في ظل الأزمة المالية المتوقعة.. كيف تحمي أموالك في 2019؟
لا يتوقع الكثيرون أن يكون عام 2019 الأفضل لأصحاب المال والأعمال، إذ من المتوقّع أن يشهد العالم أزمة مالية ربما تكون عنيفة، وذلك في الوقت الذي انتهت فيه 2018 بنتائج اقتصادية متواضعة، فقد تكبّدت غالبية الأسواق العالمية خسائر حادّة نهاية العام الذي يعدّ الأصعب منذ الأزمة العالمية الأخيرة، وسط تباطؤ اقتصادي عام، وقد يظنّ البعض أن مثل هذه الأزمات تضرّ المستثمرين الكبار فقط دون غيرهم، ولكن في الواقع لا يسلم أحد من الآثار السلبية للأزمات، خاصة في ظلّ الارتباط الكبير ما بين اقتصاديات العالم.
لكن كيف يمكن للأفراد في المنطقة العربيّة حماية أموالهم خلال مثل هذه الأزمات؟ وما هي الاستثمارات الآمنة إلى حد ما خلال 2019؟
هذا ما سنحاول التعرّف إليه خلال هذه التقرير، عن طريق مناقشة أبرز الاستثمارات المتاحة والتحذير من المخاطر المتوقّعة. وبحسب ما يرى محمد عبد الحكيم، رئيس قسم البحوث بـ«شركة فيصل لتداول الأوراق المالية» فإنّ الرؤية العامة لعام 2019 هي أنّه عام مليء بالمخاطر على مستوى الاقتصاد العالمي والأسواق الناشئة بصفة خاصة.
ويقول عبد الحكيم خلال حديثة لـ«ساسة بوست» أنه على مستوى المنطقة العربية، فإن النفط يشكّل العامل الأبرز من ناحية الضغط على اقتصادات العرب النفطية، وذلك بسبب الهبوط الكبير في الأسعار ومستويات الأسعار البعيدة عن نقطة التعادل لموازنات الدول العربية، وهو ما سيلقي بظلال سلبية على المنطقة، ولذلك ينصح باللجوء إلى الاستثمارات الأكثر أمانًا في قطاعات السلع والخدمات والأغذية والأدوية، لأن هذه القطاعات لا يتأثّر الطلب عليها بوجود الأزمات المالية، أو مرونة الطلب السعريّة لهذه القطاعات قليلة، على حد تعبيره.
بريق الذهب يزداد عند الأزمات
لم يكن عام 2018 هو الأفضل للذهب، إذ فقد المعدن النفيس 4.36% من قيمته خلال العام الماضي، وذلك على عكس ما كان متوقعًا، إلا أن هناك عوامل أخرى كان أبرزها الدولار الأمريكي تسببت في هذا التراجع للذهب، لكن الذهب حاضر دائمًا في الأزمات، فهو الملاذ الآمن القديم – الحديث؛ إذ يحتل المعدن الأصفر مكانة كبيرة في الاقتصاد العالمي؛ فهو المعيار الأمثل لتحديد غنى الأفراد والشعوب، وكان السبب الرئيس في العديد من الحروب، ودائمًا ما يرتبط اللجوء للذهب بالخوف، وبالطبع فإن الخوف يكون أهم معالم أي أزمة مالية، لذلك فغالبًا ما يكون الخيار الأول هو اللجوء للذهب.
بعيدًا عن فرضية حدوث أزمة مالية، فالذهب هو أهمّ وأكثر المعادن النفيسة انتشارًا، واقتناء الذهب رغبة دائمة لدى الأفراد والدول – متمثلة في البنوك المركزية – كما أنه الجزء الأهم من الاحتياطات لدى الدول، ونظرًا للقيمة المادية والمعنوية التي يتمتع المعدن الأصفر بها سرعان ما تحتمي البنوك المركزية به في حال وجود مخاطر اقتصادية أو سياسية، ودائمًا ما يصعد عند وجود أي توترات سياسة عالمية.
وقد أنهى الذهب قيمته عام 2018 عند 1281.30 دولارًا للأوقية، منخفضًا من 1345 دولارًا للأوقية في بداية العام، لكن في خلال آخر أسبوع في 2018 حقق أداءً قويًا مع ارتفاع الطلب عليه باعتباره ملاذًا آمنًا، وتمكّن من تعويض جزء كبير من الخسائر التي تكبدها طوال العام، إذ اقتربت أرباح الذهب خلال الربع الأخير من العام من 6%، بينما حقّق في ديسمبر (كانون الأول) أفضل مكسب شهري منذ عامين تقريبًا عندما قفز بنسبة 4.8%.
ويتوقع معظم المحللين نشاط الطلب على الذهب خاصة في الربع الأول بسبب المخاوف الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة، فقد يصل إلى مستويات 1300 دولار خلال الربع الأول من 2019، لذلك يمكنك وضع الذهب باعتباره أحد أبرز خياراتك لكي حافظ على أموالك في 2019.
الدولار قد يستمر في القمة لكن فرص الينّ كبيرة
لم يكن حال الدولار يشبه الذهب، إذ إن العملة الأمريكية حققت أقوى أداء سنوي في ثلاثة أعوام خلال العام الماضي، فقد ارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلّة تضم ست عملات منافسة بنسبة 4.4%، وهو أفضل مكاسبه السنوية بالنسبة المئوية منذ عام 2015، إذ استفاد الدولار من سياسية الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي)، بعد رفع الفائدة 4 مرات خلال 2018.
وبالرغم من مكاسب الدولار الكبيرة إلا أنه لن يكون فقط العُملة الأفضل في 2019، لذلك قد يجد حائزوا العملات أو مستثمروها في العُملة اليابانية ضالتهم، إذ انهى الين العام الماضي باعتباره أكبر الرابحين مقابل الدولار بين العملات الرئيسية، وذلك في ظل سعي المستثمرين نحو الأمان وسط حالة عدم اليقين في 2018، وتعدّ العملة اليابانية أبرز عملات الملاذ الآمن في العالم حاليًا، وكانت الأفضل أداءً خلال 2018.
وارتفع الين بأكثر من 2.5% على أساس سنوي عند 109.88 للدولار في نيويورك، إذ إن العملة اليابانية هي الفائز الوحيد بين مجموعة من 10 عملات مقابل الدولار، كما ارتفعت حصة العملة اليابانية من الاحتياطيات العالمية إلى 5% في الربع الثالث، وهو أعلى مستوى في 16 سنة.
ربما يكون هناك أفضلية للدولار بسبب اتجاه المركزي الأمريكي لزيادة الفائدة بواقع 3 مرات على الأقل خلال 2019، لكن أفضلية الدولار لن تكون موجودة إذا حدثت أزمة مالية، بل سيكون الدولار في هذه الحالة أبرز الخاسرين، وسيكون الين الياباني هو الأفضل لمحافظة على أموالك في هذه الحالة، وقبل أن ننتهي من هذه النقطة لا بد أنك تتساءل: لماذا الين تحديدًا يعد ملاذًا آمنًا؟
بما أننا نعيش في عالم يعتمد في الأساس على الاقتراض قبل أي شيء، فدائمًا ما نبحث عن سعر فائدة أقل لتحقيق أكبر ربح ممكن، وهنا يأتي الين الياباني في المقدمة بسبب أسعار الفائدة المنخفضة التي يقدّمها البنك المركزي الياباني للاقتراض مقارنة بكل البنوك المركزية الأخرى، ومن ثم يلجأ المستثمرون باقتراض الأموال بعملة الين ثم تحويلها إلى عملات أخرى بهدف استثمارها في كل دولة بحسب عملتها.
لكن في ظل وجود أزمات مالية يكون كل الاتجاه نحو ردّ القروض، ولذلك يجب التحويل مرة أخرى إلى الين الياباني، وهو الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على الين، وبالتالي يرتفع سعره، ناهيك عن المستثمرين الذين يستفيدون من فروق أسعار الفائدة حول العالم، بالإضافة إلى وضع الاقتصاد الياباني، وهذه أمور في النهاية تعزز ارتفاع الين وتدعم اعتباره ملاذًا آمنًا.
احذر.. السيولة الزائدة قد تعرضك للخسارة
على الجانب الآخر، إذا كانت العملة المحلية لبلادك غير مستقرّة أو غير مربوطة بعملات عالمية، فإنّ قرار الاحتفاظ بسيولة زائدة من هذه العملة قد يعرضك لخسارة كبيرة في ظل تقلبات السعر، فباستثناء دول الخليج، تعتبر معظم عملات الشرق الأوسط غير مستقرة، ففي مصر من المتوقع هبوط الجنيه خلال 2019، وهو نفس الأمر في تركيا وتونس والجزائر والمغرب، ناهيك عن السقوط المدوّي للجنيه السوداني والريال الإيراني.
لذلك كي تحافظ على أموالك فالأفضل أن تحتفظ بهذه الأموال في صورة عملات عالمية وبشكل خاص دولار، لكي تتجنب الخسائر جراء هبوط العملة المحلية، وبشكل عام فإن الاحتفاظ بسيولة كبيرة من عملة واحدة يشكل خطورة على الأموال، والأفضل هو تنويع هذه الأموال بقدر الإمكان والابتعاد عن عملات الأسواق الناشئة التي تتضرّر دائمًا مع قوّة الدولار.
ابتعد عن «البيتكوين» وأخواتها
لم يكن 2018 هو الأفضل بالنسبة للعملات الرقمية وعلى رأسها «البيتكوين»، إذ واصلت العملة الرقمية الأشهر في العالم الانزلاق نحو مستويات متدنية كثيرًا مقارنة بذروتها التي وصلت إليها في 2017؛ إذ فقدت نحو 80% من قيمتها وسط عزوف المتعاملين بسبب التقلبات الشديدة التي تحدث للعملة، بينما تشير التوقعات إلى أن هذه التقلبات ستستمر خلال 2019، وهو ما يعني أن استثمار أي أموال في البيتكوين يشكل مخاطرة كبيرة على أموالك.
بشكل عام حتى الآن لا يفهم أحد طبيعة تحرّكات البيتكوين خصوصًا والعملات الرقمية عمومًا؛ فهي تصعد في لحظات لمستويات قياسية، وتفقدها كذلك في لحظات، بينما تظل المخاطرة قائمة في ظل غياب القواعد الحاكمة للأسواق، مع توجّه مجموعة من المضاربين إلى بيع ما بحوزتهم من العملة، مع الاستعداد لشرائها مرة أخرى عند المستويات السعرية الأقل، لكن في الواقع هذه الممارسات هي أهم ما يميز البيتكوين حاليًا، وهو ما يجعل القلق هو المسيطر على أسواق العملات الإلكترونية عمومًا، ومع استمرار حالة الخوف والذعر على التعاملات، فإن الأصول الرقمية ستذوب الواحدة تلو الأخرى، مع تضرر ثقة المستثمرين ومعنوياتهم.
وحسب مراقبين فإن عُملة البيتكوين الافتراضية ليست الخيار المناسب في 2019، إذا كنت تريد الحفاظ على أموالك، وهي أيضًا ليست ضمن الاستثمارات الآمنة التي يتوقع ارتفاعها، لذلك القرار الأفضل سيكون هو الابتعاد.
العقارات في 2019.. الاستثمار أفضل من المضاربة
دائمًا ما يكون السؤال عن العقارات حاضرًا بين الأفراد لأنه يعتبر الاستثمار الأسهل للغالبية، ولكن كيف سيكون حال العقارات هذا العام؟ لا شك أن الجميع يعرف المشاكل التي يمر بها القطاع العقاري في معظم دول المنطقة بداية من دول الخليج ومرورًا بمصر والمغرب والجزائر، وصولًا إلى الأردن، إذ القطاع يعاني الركود الشديد وربما تراجع الأسعار في بعض المناطق، لذلك فإن دخول القطاع العقاري في هذا الوقت أمر غاية في الحساسية، لكن هل هناك طريقة أفضل للتعامل مع القطاع في 2019؟
في هذه الحال يجب أن نفرّق بين مشاريع الاستثمار العقاري أو كما يطلق عليها البعض التطوير العقاري، وبين المضاربة في العقارات، فالمُضاربة في العقارات – وهي الأشهر بين الأفراد – هي شراء عقار أو مجموعة من الوحدات أيا كان نوعها، سواء أراضي خام أو مباني تجارية أو شقق سكنية، وذلك بدون دراسة جدوى أو استشارة خبراء، ولكن الهدف فقط هو الاستفادة من الزيادة المنتظرة في سعر العقار ثم بيعه مرة أخرى.
هذا النمو لا يحتاج إلى مجهود يُذكر وتكون أرباحه في الغالب كبيرة ومُجدية، ولكن كما ذكرنا فإن السوق يعاني ركودًا شديدًا، وهو الأمر الذي يجعل هذا النوع يواجه مخاطرة كبيرة من ناحية الوقت الذي سيستغرقه حتى يتمكن من بيع العقار مرة أخرى، بالإضافة إلى نسبة نمو الأسعار ليست كالسابق، بل إن أسعار الفائدة في كثير من دول المنطقة أعلى من النمو المتوقع في أسعار العقارات، لذلك فإن خيار المضاربة في العقارات ليس هو القرار الأفضل خلال 2019.
على الجانب الآخر نجد التطوير العقاري أو الاستثمار العقاري عبارة عن شراء مشروع أو أرض بعد دراسة جدوى كاملة، من حساب العوائد ومدة الاستثمار وخيارات التصفية وغيرها من بنود دراسة الجدوى، وهناك نسبة ليست كبيرة من الأفراد يتجهون لهذا النوع، وذلك من خلال بناء عقارات وتأجيرها وغيرها من مشاريع التطوير، وبالرغم من أن العوائد من هذا الاستثمار مضمونة ومحددة الوقت، إلا أنها أقل حجمًا من عوائد المضاربة لأن هذا النوع من الاستثمار يحتاج إلى فريق عمل كامل.
لذا يمكن القول أن 2019 لحساسيته الشديدة سيكون من الأنسب الاعتماد على الاستثمار العقاري، لكي تضمن عدم خسارة أموالك في عام من المتوقع أن يكون مضطربًا على المستوى المالي، ويمكن أيضًا تنويع محفظة الاستثمار إلى قسمين أساسيين: قسم للمضاربة في العقارات بالمناطق الحيوية التي لم يتراجع الطلب عليها، وقسم للاستثمار بالتطوير العقاري لكن بنسبة أكبر تزيد عن 60% من المحفظة.
ساسة بوست
Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73