العائدون العرب الى دمشق وحقائب المال الوافدة لإعمار سورية
لم يكن مفاجئاً عودة افتتاح سفارة الإمارات العربية المتحدة في دمشق اليوم، كما لن يكون مفاجئاً توالي الإجراءات المماثلة في سياق “عودة التائبين” إلى سورية، فهذه انعطافات متوقّعة عموماً وهي من صلب السياسات التقليدية للدول بعد الاصطفافات الخاطئة في زمن الحروب..والبراغماتية خاصيّة مشروعة في الأدبيات السياسية عادةً.
لذا قد يكون علينا انتظار فصول تحوّل كبرى في المضمار العربي بما يخصّ العلاقة مع سورية، في الخط الراجع لمسار السباق الذي جرى في العام 2011 أي منذ أكثر من سبع سنوات..سباق ذاهب باتجاه مقاطعة وعزل سورية، واليوم السباق الراجع والتهافت نحو دمشق..حتى السعودية بدأت بلملمة نفسها وترتيب أوراقها للتماهي مع المعطيات الجديدة، و كانت المبادرة إلى ” خلع الجبير” كأكثر الواجهات المتسخة والملوّثة التي وجب تبديلها .
على العموم إن كانت الحرب محنة، ففيما يليها نعمة إن حُسمت على انتصار، فالمنتصر ليس هو من يكتب التاريخ وحسب، وإنما المالك الجديد لمفاتيح القوة والحضور، و هو من يرسم ملامح إحداثيات ما بعد الحسم، التي وإن تعددت اتجاهاتها ستكون على صلة مباشرة بالسيادة كمفهوم غاية في السمو والدلالات.
انتصرنا في حربنا على الإرهاب وأصبحنا على مخارج المحنة فأنجزنا استحقاقاً مصيرياً، سيليه استحقاق حتميّ بذات الحساسية تقريباً، بات قيد التداول حالياً في الأروقة الرسمية، تحت عنوان “إعادة الإعمار”، وهو ما يهمنا في الواقع أمام حتمية و إلحاح بناء بلدنا، بعيداً عن التفاصيل الأخرى في اعتبارات عودة التائبين، ولا نظن أن – الإعمار كاستحقاق – يقلّ حساسية وتعقيداً في إدارته عن إدارة الأزمة ويوميات الحرب القاسية، خصوصاً وأن ثمة لعاباً بدأ يسيل على محفظة الاستثمار في الإعمار، وهانحن نستنتج ونعاين ما يجري من انعطافات حادّة في مواقف دول وكيانات تفننت في إبداع فصول الدمار لكنها تفصح عن طموحات بحصّةٍ ما من “كعكة” إعمار سوريّة.
ورغم أن الأولويات الخاصة بشركائنا في هذا الملف أمست متبلورة تماماً لدينا كدولة، و تمّت الإشارة إليها على مستوى أكثر من مقام رسمي، يبقى المهم الآن أن نبلور اتجاهات بوصلة الإعمار، فالأولويات الآن تخصّ البنى وليس الباني، و ماهية الخارطة المفترضة هي الأهم في مثل هذه الرحلة المديدة التي ستطول لسنوات تتجاوز بكثير عدد سنوات الحرب.
لا بأس أن نبدأ فوراً في رسم ملامح خارطة طريقنا نحو المستقبل، و بجدول احتياجات تنمويّة سورية بحتة، دون السماح بالانزياح أو الوقوع في غواية الرساميل المحليّة أو الوافدة، التي جرّبنا شغفها بالفرص السهلة ومطارح الدوران السريع للأموال، لاسيما وأننا كنّا “ضحيّة” هذه النزعة يوماً، عندما أشرعنا أبوابنا للطامحين بالفرص الامتيازية خلال سنوات الانفتاح التي تجرّعنا ثمارها المرّة وما زلنا.
الواقع أننا سنكون قريباً أمام فرص دسمة بالنسبة لتدفقات الأموال القادمة إلينا من جنسيات مختلفة، وربما سيكون هدف جلّها مطارح الإعمار وفق الدلالات الضيقة للمصطلح، أي بناء مدن وشوارع وجسور، وهذا بدا واضحاً من خلال اختصاصات الوفود التي شرعت بزيارتنا لحجز حصص لها هنا في “البزنس السوري الجديد”، إلا أن الأولويات الإنتاجية لم تغب عن أجندة حكومتنا،يجب تغيب عن أجندة و حسابات حقائب المتمولين الوافدين إلينا..هذه هي الفرص التي نعتقد أن فيها كفايتنا من الدسم، وقد فشلنا في تلبيتها سابقاً برساميل من لبّوا دعوتنا لكنهم هم من اختار وليس نحن.
إذاً نحن الآن وجاهياً مقابل استحقاق توزيع الفرص، تماماً كما صغنا خارطة التشاركية بين العام والخاص وفق أفق تنموي، لا بد لنا من رسم ملامح افتراضية للمشهد القادم، وهو أوسع وأشمل، تراعي التناغم الدقيق بين بناء الحجر و إعادة إنعاش البنى الإنتاجية لا سيما في قطاعي الزراعة والصناعة، ولو اضطررنا لربط الحصص والفرص وفق اشتراطات نسبية، كربط الاستثمار في الصناعة الاستخراجية بنظيرتها التحويليّة، والاستثمار العقاري بالآخر الزراعي، و إلا سنكون أمام حصيلة تنمويّة عرجاء ستعيدنا إلى ذات الارتكاسات التي اعترتنا فيما قبل سني الحرب علينا، لكن على العموم نحن مؤمنون بأن الضربات القوية تهشم الزجاج لكنها تصقل الحديد، وحسبنا ألا تخيب ظنوننا.
الخبير السوري