“أوبك” ودلالات خفض الانتاج
في النهاية فضّلت السعودية مصالحها الخاصة على مصالح أمريكا وساهمت في خفض إنتاج خام النفط وبرز هذا الكلام في نتائج اجتماع وزراء مُنظّمة “أوبك” الذي انعقد في 30 تشرين الثاني /نوفمبر في فيينا وتحمّلت السعودية الحصة الأكبر في خفض الإنتاج بمقدار 486 ألف برميل يومياً، فيما ستتحمّل العراق خفضاً مقداره 210 آلاف برميل يومياً، والإمارات والكويت وقطر خفضاً مقداره الكلّي 300 ألف برميل يومياً، بينما ستتوزّع الحصّة المُتبقية على الدول الأخرى.
وبحسب الاتفاق الذي توصل إليه المجتمعون في فيينا ستقوم “أوبك” بخفض إنتاجها الكلّي البالغ حاليّاً حوالي 33.7 مليون برميل يوميّاً إلى ما يقربُ من 32.5 مليون برميل يوميّاً ابتداء من كانون الثاني / يناير المُقبل، وذلك بمشاركة بلدان من خارج المنظّمة، وعلى رأسهم روسيا التي يُعوّل بعض مسؤولي “أوبك” على قيامها بخفض مقداره 300 ألف برميل يومياً ضمن الخطّة الجديدة.
ومن المقرر أن يبدأ العمل بالاتفاق في يناير المقبل، ولمدة ستة أشهر، وجاءت الخطة، التي تتضمن خفض الإنتاج بواقع 12 مليون برميل يومياً، استجابة للتراجع الحاد في أسعار البترول العالمية بنحو 30% منذ أكتوبر الماضي، وانهارت الأسعار بسبب مخاوف بشأن تراجع الطلب العالمي وزيادة إنتاج النفط الصخري في أمريكا.
وتتضمن الخطة خفض الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» إنتاجها خلال فترة الاتفاق بواقع 800 ألف برميل يومياً، بينما تخفض الدول الحليفة للمنظمة إنتاجها بواقع 400 ألف برميل يومياً، وجرى استثناء فنزويلا وإيران وليبيا، وهي الدول التي تعاني إما عقوبات أمريكية أو اضطرابات أمنية واقتصادية، من خطط خفض الإنتاج، وطالب الرئيس الأمريكي في أكثر من مناسبة السعودية وغيرها من كبار منتجي البترول بالحفاظ على أسعار النفط عند مستويات منخفضة، إلا ان السعودية لم ترضخ للطلب الأمريكي هذه المرة وتجاوزت العقبة التي كانت تمنعها من التوصل إلى اتفاق نهائي عبر وساطة روسية مع الجانب الإيراني، حيث كانت ترفض السعودية أن تحافظ إيران على إنتاجها من النفط من دون تقييد حتّى تتمكّن من استعادة حصّتها السوقيّة التي خسرتها خلال سنوات العقوبات الدوليّة، أمّا روسيا، فلم تُبد رغبة في التعاون مع “أوبك” في أيّ خطوة لدعم الأسعار واستمرّت بزيادة وتيرة إنتاجها إلى مستويات هي الأعلى لها منذ ثلاثين عاماً.
في المحصلة أدّت تفاصيل الاتّفاق إلى حصول موجة من الارتياح في الأسواق العالميّة ارتفعت على إثرها أسعار خام برنت 5% ووصلت في نهاية الأسبوع الذي أعقب اجتماع فيينا إلى 55 دولاراً للبرميل، بزيادة مقدارها 16 في المئة، مقارنة بمستويات الأسعار قبل الاتّفاق، إلا أنّ التخوّفات ما زالت قائمة، وهي لن تنجلي قبل عدّة أشهر على الأرجح.
النفط الصخري
من جانبها أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الشهر الماضي تقريراً عن توقعاتها بالنسبة لسوق الطاقة حتى 2040، ومع أنه يشير بوضوح إلى مستقبل قاتم بالنسبة لصناعة النفط الصخري، إلا أنها ستظلّ لاعباً مهماً على الأقل خلال العقدين المقبلين، ويقول التقرير إن الآبار التي سيتم حفرها في العام 2025 ستكون إنتاجيتها أقل من مثيلاتها العاملة اليوم، الأمر الذي يشير إلى أن الإنتاج الأمريكي سيبلغ قمته وقتها ويتجّه إلى الهبوط بعدها في أعوام الثلاثينيات من القرن الحالي، بل يحدد التقرير أن معدّل تراجع الإنتاج سيبلغ مليوناً ونصف المليون برميل يومياً، علماً أن الإنتاج النفطي الأمريكي يمثّل نحو ثلاثة أرباع الزيادة في الإمدادات من خارج أوبك ولسبع سنين مقبلة، وهذه هي الفترة الحرجة التي ستضطر أوبك إلى التعايش معها.
وعل هذا الأساس قال وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح، إن السعودية مستعدة لضخ المزيد من الخام إذا حدث انقطاع كبير في الإمدادات، مضيفاً: “لن نحمّل المستهلكين فوق طاقتهم”، مبيناً أنه بالنظر إلى أن أمريكا أصبحت أكبر دولة منتجة للنفط فإن شركاتها للطاقة “تتنفس الصعداء”.
السعودية وغايتها من خفض الإنتاج
في نهاية العام 2014 بدأ إنتاج النفط الصخري في أمريكا يصل إلى أعلى مستوياته وهذا ما جعل الرياض تشعر بالخطر ما اضطرها لضخ المزيد من البترول في السوق للحفاظ على حصتها السوقية، لكن المنافسة انتقلت إلى الشرق عندما بدأت كل من العراق وإيران وروسيا بزيادة إنتاجها وتدفقها بشكلٍ رئيسيّ إلى الأسواق الآسيويّة لتُزاحم السعوديّة على حصّتها هناك ولتدفع بالأسعار إلى مزيدٍ من الهبوط.
من هُنا، يبدو قرار السعوديّة الأخير في الدفع بـ “أوبك” نحو خفض الإنتاج مزيجاً من اعتبارات مُختلفة، أوّلها العامل الاقتصاديّ الضاغط على موازنتها واحتياطيّاتها النقديّة، خاصّة في ظلّ التعسّر الذي أبدته في السنة الأخيرة في دفع مستحقّات الشركات الخاصّة، وتعليق الكثير من المشاريع الحيويّة، واللجوء إلى الدين الخارجي، واستمرار ارتفاع تكاليف حربها على اليمن، وثانيها العامل السياسيّ المرتبط بتوفير الأجواء المناسبة لخططها المُزمعة للقيام ببرنامج خصخصة واسع النطاق بما يشمل أجزاء من شركة “أرامكو” العملاقة، إذ سيكون من الأسهل تمرير هذا النوع من الإجراءات في ظروف ماليّة أفضل ممّا هو قائم الآن.
الوقت