انتخابات روسيا تجري في الغوطة الشرقية!
د. وفيق إبراهيم
تحرير كامل التراب السوري من الإرهاب وأعوانه الإقليميين والدوليين، مسألة محورية تسيطر على كامل اهتمام الدولة السورية وجيشها الباسل وحلفائه في حزب الله وإيران… وتهيمن أيضاً على توجّهات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعتبر علناً انّ تحرير الغوطة الشرقية يدفع في اتجاه حصار قاعدة النتف الأميركية عند حدود سورية مع العراق والأردن. وتفتح الطريق لمكافحة الهجوم المضادّ الأميركي في شرق الفرات.. وهذا لا تفسير له على مستوى إعادة بناء الجيوبولتيك الروسي إلا إعادة بناء عالم تتعدّد فيه مراكز القوة، وبالتالي مواقع إنتاج القرار العالمي الذي يدير الاستقرار الإنساني…
ولمزيد من الانتباه، فإنّ معركة تحرير الغوطة يقودها الجيش السوري في الميدان العسكري مع حليفه حزب الله، وروسيا في مجلس الأمن ومعظم المنتديات العالمية والإعلام مع قليل من الإغارات الجوية الدقيقة. أما اللافت فإصرار موسكو على مجابهة كلّ مزاعم الغرب حول استخدام الكيمياء من قبل الجيش السوري، أو قصف المستشفيات والمدارس، وذلك بمواقف حاسمة أثارت تراجع الاتحاد الأوروبي والسياسة الأميركية عن تهديدات بضرب الدولة السورية يطلقونها يومياً.
لكن الأكثر أهمية، ما ورد على لسان القيصر الجديد من إعلان صريح أنّ بلاده طوّرت منظومات صاروخية وأسلحة نووية حديثة، لا تقاوم ولا تقهَر، مؤكداً أنها كافية لحماية روسيا وحلفائها.
وهذا ما منح الجيش السوري غطاء استراتيجياً كافياً لتحرير نصف الغوطة الشرقية تقريباً بعد خمس سنوات من احتلالها من قبل قوى إرهابية تتبع للنصرة وجيش الإسلام السعودي وتشكيلات الإخوان المسلمين الموالية لتركيا وبعض المنتمين المحليين المرتبطين بمن يدفع أكثر من قطر والإمارات والسعودية.
فلماذا هذا الاهتمام الروسي الشديد بالغوطة الشرقية؟
السبب الأول على علاقة بالانتخابات الرئاسية في روسيا التي تتواكب مع هجوم أميركي مضاد يحاول على المحور اللبناني ـ السوري ـ العراقي إعادة بناء آليات جديدة للاستمرار في المعادلة التالية: استمرار السيطرة على المشرق العربي، إلغاء القضية الفلسطينية بواسطة ما يسمى «صفقة القرن»، تفتيت سورية إلى كانتونات عدة، وإصابة روسيا بهزيمة معنوية في حرب الغوطة الشرقية في مرحلة الانتخابات الرئاسية فيها… وهذه العناصر تؤدي تلقائياً إلى تدعيم الأحادية الأميركية في احتكار القوة والإمساك الشديد بالمشرق العربي، وفرض «تراجع عالمي» على الدور الروسي الطامح إلى احتلال مساحة كافية في نظام المرجعيات الدولية.
كيف تحشّد واشنطن آلياتها الجديدة؟
تبتدئ بإصرار أميركي على عرقلة تحرير الغوطة الشرقية من قبل الجيش السوري، وتستخدم مختلف الوسائل العسكرية بدعم الإرهاب في الغوطة بالسلاح وإرسال قوافل الإغاثة تصل إلى الإرهاب فقط، ولا يجري توزيع أيّ شيء منها على المدنيين. مع تحريض مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي وصولاً إلى اوستراليا وكندا والحلف الأطلسي الناتو على سورية وروسيا. بالتوازي تحرص السياسة الأميركية على توسيع قاعدة «التنف» لتصبح مهامها قطع الطرق بين سورية والعراق والأردن، إلى جانب رعايتها مشروعاً كردياً ـ عشائرياً في شرق الفرات يحاول دفع المنطقة إلى حدود تأسيس دولة كردية تمتدّ من جنوب سورية حتى شمالها على طول الجهة الشرقية لنهر الفرات.
أما في لبنان، فيرعى الأميركيون مشروعاً سعودياً لإعادة جمع كلّ القوى اللبنانية المتنازعة في ما بينها والموالية للسياسات الأميركية السعودية والفرنسية، فتهيّئ لها الوسائل التحشيدية من مصالحات وإعلام مع تمويل ضخم لعقد تحالفات، وتركيب لوائح انتخابية تتيح اكتساح أكبر كمية ممكنة من مقاعد المجلس النيابي المقبل وحشر حزب الله وطرح مسألة سلاحه كمعرقل لسيادة الدولة اللبنانية على أراضيها. وهذا يعني إثارة العراقيل أمام دوره في مقاومة «إسرائيل» في جنوب لبنان والإرهاب في سورية. لأنّ إثارة مثل هذا الموضوع في الوقت الحاضر يؤثر على دوره الجهادي إلى جانب السوريين والروس في الميدان العسكري.
وهذا ما تعتبره روسيا اعتداء على «دورها السوري» ومحاولة أميركية ـ سعودية لتغطية حرب إسرائيلية على لبنان، بالتعاون مع قوى لبنانية موالية للرياض وواشنطن قد لا تتورّع في الذهاب بعيداً بالتحرّش بحزب الله لإثارة الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي و«إسرائيل» ضدّه. بالتوازي مع هذا، يعمد الأميركيون إلى إضافة عشرات القواعد العسكرية إضافة إلى القواعد السابقة، في العراق وسورية. لجهة تحرّكها في العراق، فيعتمد أسلوب توسيع تدخلاته على أساس إثارة الخلافات بين أفرقاء حزب الدعوة وذلك بتحريض جناح على أجنحة أخرى في محاولة لمنع استقرار العراق، والحيلولة دون إنتاج نظام وطني عراقي مستقر يستطيع أداء دور إقليمي. هذا من دون نسيان مثابرتها على إثارة الفتنة السنية ـ الشيعية والتحريض بين العرب والكرد.
أما عن دعمها للسعودية في حركة ضمّ باكستان ومصر إلى تحالفها العسكري الذي يبيد الحجر والبشر في اليمن، فالدور الأميركي واضح على الرغم من أنّ لباكستان جيشاً داخل الأراضي السعودية تزعم أنه لا يشارك في الحرب داخل اليمن. إضافة إلى وحدات مصرية صغيرة ترابط في أماكن استراتيجية في السعودية، ويبدو أنّ الضغط الأميركي قد ينجح بتحريك قوات كبيرة من هذين البلدين إلى الداخل اليمني.
هذا هو الهجوم المضاد الأميركي الذي يهدف إلى وقف الصعود الروسي عند بوابة الغوطة. وهذا هو الردّ الروسي الذي يرى أنّ تحرير الغوطة الشرقية هو دربه إلى القضاء على قاعدة التنف وفتح طريق روسيا إلى العراق وإيران فبحر قزوين وصولاً إلى موسكو وربما الصين. ومن الممكن اعتبار هذا الخط أقوى معبر إنساني واقتصادي وجيوبولتيكي عالمي، لأنه يفتح على الهند وباكستان وآسيا الوسطى.
ضمن هذا الإطار يعتبر بوتين انّ نجاحه «المضمون» في الانتخابات لا يكون فوزاً بمرجعية عالمية، إلا بعد تحرير الغوطة الشرقية… وعندها يمكن القول إنّ عصر الرؤساء أصحاب المقاسات الدولية لروسيا المشاركة في إنتاج القرار بدأ بقوة وصعود نحو احتلال مواقع أكثر انتشاراً على سطح المعمورة.
ويبدو أنّ تحرير كامل الغوطة لم يعد بعيداً بتحالف سوري ـ إيراني ـ روسي، يستعدّ لمجابهة مغامرات ترامب و«أحلام» محمد بن سلمان الذي يريد السيطرة على العالم الإسلامي بوقف «حركة تاريخ منطلقة»، لن تقف إلا بعد تحرير المشرق من كلّ أنواع النفوذ الأميركي ـ السعودي ـ الإسرائيلي.
البناء