الحكومة تفتح ” الدوسيه الأسود”..
قبل الحرب كنا نسمع عن محاولات واجتماعات لتنظيم اقتصاد الظل .. ورغم تعدد أوجه هذا الاقتصاد فإنّه كان يذهب بشكل رئيسي باتجاه المنشآت غير المرخصة والتي غالبا ما تكون عبارة عن ورش تحت الأرض وفي الأقبية تعمل وتنتج لحسابها او لصالح معامل كبرى دون أن تكون مكلفة بضريبة أو كهرباء صناعية ولا أي التزام اتجاه خزينة الدولة ..
لدرجة أنّ تقارير وصفت الحال على أنّ هناك مدن صناعية تحت المدن السكنية وكان المثال الأكثر طرحا أنذاك مدينة جرمانا ..
اليوم كانت الأقبية هي منطلق إعادة الانتاج والمصانع للعمل بعيدا عن عين التخريب وآلة التدمير .. بل هناك معامل كبرى تباهت بأنّها التجأت إلى الأقبية وإلى غرف تحت الأدراج لتعاود الانتاج مرّة جديدة قبل أن يتحقق التحرير وتعود مرّة جديدة لترمم أو لتعيد بناء مصانعها في الهواء الطلق ..
ما يعنينا في هذه السطور هو آلاف وربما عشرات الآلاف من الورش التي تصنع وتنتج في الأقبية وبعيدا عن سجلات الدولة الرسمية .. تعمل هكذا دون رقيب ودون مرجعية ودون اي التزام بقوانين الدولة .
يسمونه ” اقتصاد الظل ” ولكنه خرج الى النور معبئاً ” في ذروة الحرب والحصار وتحديدا في عامي 2013 و “2014 الشاحنات و البردات والكونتيرنات بالبضائع والسلع متوجهة نحو دول الجوار تلبسها وتطعمها وتنظفها ..
كان الارهاب أغبى من أن يفكر , وكان من يفكر عنه أقل من أن يضع ضمن بنوده تلك المنشآت التي ظل أصحابها وعمالها ينتجون في العتمة أو في بعض الضوء المتسلل من الشبابيك العالية .
لعلها الخصوصية السورية التي لم يستطع احد فكفكتها ولا فهمها , أصلا هي مبنية بطريقة لاتفهم لشدة تعقيدها وابتعادها عن الأنظمة المتعارف عليها حتى في أشدها تفهما ودخولا في التفاصيل ؟
ولعل إغلاق المعابر كان تنبها أنّ هناك انتاج في سورية ولكن لم تكن شيفرته واضحة .. كان الحصار لئيما قاسيا مؤذيا لكنه بالنسبة للسورين الذين يتقنون فعل كل شيء من تحت الطاولة لم يكن بالأمر الذي يمكن أن يوصف بالكارثي في ادبيات عملهم الاقتصادي ..
“اقتصاد الظل ” لقد شرعت حكومة المهندس عماد خميس بفتح ملفاته لجهة شرعنته ودعمه خاصة ما يتعلق منه بالانتاج ولعلها مهمة دقيقة وخاصة جدا وحيث نحتاج لزج كل مقدرات الاقتصاد في السياق الوطني وإخراجها للنور دون التسبب بأذيتها .. ما يجعلنا نسأل كيف السبيل الى ذلك خاصة وأن الحكومة العطرية كانت فشلت في الأمرأو ربما لم تكن راغبة بالمواجهة رغم تلقيها المساعدة انذاك من جهات دولية ذات خبرة وتحديدا من الاتحاد الاوربي صاحب التجربة الأهم عالميا في تنظيم المشاريع الصغيرة والمتوسطة .
الملف كان على طاولة لجنة السياسات في رئاسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي , وإذا كنا ندرك اهمية ما هو تحت الارض فإن اقتصاد الظل توسع ليشمل نماذج اأخرى تبدو سرطانية كالتهريب على سبيل المثال والذي يجب مكافحته
على كل الحكومة فتحت الملف وكعادتها لاتفتح ملف إلا على حلول ونعتقد أنها ستتمكن من بلورة شكل ما يستوعب ورش الظل ويقوننها بالشكل الذي يناسب حجمها وبما لايضغط عليها . بل بالعكس السماح لها بالعمل ضمن معايير محددة وغير معقدة وبما يساعدها نفسها على التكتل والتوسع وبلوغ مرحلة من النضج تساعدها لاحقا في الخروج الى النور والتحول الى مصانع .
لربما يبدو الحل الأهم والاكثر ضرورة ليس لمنشآت الظل وإنما لمنشآت النور أيضا ونقصد بناء نظام ضريبي يقوم على فكرة قطع الطريق على المتهربين ضريبيا وتسجيل العمال والعمل وفق قواعد غير قابلة للإختراق من قبل الفاسدين والمتواطئين معهم .
والحل الثاني هو في اتباع معايير واجراءات مباشرة ومحددة للتراخيص الادارية , وخلق شروط واضحة لانتقال هذه الورش أو بقاءها بالشكل الذي يجعلها منظمة وضمن النظام الضريبي السليم والمحصن من الاختراق ومبوبة ضمن السجلات الحرفية أو الصناعية حسب نشاطها .
وقبل كل شيء لابد من بناء قاعدة معلومات خاصة بمنشآت الظل لأنّها فساد يجب تشريعه .ولأنها جناح انتاجي مهم نظرا لاتساعه ولابد من انطوائه تحت لواء الاقتصاد الانتاجي بما له من حقوق وواجبات ؟
لايبدو الأمر سهلا لكنه ليس مستحيلا ويجب ان لايكون الهدف ادخال هذه الورش والمنشآت ضمن النظام الضريبي فقط بل يجب توفير فرصة نموها وتطورها فكلها قابلة للتطور والنمو فيما لو توفرت لها الظروف الموضوعية والسليمة بعيدا عن الفساد .
مرة جديدة لا نظن أنّ أمر هذه الورش المعتمة سيحسم بسرعة، لأن المشكلة الماثلة أمامنا هي نتاج عقود من الزمن وفي الغالب أصحابها يرغبون العمل ببلاش وخارج المنظومة الانتاجية المقوننة . ولكن بكل تأكيد هناك رغبة لديهم للنمو والتوسع فيما لو توفر لهم الدعم والمكان والتمويل وهو ما يمكن أن يكون نتاج تحالف الجهات المعنية واهتمامها للخروج باقتصاد مرعب تتم قيادته خارج القوانين والأنظمة وبعيدا عن العيون ؟
اقتصاد الظل ملف تطرق الحكومة أبوابه تارة لقوننته كما في المنشآت الانتاجية وتارة لمكافحته كما في التهريب والتهرب الضريبي وغيره من المظاهر التي نمت على حساب الاقتصاد الوطني وحقوق الخزينة والمواطن .
بالمحصلة هي ملفات فساد يجب معالجة بيئتها المكانية و التشريعية , وفتحها للتنظيم يحتاج لارادة وعمل الجميع .
فهل تنجح حكومة المهندس عماد خميس في مواجهة هذا الملف الذي يدخل في سياق ما قاله رئيس الجمهورية عن اصلاح البيئة الحاضنة للفساد ..
تستطيع النجاح فيما لو قررت فتح ابواب تلك الورش للنور لتأخذ ما لها وتقدم ما عليها .
هوامش :
هامش 1 : مرة التقى صناعي سوري بصناعي يهودي سوري ممن خرج من دمشق عندما تم السماح لليهود بالمغادرة .
سأله الصناعي السوري ماذا تعمل قال له لدي سلسلة مصانع للألبسة في الولايات المتحدة وأصدر الى العديد من الدول ..
ثم نظرإلى الصناعي السوري وقال ساعترف بأمر : انتم الدمشقيون وحدكم الذين تفوقتم علينا نحن اليهود ولم نكن قارين على اختراق صناعة الالبسة عندما كنا في دمشق الا بالهامش الذي كنتم تتركونه لنا .. ومن أجل ذلك كنت على يقين ان سورية لن تسقط في حربها
الرواية نقلها لي الصناعي السوري ..
هامش 2 : أموال الفساد يمكن أن تكون أحد بنود تمويل اعادة الاعمار ؟
سيرياستيبس