أيها السوريون .. لا تحرقوا باريس !
وسام ابراهيم
قبل سنتين هللّ كثير من السوريين وخرجوا في الشوارع ابتهاجاً لحظة إعلان مجموعة انقلابية الاستيلاء على السلطة في تركيا.. ردة الفعل هذه كانت متوقعة ومفهومة ومبررة، لكنها كانت سلوكاً انفعالياً، ناجم عن سخط شعبي على دور أردوغان التخريبي في سورية، متجاهلةً الخلفية السياسية للانقلابيين والتي لم تكن تبشّر بالخير، وهي صنف سياسي “أسلاموي” يساوي في عدائيته لسورية موقف أخيه في العقيدة أردوغان وحزبه، بل وتزيد عنه، وأكثر قرباً وطاعة لواشنطن، مع العلم أيضاً أن الدولة التركية ومنذ تأسيسها، علمانية كانت أم إسلامية، لطالما نظرت إلى سورية على أنها دولة عدوة، تقرع طبول الحرب ضدها كلما اعتقدت أن الفرصة سانحة، والعلاقة الحميمية التي تكوّنت مع وصول أردوغان إلى سدة الحكم وحتى “الربيع العربي” هي الاستثناء.
اليوم يتفاعل الشارع السوري بحماس، ليس مع مطالب أصحاب “السترات الصفراء” في فرنسا، وإنما مع الفوضى الناجمة عن الاحتجاجات في شوارع باريس، وهي أيضاّ ردة فعل مفهومة تجاه الدولة الأوروبية التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر بالفوضى التي عمّت سورية لثماني سنوات: “لتشربوا مما سقيتمونا”.
بمحاكمة عقلية بسيطة، أولاً: تكون شريحة واسعة من السوريين تؤيد فعل احتجاجي عنفي تخريبي، عانت منه طوال الفترة الماضية، وتشجّع ممارسات غير قانونية وغير أخلاقية، وهي التي طالبت خلال أزمة بلادها الطرف الآخر المعارض بالامتثال للقانون والنظام العام.
ثانياً: تتجاهل هذه الشريحة – نتيجة الحالة الانفعالية – النتائج والخلفيات المحتملة لهذه الفوضى، التي بدأت تزحف بسرعة إلى أكثر من دولة أوروبية.. ماذا لو وصلت الصيغة الاحتجاجية الجديدة إلى روسيا مثلاً ؟!.
بعودة سريعة إلى التاريخ القريب، ساهمت الثورات “المخملية”، وتعني الثورات اللاعنفية، وهي مماثلة لما يحدث الآن في فرنسا، في تفكيك الاتحاد السوفييتي، ثم أعيد إنتاجها بداية الألفية الحالية على شكل ثورات “برتقالية” وثورات “ورود” في المحيط الروسي – جورجيا وأوكرانيا – وقد نجحت بقوة في تحقيق الرغبة الأمريكية من حصولها، وهي التي شجعتها أو ربما أوقدت تحتها من الأساس، لتنتقل هذه التجربة الناجحة إلى البلدان العربية على شكل “ربيع عربي”، الذي لم يصمد كحركة مخملية لاعنفية، خاصة في سورية، بسبب تطعيمه بأفكار إثنية ومذهبية، عدا عن أن العنف سمة بارزة في الشخصية العربية.
سابقاً كانت السيطرة على بلد ما أو إسقاط نظامه من قبل دولة طامعة تتطلب حملة عسكرية مباشرة، أما اليوم فهي لاتحتاج أكثر من منظمة غير حكومية محلية أو غير محلية بصبغة إنسانية لتدمير البلد المستهدف عبر ثغرات داخلية، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية .. إلخ، لذلك وجب قراءة ما يحصل في العالم المحيط بطريقة أكثر عقلانية لأن النار التي تشتعل في الغرب بفعل العولمة سريعة الوصول إلى الشرق، والعكس صحيح.
دمشق الأن