سوريا.. خطر قادم من السماء و حقائق موجعة لا بد من معرفتها
ناقشت جمعية العلوم الاقتصادية خلال ندوة الثلاثاء الاقتصادية الشهرية, وضع المياه في سورية، إذ تبين أن العجز المائي قارب كمية 1.65 مليار متر مكعب في السنة، نتيجة عدة أسباب رئيسة، منها التخطيط لمساحات مروية تفوق احتياجاتها المائية وتدني كفاءة الري، حيث إن الموارد الجوفية المتجددة لنفس السنة تصل إلى 40 بالمئة من إجمالي الموارد المتاحة والمتجددة، بينما كانت المساحة المروية بحدود 56 بالمئة من إجمالي المساحة المروية.
المناقشات التي جرت حول محاضرة «الوضع المائي في سورية- الواقع والمطلوب» والتي قدمها الدكتور المهندس جورج صومي أشارت في مجملها إلى أن الوضع المائي ليس بخير، مع الإشارة إلى أن أغلبية الحضور من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي ووزارة الموارد المائية.
الآثار السلبية
أشار صومي في مناقشته إلى أن تدني المناسيب الحركية والمستقرة للمياه الجوفية، وارتفاع تكاليف تأمين المياه بالضخ من الآبار قد انعكس على الريعية الاقتصادية للإنتاج الزراعي، إضافة إلى تعرض معظم المشروعات المائية وبناها التحتية لعمليات تخريب كبيرة لأقنية الري والصرف ومحطات الضخ، مع توقف العمل في المشروعات الجديدة ومشروعات إعادة التأهيل (حسب الخطة الخمسية الحادية عشرة).
يضاف إلى ذلك آثار سلبية نتيجة التوقف الكلي للأعمال الإنشائية في مشروع دجلة الإستراتيجي، وتوقف كل أعمال الدراسات والتحريات للمناطق المستهدفة في المشروع ومشروعات استصلاح الأراضي في الفرات الأوسط والأعلى والأدنى، إضافة إلى توقف العمل في مشروعات السدود (برادون- خان طومان- وادي أبيض- أفاميا- زيزون) وينسحب ذلك على مشروعات مياه الشرب مثال مشروع جر مياه نبع عين الزرقا إلى مدينة إدلب والمدن والبلدات في المحافظة، مع حفر آلاف الآبار المخالفة في المناطق كافة من دون مراعاة حرم الينابيع والأنهار مما انعكس بشكل خطر على هذه المصادر، ما قد تسبب بمحدودية الموارد المائية قياساً بحجم الطلب المتنامي نتيجة معدلات النمو السكاني، ثم تدني حصة الفرد من الموارد المائية المتاحة والمتجددة من دون الحد الحرج المعتمد كمؤشر تقريبي للأغراض كافة، وتدني الكفاءة الفنية والاقتصادية لاستخدامات المياه في القطاعات كافة.
حصة الفرد في السنة
لفت صومي إلى أن سورية بحكم موقعها الجغرافي في المنطقة الجافة والنصف الجافة، فإن البادية تشكل ما يقرب من 100 ألف كيلو متر مربع من إجمالي المساحة التي تتلقى كميات هطل مطري دون 200 ملم في السنة، لذلك فإن حصة الفرد من الموارد المائية المتجددة بحدود 800 متر مكعب في السنة، لكل الأغراض مع الإشارة إلى أن الرقم المعتمد لحصة الفرد عالمياً هو 1000 متر مكعب في السنة، أي بنقص نحو 20 بالمئة، ويعتبر هذا الرقم مؤشراً تقريبياً لارتباطه بشكل وثيق بالتقنيات المستخدمة من ناحية والمردود الاقتصادي من ناحية ثانية.
وقد توزع استهلاك الموارد المائية إلى 16.18 مليار متر مكعب في السنة لقطاع الزراعة أي بنسبة 88.65 بالمئة، على حين قطاع مياه الشرب والاستخدام المنزلي يستهلك 1.55 مليار متر مكعب في السنة أي بنسبة 8.50 بالمئة، وقطاع الصناعة يستهلك 0.52 مليار متر مكعب في السنة أي بنسبة 2.85 بالمئة، ليكون إجمالي الاستهلاك في القطاعات كافّة يقرب من 18.25 مليار متر مكعب في السنة.
مقترحات
اقترح صومي أن يتم تجهيز المصادر المائية الجوفية والسطحية كافة بأجهزة القياس المباشر لتحديد الواردات والاستخدامات، وضرورة إعادة هيكلة وزارة الموارد المائية بما يتماشى مع مضمون القانون (31) لعام 2005 والذي تم إعداده وفق مبادئ الإدارة المتكاملة والتشاركية التي تعتمد وحدة إدارة الحوض، بدلاً من الهيكلية التي أدت إلى تعدد مراكز القرار مما تسبب بحدة التنازع في تخصيص المياه لكل قطاع ولكل موقع إداري.
إضافة إلى أهمية تحديد مهمة الهيئة العامة للموارد المائية كجهة وصائية كاملة الصلاحية عن اقتراح خطة إدارة وتطوير وتنمية الموارد المائية وحمايتها من الاستنزاف والتلوث، والإشراف على جميع محطات القياس والرصد للمياه الجوفية والسطحية وإعداد النماذج الرياضية للأحواض المائية والحويضات، وتحديد حجوم الاستجرار المسموح بها (للأغراض كافة)، وإجراء الدراسات الجيولوجية والهيدروجيولوجية التفصيلية للأحواض والحويضات المأمولة وبالمقاييس اللازمة.
مع أهمية إحداث المركز الوطني لبحوث المياه، وإحداث مركز للتأهيل والتدريب لتطوير القوى البشرية في مجالات إدارة الموارد والمنشآت المائية، مع ضرورة نقل صلاحية مؤسسات مياه الشرب والصرف الصحي إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة تماشياً مع قانون الإدارة المحلية لكون الوزارة هي الحكم على مدى كفاءة استخدام هذه الموارد، وتغيير اسم الوزارة إلى وزارة الموارد المائية واستصلاح الأراضي.
ولكي تصبح الزراعة المروية أكثر اقتصادية، يجب زيادة الإنتاجية الزراعية لكل المحاصيل المروية لزيادة الدخل المزرعي للفلاح ثم للدخل الوطني، وربط رسوم الري بكمية المياه المقدمة لوحدة المساحة، وتأهيل المساحات المروية والمنشآت الهندسية في المناطق المحررة من الإرهابيين، وتفعيل دور اللجنة العليا للموارد المائية ولجان الأحواض، مع إعداد الدراسات اللازمة للمخطط المائي العام لسورية.
وعلى المدى البعيد، يجب وضع خطة عشرية لإعادة تأهيل المشروعات وفق الأولويات التي يفرضها واقع الموارد المائية وكفاءة البنى التحتية القائمة وفق مبدأ حسب الطلب حيث يمكن تحقيق كفاءة تزيد على 80 بالمئة واعتماده أساساً للمشروعات الجديدة، إذ لا بديل من ذلك لتنامي الطلب المتسارع على الموارد المائية ثم على الغذاء، مع أهمية التفكير الجدي بضرورة التجميع الزراعي نظراً للتفتت الكبير في مساحة الحيازات ضمن مشروعات الري مما يعوق تطوير الإنتاجية بسبب صعوبة إدخال المكننة والتقنيات المتطورة في الري، والاعتماد على حفر الآبار المشتركة للفلاحين.