ما علاقة الصين بالانسحاب الأمريكي من سوريا؟
د.علي الباشا
بين تباين المواقف من دخول تركيا و حلفائها إلى الشمال السوري وإلى “منبج” بالتحديد وتحشيدها على خط نهر الساجورشمال منبج وبين عودة المدينة إلى السيادة السورية وتحشيد القوات السورية على الخط الغربي و الجنوبي الغربي منها وتأرجح الإنسحاب الأمريكي منها المزمع خلال 120 يوم بعد تعديله وحشد جنودها المنتشرين بالخط المقابل للقوات السورية ، وبين عدم امتلاك الميليشيا الكردية المدعومة أمريكياً والمسيطرة على منبج زمام أمرها وقرارها تظهر معضلة “منبج” التي أتحدر منها لتشكل هاجساً دولياً وإقليمياً يستحوذ على حديث القادة ووسائل الإعلام.
في الآونة الأخيرة كثرت التوقعات والتحليلات حول مصير منبج الغامض و الشمال السوري عموماً ، وفندت السيناريوهات المحتملة هذا المصير ، لكنها في المجمل لم تجافي الحقيقة و السر الذي دفع القرار الأمريكي للانسحاب منها ومن الشمال السوري على وجه السرعة وقد وصفه كثيرون بأنه متسرع ولا يخدم المصالح الأمريكية، مع أن ترامب قد أوضح السبب المباشر من تواجد قواته في سوريا ، ولم يقف عند ذلك بل ووقع قرار سحب نصف جنوده المتواجدين في أفغانسان أيضاً والبالغ عددهم 14 ألف جندي.
***
غير أنّ النظر بموضوعية إلى هذا القرار يكشف القلق الذي يساور الإدارة الأمريكية من توسيع سيطرتها الوهمية في مناطق لا تخدم نفوذها الاستراتيجي مقابل صعود مشاريع دولية تُحبك في الخفاء بين الندين التقليدين والمنافسين القويين روسيا و الصين، ولأن الرئيس الأمريكي يميل إلى روسيا مخالفاً بذلك عداء القادة الأمريكان لها على مر التاريخ وهو المعجب الخجول بسياسة بوتين على مبدأ ” روسوفايل” خاصة وأن الانتخابات التي صبت لصالحه آلت إليه حسب المنظرون بمساعدة روسيا ، فقد حزم أمره أن يخدم روسيا في سوريا و اوكرانيا وحتى في العقوبات ضد إيران مقابل أن يكسبها في مشروع معاد للصين أو على الأقل عزلها.
توسيع النظرة إلى قرار ترامب يجعل الرؤية أكثر وضوحاًعلى المستوى العالمي من أن تُحصر في انسحابه من الشمال السوري. فلوعدنا للوراء قليلاً نجد أنه أصرّ على مقابلة الرئيس الكوري الشمالي رغم كل الموانع العارضة وذلك ببساطة لسحب البساط من تحت قدمي الصين التي تتحكم بالقرارالكوري إلى حد متجذر وأتبع ذلك بفتح حرب تجارية مع الصين في مارس/ 2018 من خلال فرض رسوم جمركية باهضة على سلعها بسبب ممارساتها غير العادلة و سرقتها الملكية الفكرية على زعمه وقد أنكر ذلك بعد شهر بقوله ” لقد خسرنا الحرب (التجارية مع الصين) منذ سنوات بسبب السفهاء الذين يمثلون الولايات المتحدة” ورغم أن أعضاء إدراته منقسمون في الضغط على الصين كما هم منقسمون في الميل إلى روسيا إلا أنه قد حسم أمره في ملاطفة موسكو ومشاكسة بكين. فالتقارب الروسي – الصيني مهما كان نوعه يقلق أمريكا و أوروربا على حد سواء وعلى ترامب أن يضع فواصل بينهما بحيث لا تجلس أمريكا في الضباب والمؤشرات على ذلك أنه رغم الهدنة هي في تصاعد خطير انطلاقاً من سعيه -أي ترامب- لعزل كوريا الشمالية عن الصين في اتفاق يضمن عدم دخولها في حرب مع أمريكا ووقوفها إلى جانب الصين مقابل عدم تدخلها في النزاع المستقبلي وضمان أمنها وكيانها وهي مخاوف لا يمكن تجاهلها خصوصاً أن الصين لها تاريخ ندّي في التفاهمات مع أمريكا.
إضافة إلى ما سبق، يستعد الاقتصاد الصيني المتصاعد من إزاحة الاقتصاد الأمريكي والذي سيحتل المرتبة الأولى عالمياً في العام 2022 حسب خبراء بعد أن أزاح ألمانيا و اليابان ولأن أمريكا تحب التفرد بالاقتصاد العالمي فهي عازمة على كبح تفوذ بكين بطرق مختلفة وقد بادرت إدارة ترامب بفرض حزم ضريبية حتى على حلفائها الأوروبيين ، ثم أتبعتها بمحاولات جادة للي ذراع بكين في تايوان ، الأمر الذي أقلق جدياً الرئيس الصيني وصرح في 02/01/2019 أن الصين تحتفظ بخيار اللجوء للقوة لمنع استقلال تايوان.
***
من هنا نقول أن الانسحاب الأمريكي من سوريا ومعها أفغانستان يأتي في سياق تخفيف الأعباء الأمريكية المتناثرة من جهة و تلطيف الأجواء مع روسيا من جهة أخرى، بالإضافة إلى كسب ود تركيا بقبولها صفقة طائرات الـ اف 35 و صواريخ الكروز مقابل ما تعد له الويلات المتحدة من مواجهة مستقبلية مع الصين والتي قد لا تصل إلى مستوى حرب المواجهة المسلحة.
دمتم بخير ،،
رأي اليوم
Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73