نارام سرجون:من استوديوهات التوراة الى استوديوهات هوليوود .. بعد الخوذ البيضاء .. أوسكار القرصانة ..
نارام سرجون
هوليوود ليست مجرد مصانع للأفلام .. وهي ليست شهرزاد لتسلي شهريارات البيت الابيض .. بل هوليوود اليوم هي المكان الذي يكتب فيه التاريخ الحديث وهي تريد ان تستولي على وظيفة التأريخ والمؤرخين أو ان تتحول الى (بيت التاريخ وخزانته) .. واذا أردنا أن نختصر هولييود اليوم فهي بعبارة واحدة (توراة العصر الحديث) .. فالتوراة القديمة التي كتبها الأحبار اليهود وادعوا انها رسائل الله كانت هي أول بداية لاستوديو هوليوود .. فقصص التوراة كلها خيال جامح وترويض للأساطير أو لنقل وضع الاسطورة في اطار الايمان .. وتحويلها الى تاريخ وزرعها في الوعي الانساني كما لو انها قطعة من التاريخ .. وصارت مهمة التوراة هي تزوير التاريخ أو كتابته أو صناعته .. فالتوراة هو في أحد مفاهيمه قطعة من التاريخ البشري وليس تعاليم الهية .. لكل قصة توراتية أبطالها ومخرجوها ونجومها .. ومن أشهر القصص التوراتية هي قصة الاتفاق الذي جرى بين الله واليهود في مشهد مثير – كما يحدث في الصفقات – حيث جعل الله اليهود شعبه المختار دون اي سبب (لأن مخرج القصة ليس معنيا بتقديم تفسير كما أفلام اليوم) وبعد ذلك منحهم هدية وجائزة من عقاراته وقال لهم (كل الارض التي بين الفرات والنيل هي هديتي لكم) .. ومنذ ذلك الوقت ظهر فيلم (من الفرات الى النيل حدودك يااسرائيل) الذي له جمهور ومشاهدون من اليهود لايملون من مشاهدته والذي لاينتهي عرضه منذ 3000 سنة .. بل وصار هو التاريخ الذي يأتي من المستقبل .. وتمت ترجمة الفيلم الى واقع بعد ان كان قصة وحكاية خرافية من استوديوهات التوراة البدائية .. عندما لم تكن هناك كاميرات بل حكايات وخيال جامح أقوى من اي كاميرا ومن اي خدعة سينمائية ..
التوراة التي تخترع القصص والافلام الالهية تغيرت وتحولت الى استوديو واستقر في هولييود .. ولكن جشع التوراتيين الهوليووديين صار بلا حدود لأن هولييود صارت مثل أفعى عملاقة تبلع كتب التاريخ .. وصارت الاستوديوهات ومن فيها من السيناريستس ونصوص الافلام هي مطابع لتوراة القرن العشرين .. فمهمة هولييود لم تعد تسلية الناس بل سلب عقولهم وبرمجتها ومصادرتها .. وأحيانا غسلها بالماء والصابون ومحو كل ماكتب فيها بالممحاة واعادة كتابة كل شيء .. فكما أن الامم كانت أمية وجاهلة عندما كتبت التوراة فان الامم لاتزال على جهلها طالما أنها تفضل سماع القصة والحكاية على أن تقرأ التاريخ .. وهوليوود هي كتاب من لايقرأ وكتاب كل الاميين وكل الذين يتعبون من متابعة الحروف على السطور .. أي ان هولييود هي كتاب التاريخ للعالم كله .. انها توراة عملاق .. وفي توراة هولييود يصبح الهنود الحمر اشرارا يقتلون ويقطعون طرقات القوافل دون أن ندري لماذا كل هذا الشر يستحكم في هذه الوجوه السمراء الغاضبة التي تتلذذ بسلخ جلد رؤوس الضحايا وجمع فرواتهم .. ونهلل عندما يأتي الابيض مسلحا بالبنادق ويبيدهم عن بكرة ابيهم كعصف مأكول .. وفي هولييود يصبح العربي ارهابيا شريدا يقتل بلا هدف ويطلق النار على الرهائن وفي الطرقات بل ويمسك مفاتيح القنابل النووية لتدمير اميريكا .. ولكن لاأحد يحكي عن العربي الذي يدافع عن بيته وعن بستان الليمون في يافا .. ويمنع منعا باتا ان يقال ان اليهودي ليس ضحية بل جلاد .. فهو بطل حكاية توراتية أخرى هي الهولوكوست التي لاتقل اثارة عن قصة الاتفاق بين الله واليهود على منحهم عقاراته بين الفرات والنيل .. وكلتا القصتين لهما نفس الجذور والقداسة ونفس الكاتب والمخرج والممثلين والاهداف ..
وفي توراة هوليوود يصبح أصحاب الخوذ البيضاء أبطالا وتختفي صورهم وهم يقتلون ويذبحون وينحرون .. ويحتفي العالم ببطولاتهم ويمنحهم الجوائز كما منح الله اليهود جائزتهم بين الفرات والنيل .. واليوم يصدر التوراتيون الهوليووديون نسخة جديدة من التاريخ عن قرصانة تتحول الى اسطورة .. لأنها قتلت في سبيل الحقيقة والناس الابرياء .. اي ماري كالفن .. وهذا التناغم بين القضاء الامريكي (الذي منح ورثة كالفن الحق في جائزة 300 مليون دولار يدفعها الشعب السوري غرامة لقتله هذا الملاك الذي أنزله الله لتأييد المسلمين المجاهدين في حمص) .. هذا التناغم بين القضاء وبين هولييود التي كتبت تاريخا على مقاس الأبطال التوراتيين يبدو انه لتحضير الناس والجمهور الى ان الفيلم حقيقي وليس اختراعا وتلفيقا وتغطية للجريمة الحقيقية .. فهناك قرار محكمة وهناك فيلم عن قصة تقدم على انها حقيقية .. والتنسيق بين الوهم والوهم يجعل الناس تصدق الرواية وتتحول في الذاكرة الى قطعة من التاريخ .. عن بطلة جاءت من ما وراء البحار من أميريكا لتبحث عن الحقيقة وتتجشم عناء السفر ومشقة التعرض للأخطار كي تسمع صوت الناس الابرياء والضحايا للعالم .. كما فعل الفدائي كولومبوس الذي ترك اوروبة ووصل الى الهنود الحمر لينقل اليهم الحضارة وليخلط دم الخرائط القديمة بدم الخرائط الجديدة .. كما القديس .. وقد اختارت هوليوود وجها أنثويا جميلا ليمثل وجه القرصانة ماري كالفن .. لأن من يرى وجه كالفن الحقيقي سيستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. كما هي وجوه القتلة من جماعة اوسكار الخوذ البيضاء .. ولكن هوليوود توراة العصر الجديد .. وفي التوراة يقول الله مايشاء ..
لذلك لاتستغربوا ان يفوز فيلم ماري كالفن باوسكارات وجوائز .. فهو سلسلة من سلسلة اوسكارات الخوذ البيضاء والقراصنة .. التي بدأت منذ ألاف السنين بتوراة كتبها أحبار .. وانتهت بهولييود تكتب لنا التاريخ والاخبار وتمنح الجوائز لليهود وجبهة النصرة .. والقراصنة ..
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73