إقليم كردستان من حكم العشيرة إلى حكم العائلة
أحمد ضيف الله
ثلاثة أشهر قاربت على انتهاء الانتخابات البرلمانية التي جرت في إقليم كردستان العراق في الـ30 من أيلول الماضي، التي تلتها موجة صاخبة من الرفض والاعتراضات على نتائجها من قبل كل القوى الكردية المشاركة فيها، باتهام الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني المتصدر لنتائجها بـ45 مقعداً، بالتزوير والتلاعب بنتائجها، رافضة قبول النتائج التي أفرزتها تلك الانتخابات.
إلا أنه بعد التصديق عليها من قبل مجلس القضاء في إقليم كردستان في الـ30 من تشرين الأول الماضي ورد جميع الطعون، سلمت تلك القوى بالأمر الواقع وصمتت بانتظار إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني عن خطواته لتشكيل حكومة الإقليم، وبرنامجه لإنقاذ إقليم كردستان من واقعه الاقتصادي والمعيشي المتردي، لحصوله على أكثرية مقاعد برلمان الإقليم البالغة 111 مقعداً.
هذا الصمت أو السكون في الساحة السياسية لإقليم كردستان كسره بيان الحزب الديمقراطي الكردستاني في الـ3 من شهر كانون الأول الحالي معلناً أنه «قرر أن يرشح مسرور بارزاني لرئاسة الكابينة الجديدة لحكومة الإقليم ونيجيرفان بارزاني لرئاسة إقليم كردستان، بعد أن يتم تفعيل هذا المنصب».
ومسرور بارزاني الذي يشغل الآن منصب مستشار مجلس أمن إقليم كردستان، هو النجل الأكبر لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، فيما نيجيرفان بارزاني الذي يشغل منصب رئاسة حكومة الإقليم منذ عام 2011 حتى الآن، والمتزوج من نبيلة ابنة مسعود، هو ابن إدريس الأخ الراحل لمسعود.
وقد تراوحت مواقف القوى السياسية الكردية الأولية بين من اعتبر أن «ترشيح مسرور بارزاني لرئاسة حكومة إقليم كردستان شأن داخلي للحزب الديمقراطي»، وبأن «الاعتراض سيكون فقط على منصب رئاسة الإقليم لأن تفعيل هذا المنصب بحاجة إلى قرار من قبل برلمان الإقليم»، وبين من رأى أنه «لا يجوز أن يقوم «الديمقراطي» بالاستحواذ على منصبي رئاسة الإقليم والحكومة ويجب أن يكون هناك مرشحين من باقي الأحزاب»، وأن «مسألة رئاسة الإقليم قضية عامة ولا تخص الحزب الديمقراطي فقط كي يسمي لها شخصاً لشغلها دون مراعاة الآخرين، أنه تحول من حكم العشيرة إلى العائلة الواحدة».
إن ترشيح مسعود بارزاني لكل من نجله وصهره لأرفع منصبين في الإقليم يندرج ضمن إطار سعيه لحسم الصراعات السياسية الخفية بين هذين الرجلين المقربين منه بهدوء، ومن دون إثارة أية قلاقل، لإعادة ترتيب تنظيمه الحزبي وعائلته، كخطوة تمهيدية لاستلام الجيل الثالث من العائلة البارزانية لمقاليد الحكم والقيادة السياسية والإدارية في إقليم كردستان، بعد والده الملا مصطفى الذي خلفه ابنه إدريس بعد وفاته، ومن ثم مسعود بعد وفاة أخيه، في مسعى لتثبيت قواعد حكم نجله مسرور خلال وجوده على رأس هرم تنظيمه الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتمتعه بصحة جيدة مع بلوغه 72 عاماً، درءاً لأية مخاطر محتمله بعد انتهاء دوره السياسي أو رحيله، خاصة بعد أن امتنع برلمان الإقليم السابق عن تمديد فترة رئاسته التي امتدت منذ العام 2005، واضطراره في الـ29 من تشرين الأول 2017 إلى التنحي عن منصبه كرئيس للإقليم، في أعقاب ما أثارته عملية الاستفتاء التي أجراها على استقلال إقليم كردستان من نتائج عكسية، بقيام الحكومة المركزية في بغداد بالرد على تلك الخطوة بشكل حازم عسكرياً واقتصادياً، ومن ثم قيام برلمان الإقليم في حينها بتوزيع صلاحيات رئيس الإقليم على السلطتين التنفيذية والتشريعية، من دون إلغاء المنصب.
إن الخطوة التي قام بها مسعود تندرج ضمن تحويل الحكم إلى نمط عائلي بعد أن كان عشائرياً. إلا أنها لن تمنع احتمالات حدوث الصدام بين أبناء العمومة على السلطة والثروة، التي طفت الخلافات فيما بينهما على السطح خلال فترة الاستفتاء على استقلال الإقليم، حيث كان واضحاً عزوف نيجيرفان بارزاني عن القيام بحملات دعائية للاستفتاء والاستقلال لاعتقاده أن البقاء ضمن العراق الموحد أفضل، بالاستقلال عنه اقتصادياً فقط، وبالتفاهم مع حكومة حيدر العبادي، بعكس عمه مسعود الذي كان يتصدر عقد اللقاءات الجماهيرية شبه اليومية لشرح مزايا الاستقلال، ونجله مسرور الذي كانت تصريحاته الحادة والنارية تتصدر وسائل الإعلام الغربية دفاعاً عن خطوة الاستقلال.
إن مشكلة نيجيرفان هي أنه لا يملك نفوذاً كبيراً أو مؤثراً داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، عدا عن أنه كان على خلافات مستمرة مع بعض قيادات الحزب المخضرمين، لانشغاله خلال فترة رئاسته لحكومة الإقليم، في إدارة الحكومة واستثماراته الخاصة، حيث يملك عقارات ضخمة في أوروبا وأميركا، فضلاً عن سلسلة من المراكز التجارية والشركات الضخمة في محافظتي أربيل ودهوك، بعكس ابن عمه مسرور الطامح لخلافة والده والمسيطر بشكل مطلق على قوات البيشمركة والأسايش ومفاصل الأمن في الإقليم، والذي يحظى بدعم كبير من قبل القيادات المخضرمة في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
إن الصراع والتنافس بين نيجيرفان ومسرور لم يقتصر على الساحة السياسية فحسب، بل امتد إلى الساحة الإعلامية، حيث قام مسرور بدعم إنشاء فضائية «كردستان 24» لإبراز نشاطاته وتوجهاته، ولمنافسة فضائية «روداو» المدعومة من نيجيرفان، كذلك أدى التنافس بينهما، إلى تحفيز مسرور للدخول إلى عالم الاستثمار، بافتتاح مولات ومراكز تجارية عديدة داخل محافظتي أربيل ودهوك.
إن مسعود بارزاني يعرف تماماً أن القوى الكردية ستعاود النشاط خلال الدورة البرلمانية الحالية لإقليم كردستان لجعل منصب رئاسة الإقليم تشريفياً وبروتوكولياً كمنصب رئيس جمهورية العراق، وبترشيحه نيجيرفان للمنصب سيتمكن من تحقيق هدفين، الأول: إرضاء القوى السياسية الكردية بتمرير هذا التوجه من دون إغضابها، والثاني: سحب البساط تدريجياً من تحت أقدام ابن أخيه نيجيرفان بوضعه في موقع شكلي، مخلياً الساحة لنجله مسرور من أي منافس، على الرغم من أن مسرور سيواجه الكثير من القضايا والمسائل المعقدة والصعبة، كتوفير رواتب الموظفين وتحسين الواقع الاقتصادي وتقديم الخدمات الحياتية شبه المفقودة للمواطنين في الإقليم، إضافة إلى إدارة ملف النفط والعلاقات مع بغداد، الذي تقصد والده باصطحابه إليها منفرداً دون أحد آخر من حزبه أو الأحزاب الأخرى في الـ22 من تشرين الثاني الماضي بعد قطيعة استمرت نحو عامين، لتقديمه للآخرين على أنه الشخص الأول في الإقليم والحزب من بعده.
لقد شهدت فترة ترأس مسرور، المعروف بقسوته وسطوته، لجهاز أمن الإقليم، الكثير من عمليات الاغتيالات لشخصيات سياسية وإعلامية كانت قد وجهت انتقادات له ولوالده خلال الأعوام الماضية، وسجلت كلها ضد مجهول، من أبرزهم سوران مامه حمه، وسردشت عثمان، وكاوه كرمياني، وودات حسين، وشكري زين الدين ريكاني، وآخرون، فهل تتكرر صورة ولي العهد السعودي في حكم إقليم كردستان؟!
الوطن