انسحاب في وقت غريب… إنها الطبخة الأمريكية لسوريا!
بالتأكيد لا يوجد سوري او عاشق للحرية في العالم لم يفرح بالقرار الاميركي بالانسحاب من سوريا بعد سنوات من احتلال الولايات المتحدة لاجزاء مهمة في الشرق والشمال الشرقي السوري وفرضها حماية غير شرعية لقوات انفصالية غير شرعية بادعاء مكافحة الارهاب، وقرار واشنطن لم يكن عن سوريا فقط بل شمل افغانستان ايضا بتخفيض عدد الجنود فيها.
الرئيس الاميركي دونالد ترامب، قال ان جماعة “داعش” قد انتهت وهزمت في سوريا لذلك فان بلاده ستسحب جنودها. لكن هل بالفعل قد هزمت “داعش”؟
من يشاهد الخريطة السورية وخصوصا المنطقة الممتدة من جنوب الحسكة مرورا بالرقة ووصولا الى الريف الشرقي من محافظة دير الزور والحدود العراقية حتى ينتهي المطاف في منطقة التنف على الحدود مع الاردن، اي منطقة النفوذ الاميركية وحلفاء واشنطن الاكراد، يرى اختفاء او تغييب لـ”داعش” بطريقة غريبة، وكأن هذه الجماعة لم توجد في تلك المنطقة من قبل وتقتصر الامور هناك على اشتباكات متفرقة بين الحين والاخر في الجيب المحاصر على نهر الفرات في دير الزور، وذلك لكي تجرب واشنطن بعضا من اسلحتها وقذائفها الذكية بحكم ان هذه المنطقة باتت ساحة اختبار للاسلحة الاميركية بدون اي مراعاة للقانون الدولي.
ادارة ترامب التي قالت انها قضت على “داعش” لم تكشف حتى الان عن مكان تواجد زعيم الجماعة ابو بكر البغدادي او معاونيه، في الوقت ذاته لم تعلن قبضها على احد من قيادات “داعش” البارزين، ولكن اقتصرت انجازاتها المعلنة على قتل سجان سابق لـ”داعش” او سياف تابع لها، ومن هذا القبيل فقط، ولكن اين مصير القادة الكبار للجماعة الذين كانوا في الرقة ودير الزور والذين هربوا من الموصل العراقية الى سوريا، لا احد يعلم ابدا وخصوصا الاجانب منهم وهو ما يضع امام القرار الاميركي بالانسحاب علامات استفهام كثيرة.
الانسحاب الاميركي المفاجئ يوجه سؤالا من بديل هذه القوات او هذا النفوذ على الشرق والشمال الشرقي السوري؟ وهذا القرار سيعري حلفاء واشنطن على الارض اي الاكراد وسيجعل خياراتهم محدودة بنسبة لاجنداتهم خصوصا في ظل تهديد انقرة العلني باجتياح مناطقهم في الشمال السوري، وتلميح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، بانه سيسعى للقضاء على “داعش” ومن يشاهد الخريطة العسكرية لسوريا يرى ان هذه الجماعة لا توجد غير في المناطق الشرقية لمحافظة دير الزور، وكان اردوغان يريد القول بان قوات بلاده قد تكون هي البديل للقوات الاميركية.
“قوات سوريا الديمقراطية” والتي يشكل الكرد نسبة 95 بالمئة منها، بدلا من ان تلجأ للدولة السورية بعد تخلي واشنطن عنها، توجهت الى فرنسا للمطالبة بمنطقة حظر جوي على المناطق التي تسيطر عليها، على غرار شمال العراق في التسعينيات. ومن باريس اكدت المسؤولة البارزة في “قسد” الهام احمد، من انهم قد لا يستطيعون السيطرة على سجناء “داعش” لديهم في حال شنت انقرة الهجوم على مناطق الشمال السوري، وانهم سيوقفون القتال ضد ما تبقى من “داعش” في ريف دير الزور، خصوصا ان هذه المنطقة تضم قادة الجماعة وعلى رأسهم كما يعتقد ابو بكر البغدادي.
الطبخة الامريكية في الشرق والشمال الشرقي السوري باتت جاهزة. انسحاب في توقيت غريب وعشوائي وبدون تنسيق مع حلفاء واشنطن ودون انهاء او تسليم ملف الارهاب لروسيا او الدولة السورية، وهو ما سيؤدي الى بلبلة وعدم استقرار في هذه المنطقة تحديدا، في ظل معارك جديدة بين الكرد والاتراك في الشمال، وهو ما ستستغله “داعش” لتجميع صفوفها واعادة الانتشار في هذه المنطقة. وهذا الامر يحتم على دمشق وحلفائها وعلى راسهم الروس التعامل بسرعة كبيرة مع الملف الشرقي، قبل ان تتم اعادة “داعش” الى الحياة.
الولايات المتحدة تحاول تمكين “داعش” في افغانستان ايضا، في ظل الانسحاب العشوائي ايضا منها، وذلك مع وجود حرب ضروس بين طالبان والدولة الافغانية وهو ما ستستغله “داعش” للسيطرة على مناطق مهمة في افغانستان بعد ان باتت تشكل ثقلا مهما في الساحة الافغانية.
ابراهيم شير – العالم