نتن ياهو وعمليات ترقيع الردع .. الاقتراب من الفخ الجوي وحائط الصواريخ القاتل
كنت في السنوات الماضية أحس بالغضب والانفعال اذا ماأغارت الطائرات الاسرائيلية على أراضينا .. وأتمنى ان تكون يدي على مفاتيح الصواريخ واصابعي تضغط على ازرار الاطلاق للصواريخ السورية لاطلقها زخات زخات .. وكنت أحس بالاحباط من تمنع السوريين في الرد على النتن وشعبه النتن .. لكنني اليوم أراقب مثلكم وانا بعيد عن التوتر .. ولم أعد أغضب لانني عرفت ان غضبي كان ناجما في السابق عن احساس بالرغبة في التحدي واحساس بالحيرة في اختيار الاولويات في المعركة فهل نوقف الهجوم على الارهابيين ونتفرغ لكبير الارهابيين نتنياهو أم نترك كبير الارهابيين ونتفرغ لفراخه وجرائه التي اطلقها علينا وسماهم ثوارا .. وهو كان يغير علينا لأن ظهرنا مكشوف ولانه كان يدرك ان له جنودا على الارض يساندونه ويشاركونه القصف على الوطن السوري من الغوطة الشرقية ومن احياء حلب ومن ادلب ودير الزور والرقة .. فهو وكل المنظمات الاسلامية الجهادية والقاعدية والاخوانية التي تحالفت معه في عقد تخادم .. يخدمها وتخدمه .. ولذلك كان غضبي سببه حيرتي في القدرة على تحديد الاولوية في التحدي .. هل نتحداه ونضرب جنوده ومشاته وانتحارييه الاسلاميين على الارض حيث تنظيماته الاسلامية .. ام نتحداه مباشرة ونضربه في مواجهة مباشرة على الجبهات حيث نصل اليه دون وكلائه .. وكان جلّ الغضب هو رغبتنا في قبول التحدي الذي كان الاسرائيلي يعتقد انه يحرجنا به ويجعل خياراتنا صعبة فان رردنا عليه قامت تنظيمات الغوطة بالاغارة علينا بقذائف الهاون والعمليات الانتحارية .. وان لم نرد عليه قويت شوكة جنوده الارهابيين وضعفت شكيمة الوطنيين السوريين ..
أما اليوم فان نتن ياهو هو المحدود في خياراته .. والتحدي الوحيد الذي يضعه امامنا هو تحد شخصي فهو يدرك ان المعركة التي راهن عليها في سورية خاسرة وان المجد الذي كان يبنيه لنفسه في تاريخ بني اسرائيل ونصب تحت الشمس كزعيم دمر العدو الشمالي وأتى بالأمن للاسرائيليين قد زال وتبخر .. بعد ان تمكن بيغين من تحييد مصر وازالة الخطر الجنوبي “الفرعوني” حيث لايريد “فرعون” ان يلاحق العبرانيين بعد اليوم .. بل وبدأت حملات اللوم والتقريع على نتن ياهو لأنه وان تسبب في ارباك العدو في الشمال فانه قد تسبب في ان يكتشف هذا العدو الطاقات الكامنة لديه وتمكن من تحويل المحنة الى فرصة جدّد فيها الاندفاع والعقيدة القتالية وشحذ جيشه بسلاسل الدبابات وبالاحتكاك مع أقسى التحديات العسكرية ومع أعتى اشكال المواجهة مع أشرس انواع المقاتلين .. بل ودخل الجيش السوري وجيش حزب الله أكبر مناورات بالذخيرة الحية في تاريخ العالم .. وفوق كل هذا دخلت روسيا على الخط ودخلت صواريخها الى العتاد السوري بعد غياب طويل .. فصار النتن كمن يقال (أحضر الدب الى كرمه) .. وكل هذا يعني ان نتن ياهو ربما تسبب في توريط شعب الله المختار في مواجهة خارج الحسابات وفتح بيديه صندوق الباندورا الذي كسر قفله وهو يظن انه تابوت العهد ..
النتن ياهو وشعبه يستحقان الشفقة والرثاء وهم يفومون بعمليات ترقيع الردع الاسرائيلي .. لأننا ونحن نرى غارات الطيران نعرف كم تقلصت طموحات شعب الله المختار .. من الاستيلاء على كل القرار السوري وانهاء الخطر القادم من الشمال الى انجاز في اطلاق بضعة صواريخ لايشك احد في انها صواريخ استطلاع ومجسات لمعرفة مدى فعالية النظام الدفاعي الجوي الحديث في سورية ولاستدراج صاروخ ال 300 ليظهر بقوامه الرشيق في الأجواء .. فربما يظهر علنا ويقدم بياناته وشيفراته .. لتحضير ترياق له في المعركة القادمة ..
ان مغامرة نتنياهو المستميتة لاظهار انه لايخشى الشمال وان شيئا لم يتغير قد تكون هي الفخ الذي سيعتمد عليه عدو الشمال وحلفاؤه للايقاع بنتنياهو وطائراته كما حدق في الكمين الماضي الذي ترك المجال مغريا لدخول طائرات ف 16 للمجال الجوي السوري الى ان كان قد اعد لها صلية صواريخ سام 5 .. فما يحدث اليوم هو السماح باقتراب الطائرات من حائط صواريخ اس 300 بدخولها الجو اللبناني بل والدخول في مجالها الحيوي .. ولكن هذا الاقتراب لم يفلح في اثارة شهية الخصم ولا اثارة الصواريخ حتى الان .. وهذا ماقد يستفز او يغري نتنياهو في توسيع المناورة والتحدي او في الاقتراب اكثر في المرات القادمة لاعطاء التهديد طابعا جديا وخطيرا .. خاصة ان تكرار الضربات واسقاط معظم الصواريخ سينعكس سلبا على المزاج العام الاسرائيلي الذي يبحث عن ضربة معنوية كبيرة ضد الجيش السوري وليس مجرد التهويش بالاقتراب واطلاق صواريخ من على البعد واسقاط معظمها .. ولكن الالتزام السوري الصارم بعدم اطلاق الصواريخ الحديثة لايعني انها ستنتظر الى مالانهاية بل يعني انها تنتظر هدفا معنويا ثمينا عزيزا على قلب اميريكا واسرائيل ثأرا لطائرة ايل 20 الروسية .. مثل الاطباق على أسراب كبيرة اسرائيلية او الاطباق على طائرة ف 35 لتسقط خارج الاراضي الفلسطينية المحتلة بحيث لاتقدر اسرائيل على انكار الصدمة وسيهتز كل حلف الناتو من هذه الصدمة .. او ان سورية وحلفاءها ينتظرون ان يطبق كمين دقيق على سرب كامل من الطائرات الاسرائيلبة .. لأن اغواء الاسرائيليين لتكرار المحاولة لاثبات نظرية الردع الاسرائيلي الذي لم يتأثر لابد ان تجعلهم يسقطون في حسابات خاطئة لم ترد في اعتباراتهم ..
سيجد كل من يقرأ سلوك نتن ياهو انه ليس عاجزا عن قراءة سلوكه وهو الذي يتلقى اليوم اللوم والتقريع يلجأ الى الرتق والترقيع بالاستعراضات برقصات وزيارات العواصم العربية وبغارات تريد ان تؤكد للاسرائيليين ان القيادة العسكرية تطمئنكم انكم في أمان وان صدمة الفراغ من الغياب الامريكي لايجب ان يؤثر على معنوياتكم وان لايتسبب في قلقلكم وزياردة هلعكم .. وان مادأبنا عليه لن يتغير ..
ولكن اسرائيل لم تعد اسرائيل .. لأن سورية لم تعد سورية التي كانت محاصرة ب 130 دولة .. اسرائيل لم تعد قادرة على ان تغير شيئا مما حدث “في الشمال” وماسيحدث لها “من الشمال” .. رغم ان البعض يرى ان مناورات نتنياهو تشبه مناروات الفلسطيننين في الستينات عند انطلاق فتح لأنهم كانوا يدركون ان عملياتهم ليس بمقدورها تحرير الاراض لكنها قد تتسبب في انزلاق اسرائيل الى مواجهة مع دول الطوق فتتقدم القضية الفلسيطنية خطوة نحو الامام .. ونتن ياهو يتوق الى معركة محدودة ايضا تضطر ترامب الى التراجع عن خططه للانسحاب من سورية او تعديل الالتزام الاميريكي في الشرق السوري تحت ضغط الواجب الاخلاقي للبقاء لحماية اسرائيل اذا وقعت معركة ..
لايزال الرد السوري يعتمد اسلوب الاستيعاب والاحتواء التدريجي .. ولايزال قادرا على ضبط ايقاع اعصابه وردوده .. ولايزال يحتفظ باسراره وقدرات عسكرية لن يزج بها الا في اللحظة التي يختارها .. واليوم لايتملكني اي شعور بالغضب بل شعور مطلق بالثقة بالنفس وادراك كامل لحيرة نتنياهو ووصوله الى نقطة التحدي التي كنا نقف عندها منذ سنوات عندما كان يغير علينا .. فاذا به يغير علينا اليوم لأنه يدرك حجم الورطة التي يواجهها وحجم التحدي الذي يلاقيه بما يحدث من تطورات مذهلة خارجة عن حساباته في الشمال .. انه تحدي التوتر والقلق والحيرة واثبات الذات .. فسبحان مغير الاحوال .. كان النتن يهاجمنا ليضعنا امام التحدي .. فصار يهاجمنا ليضع نفسه امام التحدي ويثبت انه لايزال كما هو لم يتغير .. ولكن الدنيا تتغير بسرعة يانتن .. وتغيرت كثيرا .. ولكن البعض لايفيق على أصوات الزمن وهو يغادر او يدخل .. لايفيق الا اذا أيقظته أصوات الصواريخ القاتلة حيث جثث الطائرات الاسرائيلية تنضم الى جثث الميركافا ..
انا أنتظر خبرا .. وعندي كل اليقين انني ساسمعه ذات فجر ليس ببعيد ..
نارام سرجون