ترامب يشعل حربا تجارية عالمية , فلمن الغلبة؟
أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلق بفرض رسوم جمركية كبيرة على واردات الصلب والألمنيوم موجة غضب عارمة حول العالم في وقت حذّر فيه الخبراء من حرب تجارية عالمية بدأت تلوح في الأفق.
الردّ على ترامب، الذي تذرّع بحماية منتجات بلاده من المنافسة الخارجية، جاء سريعاً من الاتحاد الأوروبي الذي أكد أنه يعدّ إجراءات مماثلة على الواردات الأمريكية من بينها محركات هارلي-دافيدسون ومنتجات لفايس الأمريكية، ويستهدف الاتحاد الأوروبي وفق مراقبين واردات من الولايات المتحدة بقيمة 3.5 مليارات دولار، وتشمل اللائحة منتجات مثل الملابس والأحذية والقمصان وبعض المشروبات الكحولية ومنتجات تجميل الوجه واليخوت والدراجات النارية، المحسوبة على بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي.
وبحسب مجلة “ذا إيكونومست” البريطانية، فإن الاتحاد الأوروبي سيقوم بإعلان قائمة من المنتجات الأمريكية التي سيتم فرض رسوم على دخولها إلى السوق الأوروبية، وذلك بنسب تقترب من 40 في المئة كرّد فوري على قرار ترامب، في وقت أكد فيه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أن المفوضية تنظر في اتخاذ إجراءات مضادة للتعريفات الجمركية التي حددها الرئيس الأمريكي، مشيراً إلى أن ردّ الاتحاد الأوروبي سيكون “سريعاً وحازماً ومتناسباً”.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي سيتضرر بشكل كبير من قرار ترامب إلا أن كندا ستكون أكبر المتضررين من هذا القرار بحسب المحللين الاقتصاديين، حيث تصدّر كندا شحنات الألمنيوم بقيمة 7.2 مليارات دولار وتصدّر كميات كبيرة من الصلب بنسبة 4.2 مليارات دولار سنوياً، وبصفة عامة، تعدّ كندا واحدة من البلدان القليلة التي تمتلك فائضاً تجارياً مع أمريكا أي تصدّر إلى أمريكا أكثر مما تستورد منها، وهذا ما دفع رئيس الوزراء الكندي جوستان ترودو إلى الإسراع للاتصال بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبحث التهديدات القاضية والتجارية، وأشار ترودو إلى أن تلك التهديدات لا تساعد في دفع آلية المفاوضات حول اتفاقية التبادل التجاري الحر( النافتا) قدماً، في حين اعتبر وزير التجارة الدولية في كندا، فرانسوا فيليب شامبانيو، أن أي رسم أو حظر تفرضه واشنطن على الصناعة الكندية مرفوض رفضاً قاطعاً مشدداً على أن قراراً على هذا المستوى الخطير ستكون له تداعيات وخيمة على الجانبين من الحدود المشتركة بين البلدين.
كما حذّرت استراليا من عاقبة تبادل الإجراءات الانتقامية، ومن اندلاع حرب تجارية يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وسعت إلى ضمان إعفاء صناعة الصلب والألمنيوم الأسترالية من رسوم الاستيراد التي فرضها الرئيس الأمريكي. وحاولت كانبرا إقناع واشنطن باستبعاد أستراليا من هذه الرسوم الثقيلة، مشيرة إلى تفاهم تم التوصل إليه مع واشنطن خلال قمة العشرين العام الماضي. كما برزت مخاوف على صعيد السوق المحلية من أن هذه الرسوم الأمريكية قد تغرق الأسواق ببضائع رخيصة، كانت مخصصة في الأصل للتصدير إلى السوق الأمريكية.
الصين أيضاً بدأت باتخاذ إجراءات مضادة باتجاه قرار الرئيس ترامب رغم أن الأخير لم يذكر الصين بشكل صريح في تغريداته، علماً أنه عادة ما يشكو منها وينتقد على وجه الخصوص ممارساتها التجارية غير العادلة، كما يدعي، وكتبت صحيفة واشنطن بوست في مقال تحليلي بهذا الخصوص “لقد نجت الصين من غضب ترامب”، ورغم ذلك فإن الحكومة الصينية أكّدت أنها ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة، وستعمل مع الدول الأخرى على التصدي للتدابير التعسفية، التي تتخذها الإدارة الأمريكية. وقال وانغ هيغون مدير مكتب التحقيقات التجارية بوزارة التجارة الصينية في بيان، إن تحرك واشنطن لفرض الرسوم الجمركية من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً بآليات التجارة متعددة الأطراف التي تمثلها منظمة التجارة العالمية، وسيكون لها أيضاً بالتأكيد أثر سلبي كبير على النظام التجاري الدولي، وأضاف البيان: “إذا كانت الإجراءات الأخيرة للولايات المتحدة ستضرّ بالمصالح الصينية، فإن الصين ستعمل مع الدول المتضررة الأخرى على اتخاذ إجراءات صارمة لحماية حقوقها ومصالحها”.
وبحسب الخبراء فإن بكين هي المسؤولة الأساسية عن المشكلات في أسواق الصلب العالمية. على الرغم من أن الصين نادراً ما تصدّر مباشرة الصلب والألمنيوم إلى أمريكا، ولكن إنتاج بكين من الصلب ازداد خلال الفترة الأخيرة ما أدّى إلى إغراق الأسواق وأصبح العرض أكثر من الطلب، ما جعل البلدان الأخرى والشركات المصنعة والمصدرة للصلب تحت ضغوط اقتصادية كبيرة.
بالإضافة إلى الصين فإن الشركات الأمريكية أيضاً اشتكت للرئيس الأمريكي من وجود خلل في التوازن التجاري مع الاتحاد الأوروبي ولاسيما ألمانيا التي لديها فائض تجاري كبير، وهو ما دفع ترامب للحديث عن أن السيارات الألمانية يمكن بيعها بحرية في أمريكا، بيد أن السيارات الأمريكية في أوروبا لم تكن متاحة. ويعتبر الخبراء أن الشكوى لا أساس لها من الصحة وغير دقيقة، فسيارات فورد التي تباع في ألمانيا مملوكة من قبل شركة تابعة للمجموعة الأمريكية، وحتى شركة أوبل كانت حتى الأمس القريب جزءاً من شركة جنرال موتورز، كما أن شركة كرايسلر للسيارات تبيع سيارات الدفع الرباعي لها دون أي عائق في أوروبا.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد السيارات التي تنتجها الشركات الألمانية في أمريكا أعلى بكثير من تلك التي تباع، ومن بينها شركات بي ام دبليو في ولاية كارولينا الجنوبية، وشركة مرسيدس بنز في ولاية ألاباما وفولكس واجن في عدد من الولايات، ووفقاً لرابطة صناعة السيارات الألمانية (VDA)، فشركات السيارات الألمانية في أمريكا أنتجت 803،000 سيارة في عام 2017 ، وعليه فإن تلك الشركات لا تملك سوى 7.9٪ من سوق الولايات المتحدة للسيارات الجديدة.
ويرى الخبراء أن قرار الرئيس الأمريكي يشكّل خطراً حقيقياً كبيراً سيصعّد الحواجز التجارية عبر الكرة الأرضية، وبمجرد البدء في هذا الطريق، سيكون من الصعب للغاية عكس الاتجاه، ما ينبئ بحالة ركود عميقة قادمة لا محالة، بدأت أولى ملامحها في سوق الأسهم الأمريكية، حيث خسر سهم “داو جونز” الخميس الماضي 420 نقطة، كما هبطت أسهم شركات مثل “فورد” و”جنرال موتورز NYSE:GMبعد ساعات من تصريحات ترامب.
الوقت