بين ” اخوان” تركيا و استراتيجية أمريكا , أين يسير الدور الروسي في سورية ؟
المنطقة الآمنة» التي تتصدر الحدث السوري خلال الفترة الأخيرة، جاءت كطرح أمريكي على تركيا من جهة، و»قوات سورية الديمقراطية» من جهة أخرى، بهدف تجنيب المناطق التي تعرف بـ «شرق الفرات» عملية عسكرية تهدد بها تركيا بحجة قتال الإرهاب في سورية، علما أن أنقرة تحصر الوجود الإرهابي بـ «الوحدات الكردية» نتيجة لارتباطها بحزب العمال الكردستاني الموضوع من قبل مجلس الأمن الدولي على لائحة المنظمات الإرهابية، وعلى الرغم من أن الطرح الأمريكي ما زال مبهماً، فقد جاءت التفسيرات متعددة، وفي خريطة نشرتها وكالة أنباء الأناضول التركية على أنها خارطة المنطقة الآمنة المتفق عليها ما بين الحكومتين التركية والأمريكية، تظهر هذه المنطقة بامتداد الشريط الحدودي من مدينة «المالكية» بريف الحسكة الشمالي الشرقي وصولاً إلى مدينة «عين العرب» بريف حلب الشمالي الشرقي، وبعمق يصل إلى 32 كم داخل الأراضي السورية، وبحسب الوكالة، فإن «الفصائل الكردية» سوف تنسحب من هذه المنطقة مقابل أن تسلم إدارتها لـ «ميليشيات» توالي أنقرة، والحديث هنا عن الميليشيات التي باتت معروفة باسم «درع الفرات»، وهي مجموعة من الميليشيات المشكّلة على أساس إخواني وعلى رأسها «حركة أحرار الشام – حركة نور الدين الزنكي – أحرار الشرقية»، وهذه الفصائل ترتبط بشكل مباشر بـ «أنقرة» على مستوى التمويل والإدارة، وتحمل فكراً متشدداً سمح لها في أوقات سابقة بأن تكون حليفاً استراتيجيا ً لـ «جبهة النصرة»، إلا أن هذا التحالف الذي فض بأوامر من أنقرة قد يعود في أي لحظة تقتضيها المصلحة التركية، فهل هي «منطقة آمنة» أم «محمية إخوانية»…؟
بماذا يفكر الأمريكيون…؟
الذهاب إلى إقامة منطقة آمنة خاضعة لسيطرة تركيا في مناطق شمال شرق سورية، يعني بالنسبة للأمريكيين استمرار استراتيجيتهم في الداخل السوري من دون الحاجة للوجود المباشر عسكرياً، فالنفط سيبقى تحت سيطرة «قوات سورية الديمقراطية» الحليفة لهم، والتي تعمل على نقله بطريقة غير شرعية إلى إقليم شمال العراق «كردستان»، في حين أن الطريق المعروفة باسم «حلب – الموصل» ستبقى مقطوعة أمام الحركة التجارية السورية، وبالنظر إلى التصريحات الأمريكية التي أكدت عدم الخروج من «قاعدة التنف» فإن الطريق المعروفة باسم «دمشق – بغداد» ستبقى مقطوعة أيضاً، وهذا يعني بالنسبة لـ «إسرائيل» أن الطرق الواصلة بين الأراضي السورية وإيران ستبقى مقطوعة لأطول فترة زمنية ممكنة.
الفراغ الأمني الذي قد يتشكل من انسحاب القوات الأمريكية وعدم قدرة «قوات سورية الديمقراطية» على تغطية كامل المساحة التي تنتشر فيها بأرياف محافظات «الحسكة – دير الزور – الرقة»، سيعني بالضرورة الحاجة إلى وجود قوة منظمة قادرة على ملء الفراغ الأمني الذي سينجم عن انسحاب القوات الأمريكية، وفي هذا الصدد كان من الضروري بالنسبة لواشنطن أن يتحرك سفيرها السابق في البحرين «وليام روبياك»، ليضمن وجود علاقة طيبة وتعاون ما بين العشائر العربية و»قسد»، وبحسب ما نشرت وسائل الإعلام المقربة من «قسد»، فقد التقى «روبياك» بشخصيات تزعم أنها تتصدر المشهد العشائري في المنطقة الشرقية، من قبيل «حاجم البشير» الذي مثّل عشيرة «البقارة»، و»أحمد الخبيل» الذي مثل عشيرة «العكيدات»، والأخير أهدى للمبعوث الأمريكي «عباءة وسيف عربي» كعربون ولاء لواشنطن من عشيرته التي تعد من كبرى عشائر المنطقة.
تقول مصادر عشائرية فضلت عدم الكشف عن هويتها لضرورات أمنية، إن انسحاب القوات الأمريكية من مناطق «شرق الفرات» سيكون بمثابة ساعة صفر لتحرك العشائر بشكل حقيقي نحو التصالح مع الدولة السورية، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو 9 سنوات، الأمر في صورته الأولى يعدّ تهديداً مباشراً لبقاء «قسد» ككتلة عسكرية وسياسية في المنطقة، بسبب عدم قبولها من قبل العدد الأكبر من مكونات المنطقة، هذا الأمر تعتبره «قسد» تهديداً أمنياً لكون الفصائل الكردية تعاني من «فوبيا العشائر»، لذا يحاول الأمريكيون ضمان بقاء القوى الحليفة لهم على خارطة الميدان السوري لأطول فترة ممكنة.
بحث واشنطن عن هوامش جديدة تضمن لها استمرار استراتيجيها في سورية يعني بالضرورة البحث عن تعقيدات سياسية وميدانية، والمفاضلة ما بين الحفاظ على «قسد» والإبقاء على التحالف الضروري مع تركيا في الشرق الأوسط، يعني بالنسبة لواشنطن ضرورة الإمساك بالعصا من المنتصف، فهي لا تستطيع التخلي عن التحالف مع «أنقرة» بما تشكله الأخيرة من قاعدة متقدمة لـ «الناتو» في الشرق الأوسط مقابل الحفاظ على بقاء «قسد» التي تعد في القانون الدولي «ميليشيات عسكرية غير قانونية»، بكونها مشكلة من دون موافقة الدولة السورية أولاً، ونتيجة لارتباطها بـ «حزب العمال الكردستاني» الموضوع على لائحة الإرهاب ثانيا، الأمر الذي لم يجد السيناتور الأمريكي «ليندسي غراهام» ضيراً من التذكير به من باب الضغط على الفصائل الكردية لتقبل بإقامة المنطقة الآمنة، وفقاً لما ترسمه الحكومة الأمريكية لا وفقاً لما تقتضيه مصلحة هذه الميليشيات على المستوى الضيق أو المستوى الواسع.
ما مضمون «الآمنة»…؟
يقول صحفي مقرب من «قوات سورية الديمقراطية»، أن الطرح الأمريكي الذي قدم لكل من تركيا و»قسد»، يعنى بخروج الأخيرة من مناطق الشريط الحدودي على أن تنتشر كل من ميليشيا «بيشمركة روج آفا» و»قوات النخبة» في مناطق «المالكية – الجوادية – القحطانية – الدرباسية – رأس العين – سلوك – تل أبيض – عين العرب»، وهذان التنظيمان سينتشران إلى جانب مجموعة من الميليشيات التي مازالت تعرف باسم «فصائل الجيش الحر» الموالية لتركيا أيضا.
الصحفي الذي فضل عدم الكشف عن هويته خلال حديثه لـ «الأيام»، يكشف أيضاً عن دور لحكومة «إقليم كردستان العراق» في الاتفاق من النواحي اللوجستية والأمنية، موضحاً أن الاتفاق ينص على أن تنتشر ميليشيا «بيشمركة روج آفا» التي تعد الجناح العسكري لـ»المجلس الوطني الكردي»، متحالفة مع «قوات النخبة»، الذراع العسكري لـ»تيار الغد» الذي يتزعمه أحمد الجربا، والتي ستسيطر على المثلث الحدودي السوري-التركي-العراقي «تربسبيه»، مروراً بمدن المالكية ومعبدة والجوادية، وصولاً إلى منطقة تل كوجر الواقعة على الحدود السورية مع إقليم كردستان بإشراف الإقليم والاتفاق مع الحكومة العراقية.
يلمح المصدر إلى أن الحكومة العراقية قد ترحب بالاتفاق كونه يساعد على حصر نفوذ «حزب العمال الكردستاني» في منطقة «سنجار» العراقية، من خلال قطع الطرق الواصلة إلى سورية، خاصة وأن الحشد الشـــعبي العراقي كان قد سيطر مؤخراً على أحد المعابر الحدودية غير الشرعية، التي تربط «سنجار» بمناطق انتشار «قوات سورية الديمقراطية»، علما أن الأخيرة ستبقى منتشرة في مناطق واسعة من أرياف «الحسكة – دير الزور – الرقة»، إلا أن الهدف الأساسي من إنشاء المنطقة الآمنة بالنسبة للأمريكيين هو ضرب مشروع الحوار بين الحكومة السورية و»مجلس سورية الديمقراطية»، ومنع التوصل إلى «مصالحة وطنية» تعيد للدولة السورية سيطرتها على المحافظات الشرقية.
في هذا الصدد يقول الرئيس المشترك لمجلس سورية الديمقراطية «رياض درار»، إن مجلسهم يرفض إنشاء المنطقة الآمنة في حال كانت لحماية الأتراك وتحقيق أهدافهم في المنطقة، ويرى أن ضرورة إنشاء هذه المنطقة يجب أن تكون لحماية السوريين من العدوان التركي، فالفصائل الكردية لم تطلق ولا رصاصة واحدة باتجاه الأراضي التركية في حين أن جيش الاحتلال التركي يعتدي بشكل مستمر على الأراضي السورية.
ويأتي حديث «درار» في وقت قال فيه المتحدث الرسمي باسم مجلس منبج العسكري «شرفان درويش» وقد نشر مقالا في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية: «نرحب بمخطط لإقامة منطقة آمنة شمال سورية، على أن تكون تحت إشراف التحالــف الدولي… لن نقبـل بأي منطقة آمنــــة تشـارك فيها تركيـا فهي تشكل تهديدا للأمن وتعمل علــى ضرب الاستقرار في المنطقة».
درار يؤكـد أيضـــاً خـــلال حديثه لـ «الأيام» أن «مسد» قدمت ما أسماه بـ «خارطة طريق» للحوار مع الحكومة السورية عبر الوسيط الروسي، ولا يجد القيادي الكردي أن إنشاء المنطقة الآمنة سيكون وفقاً لمفاهيم السوريين.
وفي هذه النقطة، يعتبر الباحث السوري «د. عقيل محفوض»، أن قبول الكرد بمقترح إقامة «منطقة عازِلة»، سريعاً وبلا تقدير تقريباً، هذه الأمور يفترض أن تُبحث قبلاً مع دمشق، وكذلك مع موسكو وطهران. وقد ارتدّ الكرد عن الاتفاق مع دمشق، استجابةً لكلمةٍ واحدةٍ صرّح بها ترامب، وهي أن واشنطن لن تتخلّى عن حلفائها، عِلماً أن دمشق اليوم أكثر انفتاحاً تجاه مطالب وتصوّرات الكرد.
ويتابع بالقول: «تحاول واشنطن ضبط الموقف بين حليفيها، تركيا والكرد، مخافةَ أن يخرج، أحدهما أو كلاهما، عن إرادتها، وقد اقترحت إقامة (منطقة آمنة) بالمعنى العسكري، حلم أردوغان القديم. وقد وافق الكرد على ذلك من حيث المبدأ، على أن تكون بإدارة دولية. ومن المرجّح أن تعمل واشنطن على تكييف الموقف. وإذا تمكّنت من ذلك، فسوف يمثّل مقترحها المذكور «مخرجاً مناسباً» لها ولحليفيها اللذين لا يطيقان عنها فراقاً! ولو أنه مَخرَج إن تم، فمن المرجّح أن يكون مؤقتاً».
اتفاق أضنة… ما تفسيراته…؟
يقول الباحث السوري «محمد صالح الفتيح» في حديثه لـ «الأيام»، إن «تركيا لا تزال تتذبذب بين موسكو وواشنطن لانتزاع ما تريده وهو الدخول إلى الأراضي السورية، فتصريحات تركيا عن اتفاق أضنة تأتي بعد حديث أردوغان مجدداً عن الدخول إلى منبج، مشيراً إلى أن الرئيس التركي حالياً يبتز كل من موسكو وواشنطن، فإما أن تمنحه واشنطن ما وعد به ترامب سابقاً عندما قال لأردوغان «سننسحب وستكون لك»، أو أن يحصل على الأقل على شريط الخمسة كيلومتر، وبالطبع المسألة لا تنتهي هنا، ويجب كذلك أن يؤخذ بالحسبان عدة مسائل أخرى منها المفاوضات الأمريكية التركية حول منظومات الباتريوت وتسليم واشنطن فتح الله غولن لأنقرة.
يضيف الفتيح المقيم في بريطانيا، بالقول: «هل سيطبق اتفاق أضنة ويحصل أردوغان على الخمسة كيلومتر التي يريدها؟ ربما، من الناحية القانونية الاتفاق ملزم للحكومة السورية ما لم تنسحب منه وهذا لا يشترط من أنقرة أن تعترف بالحكومة السورية. وفي الحقيقة، نص الملحق الرابع الذي يسمح لتركيا بالدخول حتى مسافة 5 كيلومتر، إنما يمنح تركيا هذا الخيار في حال فشل الحكومة السورية في منع انتشار منظمات إرهابيــة تقـــــوم بأنشطة ضد تركيا عبـر الحكومة السورية».
ذهاب الحكومة الروسية نحو طرح «اتفاق أضنة» الموقع في تشرين الأول من العام 1998 بيـــن الحكومتين الســورية والتركية، يأتي كبديــــل عن الطروحـــات الأمريكيــــة بإقامة «المنطقة الآمنـــة»، إذ أن «اتفاق أضنة»، لا يؤدي تطبيقه بطبيعة الحال إلى إنشاء منطقة آمنة بالشكل الذي تخطط له واشنطن وأنقرة، ناهيك عن كون الحديث التركي عن معاهدة أضنة يعني إلزامها بالاعتراف بشرعية الدولة السورية الموقعة للاتفاق، إذ لا يستقيم استمرار الموقف التركي المتشنج من الحكومة السورية ورفض الاعتراف بشرعيتها، مع التعاون معها على تطبيق معاهدة العام 1998 التي تعنى بتشارك دمشق وأنقرة، في مكافحة الإرهاب على طرفي الحدود المشتركة.
ولم يتأخر الرد التركي على المقترح الروسي، وعلى لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي شدّد على ضرورة إعادة طرح «اتفاقية أضنة» للتداول، موضحاً أن بلاده ليست لديها مطامع احتلالية في سورية، زاعما أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي توجد في سورية لغايات إنسانية بحتة، وإذا ما قبلت دمشق بـ «الوساطة الروسية» لتطبيق اتفاق أضنة بصورة تضمن سيادة الدولة السورية الكاملة والحماية الكاملة للمواطنين السوريين، من أي اعتداء تركي، فإن ذلك سيعني بالضرورة إلزام أنقرة بفعل استدارة سياسي حيال الملف السوري والعلاقة مع دمشق، الأمر الذي قد ينعكس بصورة مباشرة على مسائل أمنية وعسكرية أخرى كـ «ملف إدلب»، التي تعدّ آخر المعاقل الكبرى للميليشيات المسلحة وعلى رأسها «جبهة النصرة».
قد يكون المخرج الوحيد لـ «الفصائل الكردية» خلال المرحلة الحالية، هو تسليم الشريط الحدودي للدولة السورية، التي ستعمل على نشر قوات الجيش العربي السوري على طول الشريط الحدودي، بما يضمن قطع الطريق على أنقرة التي تهدد بعملية عدوانية في مناطق شرق الفرات بحجة «حماية أمنها القومي»، فانتشار الجيش على الشريط الحدودي سيعني بالضرورة إعطاء دمشق الهوامش اللازمة لتنفيذ التزامها بـ «اتفاق أضنة»، وهنا يحتاج الموقف لـ «فهم ضرورات المرحلة من قبل القيادات الكردية»، كما يقول الصحفي «مصطفى» المقرب من «قسد».
ولن تجد دمشق ضرراً بالتعامل مع القوى الكردية على الرغم من مواقفها المتذبذبة تجاه الحوار أو المصالحة السياسية المنشودة، في مناطق شمال شرق سورية، وفي هذا الإطار يقول د. عقيل محفوض: «لا أحد في دمشق يفكّر بالقطْع مع الكرد، مهما كانت رهاناتهم، وسوف يتمّ استقبالهم فيها كلما أرادوا التواصل مع الدولة، الدولة دولتهم أيضاً، وكثير من الكرد يقاتل في صفوف جيشها، ويعمل في مفاصلها من أدنى مراتبها إلى أعلاها، ثمة ما يحيل إلى ظاهر وباطن في علاقة الكرد بدمشق، ظاهر التنافر والاختلاف، وباطن التقارُب والتوافق، المطلوب فقط قليل من الهمّة والإقدام، وقَدْر قليل من التدبير العقلاني للموقف»!
في الهوامش…
معاهدة أضنة اتفاق أمني وقع بين الحكومتين السورية والتركية في تشرين الثاني من العام 1998، إثر توتر أمني قاده الرئيس التركي آنذاك «سليمان ديمريل»، ولعبت كل من مصر والجامعة العربية وإيران دور الوساطة للتوصل إلى الاتفاق، الذي جاء بهدف التعاون في مجال مكافحة الإرهاب على طرفي الحدود المشتركة.
محمود عبد اللطيف / الأيام
العنوان الأساسي : تركيا تفكر بـ «إخوانها» وأمريكا تبحث عن استمرارية استراتيجيتها.. وروسيا تعيد «معاهدة أضنة» للحياة لوأد «الآمنة» قبل نشوئها
Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73