ربيع فرنسا غير الربيع العربي… لماذا؟
حميدي العبدالله
لا شك أنّ من ما شهدته المدن الفرنسية منذ شهر من احتجاجات شارك فيها عشرات الآلاف على الرغم من محاولة الشرطة عرقلة مشاركة أوسع، والمطالب المحدّدة التي رفعها المتظاهرون وأصحاب «السترات الصفراء» يؤكد أنّ ما يجري في فرنسا فعلاً هو ربيع، أيّ أنّ الشعب يعترض على سلب حقوقه من الجماعة الرأسمالية الحاكمة. في التغطيات التي واكبت انتفاضة «أصحاب السترات الصفراء» كان هناك إجماع لدى المحللين والخبراء، على شتى انتماءاتهم الفكرية، على الأسباب التي دعت إلى هذه الانتفاضة الشعبية التي أشارت استطلاعات فرنسية إلى أنّ 70 من سكان فرنسا يؤيدون تحرك «السترات الصفراء». وحتى الحكومة الفرنسية اعترفت بشرعية هذه التحركات طالما أنّ جزءاً كبيراً من الفرنسيين لم يعد قادراً على العيش بالرواتب الحالية حيث أجمع الخبراء والمحللون على أنّ الرواتب تنفق قبل حلول الشهر الجديد بأكثر من عشرة أيام، ويعاني المتقاعدون، وهم شريحة كبيرة، من وطأة عدم قدرة معاشاتهم على تلبية الحدّ الأدنى من احتياجاتهم.
لا شك أنّ ربيع باريس يختلف عن الربيع العربي في أكثر من جانب، أولاً «الربيع العربي» على الرغم من أنه رفع شعارات مثل الحرية وغيرها من الشعارات الأخرى، إلا أنّ مثل هذه الشعارات غير معنية بها فرنسا، ذلك أنّ فرنسا دولة ديمقراطية، على الأقلّ بالمفهوم الغربي للديمقراطية حتى وإنْ كان حولها الكثير من الأسئلة، وبالتالي لا تعاني من نقص الحرية، وهذا الشعار لم يُرفع من قبل المحتجّين، وبالتالي فإنّ ثورتهم، أو تحركهم هو تحرك اجتماعي بالدرجة الأولى وليس تحركاً سياسياً، وإذا كان هذا التحرك وجّه ضدّ الدولة فإنّ ذلك جاء بدوافع اجتماعية وليس بدوافع سياسية، وبكلّ تأكيد هذا له تأثيره اللاحق على الأحداث واحتمال احتوائها قبل الرضوخ والاستجابة لمطالب المحتجّين. أيضاً يختلف الربيع الفرنسي عن «الربيع العربي» في واقع أنّ «الربيع العربي» خططت له وقادته أنظمة غربية وأنظمة في المنطقة انطلاقاً من حساباتها ومصالحها السياسية وليس من حسابات لها صلة بمطالب الجمهور الذي تحرك في «الربيع العربي» أو أريد له التحرك. أيضاً ربيع فرنسا يختلف عن «الربيع العربي» في طبيعة التحرك والوسائل التي اعتمدها، صحيح أنّ بعض «السترات الصفراء» قامت بأعمال مثل الاعتداء على المحال التجارية، وحرق بعض السيارات، واقتلاع إشارات المرور، وهي أعمال تسيء للتحرك وتصبّ في مصلحة الحكومة، وتمكّنها من خلق المبرّرات لاستخدام القوة ضدّ المحتجين، ولكن في الربيع الفرنسي لا وجود للسلاح، ولا وجود للجماعات الإرهابية المتشدّدة التي وضعت أجندتها الخاصة، وأجندة الحكومات المموّلة والداعمة لها بدلاً من الأجندة التي يتطلع إليها الجمهور.
لأنّ ربيع فرنسا يختلف في كلّ هذه النواحي عن «الربيع العربي» فالأمر الأكيد أنّ نتائجه ستكون مختلفة عن نتيجة «الربيع العربي». الربيع الفرنسي سيحقق بعض المطالب وإنْ لم يكن جميعها، وهذا بحدّ ذاته يشكل خطوةً إلى الأمام، في حين أنّ «الربيع العربي» قاد إلى الكوارث والفوضى الدموية، وأعاد البلدان التي ضربها سنواتٍ إلى الوراء.
البناء