الإنكليز يخططون والعم سام ينفذ !..
د. مهدي دخل الله
أي عالم يتكون اليوم؟ وأي علاقة بين أوروبا والولايات المتحدة تولد من رحم التناقضات؟…
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حدث مفصلي يعلن ولادة مرحلة جديدة تتكاثر فيها المشاكل بين القارة العجوز والعم سام. إنه إعلان بريطاني قوي بأن الجزيرة (أي المملكة المتحدة) انفصلت نهائياً عن «البر الأوروبي»..
الجزيرة، كما الولايات المتحدة أطلسية أما البر فهو متوسطي متجه بطبيعة الأشياء نحو الشرق الشمالي (روسيا) والشرق الجنوبي، أي آسيا وأفريقيا..
هي ولادة جديدة «للعالم القديم» بعد أن تعب «العالم الجديد» وأتعبنا معه، أما بريطانيا، فعلى الرغم من أنها جزء من العالم القديم إلا أنها انتعشت في القرنين السابع عشر والثامن عشر باستنزاف خيرات العالم الجديد… بشكل خاص استراليا وأمريكا الشمالية.
يلاحظ الإنكليز اليوم، وهم المهرة في النظر مائة عام إلى الأمام، أن البريفلت من أيدي مشروع مارشال شيئاً فشيئاً، وأن روسيا التي كانت منفّرة للغرب بسبب الحاجز الإيديولوجي الصلب أضحت اليوم المكمل الطبيعي، المصلحي، لألمانيا وفرنسا. هذا يعني أن التاريخ يعود بنا إلى ما قبل نشوء الاتحاد السوفييتي حيث كانت القارة الأوروبية تتطلع شرقاً نحو أوراسيا، إن حرباً (نابليون وهتلر) أم تعاوناً..
تملك روسيا كل ما ينقص ألمانيا، وتملك ألمانيا كل ما ينقص روسيا. هناك في الشرق توجد الطاقة واليد العاملة والخامات والسوق، وفي ألمانيا توجد التكنولوجيا والخبرة الصناعية الممتازة..
لقد ورثت المصالح النزاع الإيديولوجي، وبدأت نظرية ديغول الشهيرة حول أوروبا من الأطلسي (أي بدون بريطانيا) إلى الأورال تتحقق خطوة خطوة. أما الإنكليز فهم يدرسون التطورات لإعادة ربط الولايات المتحدة بالعالم، وهم بالتأكيد سوف يقولون للأمريكيين ماذا عليهم أن يفعلوا..
الخطوة الأولى، كما يرى الإنكليز، أن تسيطر أمريكا على باب المندب وقناة السويس. وبما أن بريطانيا مسيطرة على مضيق جبل طارق فإن الحلف البريطاني – الأمريكي المصلحي سوف يبتز القارة العجوز مادام مسيطراً على «أبواب» تجارة أوروبا.
الأمر الآخر المهم هو ما يسمى «بأوروبا الجديدة» أي أوروبا الشرقية التي تشكل حاجزاً جغرافياً بين روسيا وأوروبا الغربية بدءاً من ليتوانيا وأستونيا ولاتفيا في الشمال وصولاً إلى بلغاريا في الجنوب. يعزز العم سام علاقاته الناتوية والاقتصادية مع هذا الجزء من أوروبا لعله يعطل اتجاهاً طبيعياً للاتصال المصلحي بين روسيا والقسم الغربي من القارة الأوروبية..
كيف ستتطور الأمور؟؟.. علينا أن ننتظر لنرى. لكن لا شك في أن خطوات «الاستقلال الأوروبي» ستتوالى ضد الجزيرتين، بريطانيا وأمريكا.. الموقف من الاتفاق الإيراني (5+1) أول الغيث..
البعث ميديا