تركمانستان الآمنة في محيط قلق!
محمد محمود مرتضى
ترتبط تركمانستان بحدود طويلة مع أفغانستان مما يجعلها دوما أمام تحديات كبيرة تتعلق بالإرهاب ومكافحته، لا سيما بعد الاحتلال الاميركي لأفغانستان في العام 2001، حيث أدى هذا الغزو الى تشظي الجماعات الإرهابية الى خارج الحدود وانتشارها بدل أن يؤدي الى محاصرتها وتحجيمها. ومع دخول “داعش” الى المشهد الارهابي، ومحاولته السيطرة على بعض الأراضي داخل افغانستان، انعكس هذا الصراع بدوره على تركمانستان التي رأت في سيطرة “داعش” على أراضٍ حدودية معها تهديداً لأمنها القومي ما يدفعها لاتخاذ اجراءات وقائية.
ورغم المحيط المشتعل لتركمانستان، فإن التهديدات الارهابية لها لم تحمل أخطاراً كبيرة ما يطرح التساؤلات عن سبب ذلك، وهل يتعلق الأمر بسياسات أمنية اعتمدتها، أم أن للأمر أسباباً أخرى؟
لا شك أن الوجود الإرهابي لتنظيم “داعش” في أفغانستان يشكل تهديدًا جوهريًّا للأمن التركماني، خاصةً أن التنظيم نجحَ في استقطاب العديد من الأفراد التركمانيين، وتشير بعض التقارير إلى أن التركمانيين كانوا من أوائل العناصر الأجنبية التي ذهبت تحت مظلة تنظيم “داعش” إلى سوريا.
لكن من الملاحظ أنه ومنذ العام 2014، بدأت تركمانستان باتخاذ إجراءات تهدف لمنع “داعش” من التمدد إلى أراضيها، ففي حزيران يونيو العام 2015، أعلنت السلطات التركمانية القاء القبض على خمسة عشر فردًا تابعين لـ”داعش” بعد عبورهم الحدود من إقليم هيرات في أفغانستان.
وفي حزيران يونيو من العام 2015 أيضا ألقت السلطات التركية القبض على أربعة أفراد من أصول تركمانية يشتبه بارتباطهم بتنظيم “داعش”، وقامت بترحيلهم إلى دولة تركمانستان مع إرسال المعلومات المُتعلقة بهم.
لقد حاولت تركمانستان ومنذ العام 1991 البقاء بمعزل عن كل الأحداث التي تجري في منطقة وسط آسيا قدر الإمكان؛ اعتقادًا منها أن سياسة الحيادية ستمكنها من كسب التكتلات الإقليمية المختلفة، كما حافظت على علاقات قوية مع تركيا لأسباب عدة، لعل أبرزها الإثنية الواحدة التي تجمعهم، فكلاهما كان جزءًا من الإمبراطورية التركية السلجوقية القديمة، بل إن أتراك تركيا قد جاؤوا بالأساس من وسط آسيا، حينما قامت الإمبراطورية السلجوقية بغزو الأناضول، قبل أن تسمح بحملات هجرة داخلية لعدد من القبائل ذات الإثنية التركية.
الا أن تركمانستان زادت من جرعة علاقاتها مع واشنطن في أعقاب الاستقلال (عام 1991 اثر تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كانت جزءا منه)؛ بدعوى حاجتها لدعم اقتصادي يؤمن لها حالة الاستقلالية الوليدة بعيدًا عن موسكو، الا أنها لم تندرج في أي تحالفات عسكرية مع الولايات المتحدة، بما فيها “الحرب على الإرهاب” في أفغانستان في 2001 التي أعلنتها واشنطن اثر هجمات الحادي عشر من ايلول، لكنها سمحت للولايات المتحدة وحلف الناتو باستخدام مطاراتها لأسباب إنسانية فقط كما تدعي.
وفي آذار مارس من العام 2003، أعلن رئيس تركمانستان السابق نيازوف أنه كان معارضًا للغزو الأمريكي للعراق؛ لأن الأمر لم يتم بموافقة مجلس الأمن الدولي، كما أن العمليات العسكرية لم تتم تحت قيادة الأمم المتحدة، كما كشف عن مخاوفه من أن يؤدي الغزو الأمريكي للعراق إلى التأثير على وضع التركمان العراقيين.
لكن ما هي الأسباب الحقيقية التي جعلت تركمانستان بمنأى عن التهديدات الارهابية رغم محيطها المربك؟ يمكن الحديث عن نقاط عدة نلخضها بالتالي:
1- المزيج من العزلة والانفتاح: اعتمدت تركمانستان سياسة العزلة في السياسة الخارجية كأداة فاعلة، لكنها ايضاً عملت على تقوية علاقاتها الاقتصادية مع دول الجوار، بما في ذلك إيران وأفغانستان. أما فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب في أفغانستان، فتجنبت تركمانستان الدخول فيها كطرف فاعل، واكتفت فقط بالسماح للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام مطاراتها العسكرية كوسيلة لتقديم المساعدة الإنسانية..
2- القبضة الأمنية القومية: تعتبر القبضة الأمنية القوية أداة فاعلة في مواجهة الإرهاب، وتولي تركمانستان هذا الأمر عناية كبيرة.
3- علاقتها مع واشنطن: رغم أن تركمانستان لم تدخل بالتحالف في الحرب في أفغانستان الا أن السماح للطائرات الأميركية بالتزود بالوقود إضافة الى حاجة واشنطن لهذه العملية، ربما يكون قد حيدها عن الاستهداف، خاصة وأن التاريخ يشهد أن معظم الدول التي حاربت الارهاب بالفعل بعيداً عن واشنطن قد تعرضت لاختراقات أمنية، ما قد يدلل على وجود يد طولى للإدارة الأميركية في توجيه العمليات الارهابية لـ”داعش” وغيرها.
4- إن العلاقات القوية بين تركمانستان وتركيا، بسبب الارتباط الاثني، ربما أبعدت الإرهاب عن تركمانستان أيضا، اذ لا يخفى مدى سيطرة ونفوذ تركيا على الجماعات الارهابية والمعلومات الاستخبارية الكبيرة التي تملكها عنهم، فضلا عن تحكمها بالكثير من مفاصل تحركاتهم.
يبدو أن تركمانستان تدرك أن محافظتها على علاقات وثيقة مع واشنطن وأنقرة ستجنبها الكثير من المتاعب، لكن ذلك لا يقلل من أهمية القوانين التي أصدرتها في مجال مكافحة الارهاب، وإن كانت العناصر الارهابية تلك لا تعتني كثيراً بالقوانين أو التشريعات المحلية.
العهد