة ولاية رئاسية ثانية بعد سنتين في الانتخابات المقبلة.
هذا ما يشجّع على توقع صراعات حزبية عنيفة بين طرفي أميركا الجمهوري ترامب والديموقراطي بيلوسي على موضوعي اليمن والخاشقجي. فيحاول سيد البيت الأبيض احتواء معترضيه بالفرار الى السويد على إيقاع معارك عنيفة على أرض اليمن والسماح لقوافل التموين الوصول إلى مناطق أنصار الله وحلفائهم.. وللمرة الاولى منذ ثلاث سنوات تقريباً تعترف الامم المتحدة ان الجوع في اليمن مصدره في الشمال الحصار السعودي الإماراتي عليه، كما ان الجوع في الجنوب مصدره أيضاً ما يسمّيه الجنوبيون الاستعمار السعودي الإماراتي.
ثالثاً: هناك اقرار أميركي بموازنات قوى مستجدة في اليمن، تُظهر أن هذا هو الحد الاقصى الممكن للسعودية والإمارات تحقيقه عسكرياً… وقد لا تستطيعان المحافظة عليه إمام الشجاعة غير العادية لتحالفات أنصار الله وتصاعد الرفض الجنوبي في وجه القوات السعودية والإماراتية. فهناك خشية أميركية من ظهور تقارب شمالي ـ جنوبي على المستوى السياسي قد يتحوّل نسيقاً عسكرياً.. وعندها لا يعود للمحتلين إمكانية البقاء على أي أرض يمنية، كما تصبح الجبهات العسكرية داخل السعودية وليس في اليمن.
هذه الأسباب هي التي ارغمت «الأميركي» على «الهرب» إلى مفاوضات السويد.. التي تمثل انفراجاً لأزماتهم المتنوعة.
ماذا تحمل واشنطن معها الى السويد؟ مع الإصرار على أن السويد ليست الحل السحري، فهي بأي حال محاولة أميركية لخطة من قسمين: تثبيت خطوط القتال العسكرية، خطوطاً لوقف دائم لإطلاق النار وفتح مفاوضات حول الساحل الغربي في الحديدة على قاعدة وضع المنطقة تحت إدارة الامم المتحدة. وهذه مقدمة لمشروع لها عمقها المختبئ، في بواطن الكلمات وتتعلق بعرض كانتون لأنصار الله في صنعاء وصعدة وبعض المناطق المتصلة بهما في الجنوب والوسط، مقابل ادارة اممية للساحل الغربي، وكانتونات متعدّدة في الجنوب والشرق والوسط تعكس الاهتمامات السعودية والإماراتية بالسيطرة المباشرة او من خلال الدمى اليمنية لديها على بعض المحافظات التي تؤمن للسعودية نفوذاً داخلياً وتمريراً أسرع لنفطها.. وإضعافاً لليمن لجهة الإمارات. فهذه الكانتونات هي وسيلتها لتنظيم سياحات في جزر اليمن وقواعد ومراكز لها في مجمل السواحل. وهذه تغطية للهيمنة الأميركية بشكل غير مباشر. فهل هذا ممكن؟ لأنصار الله مصلحة بطرح مشرّع سياسي لكل اليمن، يقوم على حق كل اليمنيين بإدارة بلادهم بشكل ديموقراطي. فتصبح المؤسسات الدستورية اليمنية مفتوحة أمام المواطنين لأي مذهب او منطقة أو قبيلة انتمى.
فهذا مشروع بوسعه ضرب كل الذين يعتقدون أن أنصار الله مشروع فئوي لجهة شمالية، فيتبين لهم أن هؤلاء هم مشروع لتحرير كل اليمن مما يحوق به من ظلم وتعسف و«سعودة» تريد جعله مستتبعاً لها وضعيفاً يدور في فلكها.
والمعتقد أن أنصار الله لن يتوانى عن تقديم هذا المشروع لكل القوى الأوروبية والمعارضات الأميركية لفضح الدجل الأميركي السعودي الإماراتي المصرّ على حبس اليمن في إطار من التخلف والتبعية وسرقة ثرواته ومعابره الاستراتيجية والجيوبوليتيكية.
البناء