ماذا يَعنِي تخويل الرئيس الأسد للعِراق بقَصفِ مَواقِع “داعش” في سورية؟
“الدولة الإسلاميّة” أو (داعش) مُقبِلةٌ على مَرحلةٍ جَديدةٍ مِن التَّمَدُّد في الإطارِ العمليّاتي على الأقَل في المَناطِق الواقِعةِ على الحُدود السوريّة العراقيّة، وعلى طُولِ شَرق الفُرات، ومِن المُتوقَّع أنْ يَصُب الانسِحاب الأمريكيّ الذي سيَكتمِل في غُضونِ مِئة يَومٍ على الأكثَر، حسب وعود الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، في مَصلحةِ “نُهوضِها” الجَديد الأمْر الذي باتَ يُشَكِّل قَلَقًا للقِيادَتين السوريّة والعِراقيّة مَعًا.
الزِّيارة الخاطِفَة التي قامَ بِها السيد فالح الفياض، المُستشار الأمنيّ لرئيس الوزراء العِراقيّ عادل عبد المهدي لدِمشق، ولقاؤه بالرئيس بشار الأسد، تُشَكِّل انْعِكاسًا لهَذا القَلق، وبدايةَ التَّنسيقِ بين البَلدين لمُواجَهة هذا التَّحَدِّي الجَديد لأمْنِهِما.
اختِيار السيد الفياض، زعيم الحَشد الشعبيّ وأحَد أبْرَز مُؤسِّسيه لهَذهِ المُهِمَّة، أيّ التَّنسيق بينَ القِيادَتين السوريّة والعِراقيّة، لمْ يَكُنْ بمَحضِ الصُّدفَة، فقُوّات الحشد الشعبيّ لَعِبَت دَوْرًا جَوْهَريًّا في التَّصدِّي لـ”الدولة الإسلاميّة” (داعش) وإخراجِها مِن الموصل ومُعظَم المُدُن والقُرى العِراقيّة التي خَضَعَت لسَيطرتِها قبل أكثَر مِن ثلاثِ سنَواتٍ تَقْريبًا.
الرئيس السوريّ بشار الأسد الذي نجَح في تطوير عُلاقات تحالفيّة قَويّة مَع الجار العِراقيّ في الصُّعُد كافَّة، والأمنيّة خُصوصًا، خَوَّل السُّلطات العِراقيّة وأذرُعِها الأمنيّة والعسكريّة بقَصفِ قواعد “الدولة الإسلاميّة” في الأراضي السوريّة، وصارَ بمَقدور الطَّيَران العِراقيّ الدُّخول بكُل حُريّة إلى هَذهِ الأراضِي، وقَصْف تَجَمُّعات وقواعِد هذا التَّنظيم المُتطرِّف دُونَ إذْنٍ مِن القِيادَة السوريّة، مُجَرَّد إبلاغِهِا فَقَط.
هذا الاتِّفاق الأمنيّ السوريّ العِراقيّ يُعيد التَّذكير باتِّفاقٍ مُماثِلٍ وقَّعه العِراق مع تركيا في زَمَن الرئيس العراقيّ صدام حسين، أعطَى الأخيرة الحُريّة المُطلَقة في التَّوغُّل في عُمُق الأراضِي العِراقيّة شَمالًا، ومُطارَدة خَلايا حِزب العمّال الكردستاني وقَصفِها، وهو الاتِّفاق الذي خَفَّضَ العَمليّات العَسكريّة لهذا الحِزب، ويَبدو الآن أنّ التَّاريخ يُعيد نفسه، ولكن بِشَكلٍ مُعاكِسٍ.
التَّنسيق الأمنيّ السوريّ العِراقيّ يأتِي أيضًا في وَقتٍ تتزايَد فيه التَّهديدات التركيّة بقَصفِ قوّات سورية الديمقراطيّة في شَرقِ الفُرات التي طَلبت حِماية الدولة السوريّة، وحَديث مُتزايِد عَن رغبةٍ أمريكيّةٍ بدَعمٍ عَربيٍّ خليجيٍّ لإقامَة إمارة “قبليّة” عربيّة سُنِّيَّة شَرق دير الزور حَيثُ تتواجَد مُعظَم احتِياطات النِّفط والغاز السوريّة، ممّا يَعنِي أنّ هُناك قَرارًا مُشتَركًا سُوريًّا عِراقيًّا لمَنعِ قِيام أيّ كيانات جديدة، طائفيّة أو عِرقيّة في هَذهِ المِنطَقة الاستراتيجيّة الحسّاسة على حُدودِ البَلدين.
حالة النُّهوض والإحياء التي تَعيشها “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش” حاليًّا، باتَت عُنصُر تَنسيق وتَوحيد بين العِراق وسورية، وهو ما فَشِل حزب البعث في تَحقيقِه، وهُنا تَكمُن المُفارَقة الكُبرَى، وما يُمكِن أن يتَفَرَّع عَنها مِن تَغييراتٍ قادِمةٍ في خريطة التَّحالُفات برِعايةِ إيران ودَعمِها.
إعلان الرئيس الأمريكيّ ترامب الانتِصار على “الدولة الإسلاميّة” والقَضاء عليها وخَطَرِها بالتَّالي سابِقٌ لأوانِه، عَلاوةً على كَونِه جاءَ مُتَسَرِّعًا، ولتَبرير انسِحاب القُوّات الأمريكيّة، اعتِرافًا بالفَشَل، وتَقْليصًا للخَسائِر، ولعلّه يُذكّرنا أيضًا بإعلانِ سَلفه جورج بوش الابن بانتِهاء المُهِمَّة في العِراق بعد غَزو عام 2003.
المَعارِك ستَنتقِل إلى شَرق الفُرات في أيِّ لَحظةٍ، وسيَكون للعِراق دَورًا كَبيرًا فيها، فزَمن انْشِغال العِراق بخِلافاتِه وانقِساماتِه الداخليّة رُبّما اقتَربَ مِن نَهايَتِه.. واللهُ أعْلَم.
“رأي اليوم”
Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73