سامي كليب:الدور الإسرائيلي في السودان….. بالوثائق ….كي لا تتكرّر كارثة سوريا
سامي كليب
لا بد من القول بداية إن مطالب الناس في السودان مُحقّة. فلا الوضع الاقتصادي عاد يُحتمل ولا الركود السياسي يُمكن أن يستمر. لكن تعلّمنا من التجارب الحديثة لهذا الوطن العربي المُفتّت والمدمّر والجريح، أن نفكر بأبعد من أنوفنا قليلا، وان نقرأ حقيقة ما يتعرض له بلدٌ عربيٌ بعد بلدٍ عربي، في سياق تقسيمنا وتفتيتنا ودفعنا الى التباغض والتناحر كي تتربع الكيانات والإمبراطوريات ومصالح الدول الكبرى فوق جثثنا….
ولذلك اقدّم لكم في هذه الدراسة المقرونة بالوثائق، قراءة دقيقة لدور إسرائيل في السودان من جنوبه حتى شماله.
نعم جنوب السودان لم ينفصل فقط لان اهله ارادوا ذلك او لان ثمة أخطاء فادحة ارتُكبت تحت وهم تصدير الثورة الإسلامية بقيادة د. حسن ترابي الى الجنوب أو اخضاع الجنوب بالقوة العسكرية. انفصل أيضا وخصوصا لان العنكبوت الاسرائيلي راح ينسج خيوط شبكته في الجسد الافريقي منذ منتصف القرن الماضي. كان الهدف الاول تطويق الرئيس جمال عبد الناصر وقمع الثورة الجزائرية فالتقت المصلحتان الاسرائيلية والفرنسية. ولم تتردد فرنسا في تسليم اسرائيل مفاتيح القنبلة النووية مُذّاك.
في الوثائق :
هذه أولا: محاضرة وزير الامن الإسرائيلي السابق آفي ديختر في 4 أيلول 2008
• السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يمكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لمصر والعراق والسعودية.
• السودان شكل عمقا استراتيجيا لمصر، وتجلى ذلك بعد حرب 1967 حيث تحول إلى قواعد للتدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية، وأرسل قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف.
• كان لا بد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة، خصوصاً أن ذلك ضروري لدعم وتقوية الأمن القومي الإسرائيلي.
• أقدمنا على إنتاج وتصعيد بؤرة دارفور، لمنع السودان من إيجاد الوقت لتعظيم قدراته.
• نجحت استراتيجيتنا التي ترجمت على أرض الجنوب سابقا وفي غربه حاليا، في تغيير مجرى الأوضاع في السودان نحو التأزم والانقسام
• ستنتهي الصراعات الحالية في السودان عاجلاً أو آجلاً بتقسيمه إلى عدة كيانات، وكل الدلائل تشير إلى أن الجنوب في طريقه إلى الانفصال
• إن قدراً مهماً وكبيراً من أهدافنا في السودان قد تحقق على الأقل في الجنوب وهذه الأهداف تكتسب الآن فرص التحقيق في دارفور
هذا ثانيا: عميد الموساد السابق موشيه فراجي Fergie يقول في كتاب له بعنوان «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان» الصادر عن مركز دايان في العام 2002، التالي :
• إن بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، أمر أجهزة الأمن للاتصال بزعامات الأقليات في العراق والسودان وإقامة علاقات معها.
• أقامت إسرائيل تاريخياً محطات اتصال في كل من أثيوبيا وأوغندا وكينيا والكونغو.
• ركزت اسرائيل على دور إسرائيل الكبير والرئيسي بعد انفصال جنوب السودان وتحويل جيش الجنوب إلى جيش نظامي، خصوصاً أن تكوينه وتدريبه كادا يكونان صناعة إسرائيلية كاملة.
• أن التأثير الإسرائيلي على دور هذا الجيش سيكون ممتداً حتى الخرطوم.
• حين يمتد التأثير الإسرائيلي إلى أرجاء السودان كافة، سيتحقق الحلم الاستراتيجي الإسرائيلي في تطويق مصر، ونزع مصادر الخطر المستقبلي المحتمل ضدنا.
هذا ثالثا : الخبير العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي يقول في تقرير له في صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيلية إنه “لو وصل قسم صغير من هذه الاسلحة التي قصفتها إسرائيل في السودان في العام ٢٠٠٩ إلى غايتها في قطاع غزة، لكان من شأنها أن تشكل تهديدا خطيرا على إسرائيل وعلى الجيش الإسرائيلي”.
هذا رابعا خبير الشؤون الإفريقية الاسرائيلي متساريا موننا، يقول: ” إن العلاقات بين “إسرائيل” وجنوب السودان ليست جديدة، وتاريخها الحقيقي يعود إلى عام 1967، عندما عرض الجنرال جوزيف لاجو لونجا -مؤسس حركة جنوب السودان- على “إسرائيل” في ذاك الوقت استعداده لتقديم المساعدة لتل أبيب للحيلولة دون اشتراك الجيش السوداني مع الجيش المصري في محاربتها. وعلى الفور وجهت رئيسة الوزراء الصهيونية جولدا مائير الدعوة له لزيارة تل أبيب، وقامت بتكليف جيش الاحتلال بتدريب أتباعه، وزودتهم بالأسلحة التي يحتاجونها، وتم تنسيق عملية المساعدات “الإسرائيلية” لجنوب السودان مع كل من كينيا وإثيوبيا
هذا خامسا عاموس يادلين الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الاسرائيلية المعروفة اختصارًا بـ”أمان” يشرح دور إسرائيل العضوي في مساعدة الحركات الانفصالية الجنوبية قائلاً :”لقد أنجزنا خلال السنوات الأربع والنصف الماضية كل المهام التي أوكلت إلينا، واستكملنا العديد منها، والتي بدأ فيها الذين سبقونا، فلقد أنجزنا عملاً عظيمًا للغاية في السودان: نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية ، دربنا العديد منها، قمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية لمساعدتهم، ونشرنا في الجنوب ودارفور شبكات رائعة قادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حاليًا على تنظيم “الحركة الشعبية” هناك، وشكلنا لهم جهازًا أمنيًّا استخباريًّا ”
هذا سادسا أول رئيس لجنوب السودان بعد الانفصال سالفاكير ميارديت يختار اسرائيل كوجهته الخارجية الاولى فور توليه الرئاسة
هذا سابعا الكاتب الفرنسي الجريء Pierre Péan في كتابه Carnages ( مجازر) يقول :
” حين كنت أقوم بتحقيقي حول المذابح، اكتشفت أن أفريقيا مهمة جداً لإسرائيل، لا بل أقول إنها كانت مسألة حياة أو موت، واسرائيل تعتبر السودان إحدى الدول الأكثر خطورة، بسبب مساحته وخيراته الباطنية ”
هذا ثامنا الطاهر محمد أحمد الشيخ يقول في مقاله له بعنوان العلاقات الإسرائيلية الإفريقية نشره في العام ٢٠٠٨:
ان أفريقيا أصبحت تحتضن جاليات يهودية مختلفة ومتباينة الأحجام, ففى الشمال الأفريقى نجد اليهود السفارديم الــذين قدموا من أسبانيا والبرتغال خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر, كما نجد فى شمال وشرق أفريقيا جماعات اليهود الأشكيناز التى قدمت الى المنطقة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين, بالإضافة إلى جماعات اليهود الفلاشا الأثيوبيين الذين يعدون من أفقر يهود العالم والذين لديهم إعتقاد راسخ بأنهم القبيلة المفقودة فى التاريخ اليهودى, الأمر الذى أدى الى قيام إسرائيل بنقل معظم اليهود الفلاشا الى إسرائيل عبر السودان خلال منتصف ثمانينات القرن الماضى فى أكبر عملية سرية والتى سميت بعملية موسى بالتنسيق بين جهازى الموساد وجهاز الأمن السودانى برعاية المخابرات المركزية الأمريكية أثناء حقبة الرئيس السوداني السابق جعفر نميرى
للسودان الاصلي حدود تمتد مع تسع دول هي، مصر ،ليبيا، تشاد، جمهورية أفريقيا الوسطى ،جمهورية الكونغو الديمقراطية ، يوغندا،كينيا، أثيوبيا، أرتريا اما بعد الانفصال فبات لجنوب السودان حدود توزعت على جنب خمس دول.. هي جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديموقراطية، إلى جانب أوغندا وكينيا وإثيوبيا. فبات السودان مطوق بعشر دول.
اسرائيل تتغلغل في غالبية هذه الدول خصوصا وانها بذلك تحاصر مصر وتفتح لها منفذاً جنوبياً وتُعد لدور كبير لها في البحر الأحمر المطل على دول عربية أساسية.
وفق الكاتب الفرنسي بيار بيان ، فإن إسرائيل فكرت دائماً بضرورة أن تكون الخرطوم مشغولة دائما بحدودها، أولا بجنوب السودان من خلال تشجيع الحركات الانفصالية في الجنوب.وقد قامت بعقد تحالف دائري مع دول الجوار السوداني، وخصوصاً أثيوبيا واريتريا وأوغندا، وأصبحت أوغندا مهمة جدا ومركزية في الخريطة الاستراتيجية لإسرائيل، وكان الهدف تطويق السودان والبدء بتقطيع أوصاله. ومنذ العام 1956 بدأت إسرائيل بتشجيع حركة آنيانيا حتى العام 1972، وبعد ظهور الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون غارانغ، دعمت غارانغ منذ البداية بالسلاح والمستشارين.
هذا تاسعا، مستشار الرئيس السوداني غازي صلاح الدين يقول إن «غارانغ تلقى الدعم من الولايات المتحدة واسرائيل لفترة طويلة، وان المبعوث الأميركي روجر وينتر المدير التنفيذي لشؤون اللاجئين في أميركا، وهو احد المحافظين الجدد ووصولي عمل على مشروع اسمه أفريقيا الجديدة. لديه مشروع طويل الأمد وهو خلف الكثير من مشاكلنا، وهو أيضاً أحد الشخصيات الأكثر خطورة بالنسبة للسودان».
هذا عاشرا ، البروفسور حسن مكي يكتب في مقال في صحيفة المتتدى: تعتبر الجالية اليهودية فى أثيوبيا من أكبر الجاليات, كما أن هنالك إعتقاد راسخ أن هناك رابطة تاريخية بين الأحباش واليهود مفادها أن سيدنا سليمان عليه السلام قد تزوج من الملكة بلقيس ملكة أكسم وأنجب منها ذرية من الملوك الأثيوبيين تجرى فى عروقهم دماء بنى صهيون, اما الجالية اليهودية فى جنوب أفريقيا فهى تعتبر من أغنى الجاليات وأكثرها دعماً للكيان الصهيونى والدولة العبرية, والتى لها نفوذ سياسى وإقتصادى مؤثر فى السياسات الجنوب أفريقية فى عهد الحكم العنصرى وفى ظل الحكومات الديمقراطية التى حكمت البلاد بعد إنتهاء فترة الحكم العنصرى, والجدير بالذكر هنا أن جنوب أفريقيا هى الدولة التى ساهمت فى وجود الدولة الإسرائيلية على الخريطة الدولية حيث كانت هنالك علاقة قوية بين إسرائيل وحكومة الأقلية البيضاء التى أيدت الدولة العبرية منذ نشأتها فى 15 مايو 1948 م,حيث إعترفت حكومة الأقلية البيضاء بإسرائيل فى 24 مايو 1948 م, ولقد وصلت العلاقة بين نظام الفصل العنصرى والدولة العبرية الى مرحلة العلاقات الإستراتيجية والتى توجت بإنتاج أول قنبلة ذرية إسرائيلية كإنتاج مشترك بين النظامين, وقد أقام نواة هذه العلاقات بين الكيان الصهيونى والكيان العنصرى فى جنوب أفريقيا سابقاً كل من الزعيم الصهيونى حاييم وايزمان ورئيس حكومة الفصل العنصري فى ذلك الوقت جان كريستان..؟؟؟.
تقيم إسرائيل حاليا علاقات دبلوماسية مع 46 دولة أفريقية من مجموع دول القارة البالغ عددها 53 دولة، منها 11 دولة بتمثيل مقيم بدرجة سفير وسفارة، و33 بتمثيل غير مقيم، ودولة واحدة بتمثيل على مستوى مكتب رعاية مصالح، ودولة واحدة أيضا بتمثيل على مستوى مكتب اتصال، علما بأن لإسرائيل 72 سفارة و13 قنصلية، واربعة بعثات خاصة على مستوى العالم, وهذا يعني أن البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا بالمقارنة مع بعثاتها في العالم تشكل 48%، في حين تبلغ نسبة العلاقات الدبلوماسية الأفريقية الإسرائيلية بالمقارنة مع نسبتها بالعالم 80.%.
في عهد الزعيم العربي جمال عبد الناصر ، كانت علاقة إسرائيل بافريقيا محصورة بدولتين فقط.
دارفور بعد الجنوب والمؤامرة:
الكاتب الإسرائيلي غال بيكيرمان يقدم في صحيفة «جيروزاليم بوست» خريطة لافتة للذين شاركوا في تظاهرة «أنقذوا دارفور».يقول :
• إن «الائتلاف المنظم لتظاهرة انقذوا دارفور والذي قدم نفسه باسم «تحالف من أكثر من 130 منظمة إيمانية وإنسانية» بالإضافة لمنظمات حقوق الإنسان، جاء فعلياً وحصرياً بمبادرة من الجالية اليهودية في أميركا…
• أن هذا الائتلاف مكوّن من كيانات وجمعيات متنوّعة سياسياً ودينياً من الجماعات اليهودية المحلية والوطنية فقط.
• تم الإعلان عن هذه التظاهرة في صحيفة «نيويورك تايمز». وعلى شكل صفحة كاملة وذلك برعاية مجموعة من الهيئات المحلية اليهودية، بما في ذلك مركز الجالية اليهودية في مانهاتن، والجاليات اليهودية المتحدة، والـ «يو جي أي» في نيويورك والمجلس اليهودي للشؤون العامة
• شاركت في التظاهرة منظمات دينية رئيسية، مثل مؤتمر الولايات المتحدة للأساقفة الكاثوليك والرابطة الوطنية للإنجيليين…
نلاحظ اذا ان اللوبي اليهودي في اميركا كان محركا اساسيا في تقسيم السودان
لو ذهبنا نحو فرنسا، فسنجد أسماء ذات دلالات يهودية اسرائيل واضحة دعمت دارفور ولكنها قدمت الأمر من خلال مساعٍ إنسانية لوقف ما تصفها بالمجازر، ومنها مثلاً وزير الخارجية السابق برنار كوشنير أو الفيلسوف برنار هنري ليفي وبعض المنظمات اليهودية الفرنسية. ليفي وجدناه لاحقا في الكثير من الدول التي اجتاحها ما سمي ب” الربيع العربي” خصوصا ليبيا.
ثروات السودان :
• في السودان 84 مليون هكتار قابلة للزراعة من أصل حوالى 250 مليون هكتار هي مساحة البلاد
• ثلثا المساحة القابلة للزراعة لم تستغل بعد، وهي تساوي بمساحتها تقريباً المساحة المزروعة في كامل الوطن العربي.
• 24 مليون هكتار من المراعي
• يحتل السودان المرتبة السادسة عالمياً والاولى عربياً لجهة الثروة الحيوانية
• أكثر من 128 مليون رأس ماشية (37 مليوناً من الابقار، و38 مليوناً من الماعز و46 مليوناً من الاغنام، و3 ملايين من الإبل و 4 ملايين حصان او من فصيلة الخيول
• 64 مليون هكتار من الغابات. مصادر مياه وفيرة ومتعددة…
• أكثر من ثلثي النفط السوداني كان يستخرج من الجنوب… ومعظم إيرادات السودان كانت منه …..
لا شك أن لا أحد يمنع جائع من الخروج الى الشارع يطالب بقوت يومه. لكن يحق لنا أن نطرح الأسئلة التالية :
• لماذا انفجر الوضع في السودان بعد أسابيع قليلة على تسريبات إسرائيلية تؤكد قرب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى الخرطوم وفي أعقاب استقباله في إسرائيل للمرة الاولى الرئيس التشادي ادريس ديبي وهي الزيارة التي وصفها نتنياهو نفسه بالتاريخية.
* هل كان مطلوبا من السودان أميركيا وعربيا واسرائيليا السير في صفقة القرن بعد قطع علاقاته مع ايران؟ وهل هذه الشروط نُقلت اليه عبر بعض اللقاءات المباشرة او عبر دول عربية؟
• لماذا انفجر الوضع بعد اقل من أسبوع على زيارة الرئيس البشير الى دمشق في خطوة اعتبرت فاتحة لعودة العرب الى سوريا وقال البعض انها تمهد لإعادة سوريا الى مقعدها في جامعة الدول العربية.
ربما يجب أن نفكر أكثر، رغم تأييدنا الكامل لمطالب الناس….يجب أن نفكر أكثر لكي لا يضحكوا علينا كما حصل في العراق وسوريا وليبيا ولبنان والجزائر واليمن وغيرها…. لكن يجب أيضا على الحاكم أن لا يفتح أبواب بلاده للتدخلات الخارجية وأن يسارع الى استيعاب مطالب الناس وتلبيتها. ولو كان العرب صادقين في مساعدة السودان فليتفضلوا ويقدموا دعما لاقتصاده.
.
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73