إعفاءات “مريبة” من الرسوم لشركات .. وضياعات على الخزينة العامة
بين الإعفاء والتخفيض على غرامات رسم الطابع، تكثر السجالات والتأويلات، أبطالها بعض مفاصل الهيئة العامة للرسوم والضرائب المعنيين بشكل مباشر في تحديد نسب التخفيضات، أو في منح الإعفاءات على غرامات رسم الطابع، وبحسب بعض المعنيين في الهيئة فإن الاجتهاد الشخصي والمحسوبيات والتفسير الخاطئ لبعض نصوص القوانين يعطي أفضلية للإعفاء والتخفيض أو العكس، موضحين أن القرارات والبلاغات الخاصة بالإعفاء أو التخفيض بحاجة إلى ضبط أكثر، كما بين المعنيون أن الشركات التي يفرض عليها غرامات على رسم الطابع، تلجأ إما للحصول على إعفاء أو إلى إجراء تسوية تحصل بموجبه على تخفيض، وذلك وفقاً للمرسوم 44 القاضي بذلك.
وكشف المعنيون حصول عشرات الشركات سنوياً على الإعفاء والتخفيض؛ ما أدى ويؤدي إلى ضياع وحرمان الخزينة العامة من عشرات المليارات سنوياً، وآخر ما حرر في هذا السياق أن شركتين من القطاع الخاص حصلتا على الإعفاء من غرامات رسم الطابع (والممنوح من قبل وزير المالية)، إذ وجهت الهيئة العامة للضرائب والرسوم كتباً إلى مديرية مالية دمشق تطلب منها إعفاء هاتين الشركتين اللتين تأخرتا في تسديد الرسم من غرامات رسم الطابع المترتبة عليهما، وذلك بناءً على مقترحاتهما المقدمة إلى وزير المالية.
ومن خلال البيانات المالية يلاحظ وجود تفويض من إحدى المؤسسات العامة المشرفة على عملهما من قبل الشركتين آنفتي الذكر بتسديد رسم الطابع للمالية عنهما، وذلك بهدف دفع الرسوم المتوجبة على كلتا الشركتين بالليرة السورية بدلاً من القطع الأجنبي وفق ما بينته مصادرنا، وبينت البيانات المالية -التي حصلت “البعث” على نسخة منها – أن هذه المؤسسة قامت بتسديد قيمة رسم الطابع عن عقد إحدى الشركتين بموجب إشعار مصرفي يحمل رقم 52236363 بمبلغ يزيد على 1.674 مليار ليرة سورية، وعن عقد الشركة الأخرى بموجب إشعار رقم 52238876 بمبلغ يزيد 1.728 مليار ليرة سورية، لكن جميع هذه التسديدات كان متأخرة عن الوقت المحدد، وذلك حسب المذكرة الصادرة عن مالية دمشق ذات الرقم 1768/9/1، إذ أوضحت فيها أيضاً أن قيمة غرامات التسديد عن عقد الشركة الأولى بلغت 110045 يورو، وعن عقد الشركة الثانية 2430601 دولار أمريكي.
وتفيد إحدى المذكرات الصادرة عن الهيئة إلى أن حيثيات الموضوع تستند إلى كتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 7750/1 تاريخ 25/6/2018 المتضمن الموافقة على تسديد رسم طابع العقد عن العقود المذكورة أعلاه بالليرات السورية، كما تضمن الكتاب رفع مقترح بتعديل أحكام المادة 8 من المرسوم التشريعي رقم 44 لعام 2005، بحيث يتم استيفاء رسم الطابع المترتب على القطاع العام بالليرات السورية في حال كان مكلفاً بسداد الرسم، وبحسب المذكرة فإن المؤسسة العامة المومأ إليها آنفاً قامت بسداد رسم الطابع المتوجب على العقدين المشار إليهما أعلاه بالليرات السورية لكن خارج المدة القانونية؛ ما أوجب فرض غرامة تأخير تعادل مثلي الرسم المسدد، وأن المؤسسة طلبت إعفاءها من الغرامة بداعي أنها تقوم بتسديد الرسم نيابة عن الشركتين، وأن التأخير مرده تعذر التسديد بالقطع الأجنبي لحين التخصيص بالقطع من قبل رئاسة مجلس الوزراء، أو التوجيه بآلية التسديد المناسبة.
وأوضحت المذكرة الصادرة عن الهيئة بخصوص هذا الموضوع أنه استناداً إلى أحكام قانون رسم الطابع وتعليماته التنفيذية فإن التأخير بسداد رسم الطابع عن المدة المحددة قانوناً يوجب فرض الغرامة المعادلة لمثلي الرسم، وتعقد التسوية مع المخالف وفق النسبة المقررة بالقرار رقم 1380 لعام 2005، إلا أنه ونظراً لكون العقدين المشار إليهما مبرمين بين شركة محدودة المسؤولية كطرف أول، وكل من الشركتين كطرف ثانٍ، وأن عبء سداد رسم الطابع يقع على الطرف المتعاقد وفق النص التعاقدي، وعليه فإنه يتوجب على كل من الشركتين سداد الرسم أصولاً، واللتين تعتبران من جهات القطاع الخاص.
وباعتبار المؤسسة العامة المشرفة على عملهما هي التي تقوم بتسديد جميع الالتزامات المالية نيابة عن تلك الشركتين بسبب تعليق مقاول عقد الخدمة الأجنبية لأعماله في سورية نتيجة العقوبات الغربية، وأن التأخير بحسب المذكرة كان بسبب مخاطبة لجنة أولويات القطع في رئاسة مجلس الوزراء لتخصيصها بالقطع اللازم لتسديد رسم الطابع والتنسيق مع المصرف المركزي لتفويضها بالدفع بالليرات السورية بدلاً من القطع الأجنبي لكلا العقدين، فقد صدرت التوصية الاقتصادية بجلستها رقم 10/ لعام 2018 بالموافقة على استيفاء رسم الطابع المترتب على المؤسسة بالليرة السورية.
وجاء مقترح الهيئة وبناء على هذه المعطيات إجراء تسوية على الغرامة لكلتي الشركتين وفق النسب المحددة والبالغة 35% من إجمالي الغرامة المعادلة لمثلي الرسم وفق قرار التسوية رقم 1380 لعام 2005، وذلك في حال كانت المخالفة الأولى لهما، وذلك استناداً على أحكام المادة 22 من المرسوم التشريعي رقم 44 لعام 2005 وتعديلاته التي أجازت لوزير المالية الإعفاء من الغرامات المالية المترتبة والمفروضة بمقتضى هذا المرسوم التشريعي، أو إجراء التسوية عليها.
في حين تشير مذكرة أخرى صادرة عن الهيئة ولنفس الموضوع إلى أن الهيئة اقترحت على وزير المالية إعفاء الشركتين من تسديد غرامات رسم الطابع كون السداد سيكون بالنتيجة من الخزينة العامة للدولة، وهنا المفارقة كيف يمكن للمقترحات أن تكون مزدوجة الميول؛ مرة تخفيض، وأخرى إعفاء، إضافة إلى عدم وجود معايير واضحة لتبني أي من الاقتراحين..!
بينما جاء رأي مديرية التشريع بالهيئة مخالفاً لمقترح “الإعفاء”، إذ أكدت مديرية التشريع في مذكرتها الصادرة إلى وزير المالية ضرورة إجراء تسوية وليس إعفاء، بحيث تكون التسوية وفق النسبة المحددة بالقرار 1380 باعتبارها أحد طرفي العقد، ويتوجب سداد الرسم عليها، وبالتالي الغرامة الناجمة عن التسديد خارج المدة القانونية.
ويبيّن خبير السياسة الضريبية الدكتور محمد ياسين زكريا أن المرسوم /44/ لعام 2005 فرض رسم الطابع على بعض الوثائق والعقود والمستندات بقيم مختلفة، منها ما يستوفى بشكل مقطوع، ومنها ما يحسب على أساس نسبة من القيمة العقدية للعقود المبرمة بين أطرافها، والمكلف بحسب التسلسل المنطقي لنصوص المرسوم، إما أن يسدد الغرامات عبر المصالحة عليها بموجب القرار /1380/ لعام 2006 خلال مدة محددة تبدأ بعدها الدائرة المالية المختصة بتطبيق إجراءات الملاحقة بحقه كتوجيه إنذار وصولاً إلى الحجز الاحتياطي على أمواله، وعن حق وزير المالية بإعفاء المكلفين من غرامات رسم الطابع ، قال زكريا: يحق له الإعفاء الكامل والتسوية بنسبة 35% في حال كانت المخالفة للمرة الأولى، و65% للمرة الثانية، و100% للمخالفة الثالثة، أي وفق القرار /1380/.
وبين زكريا أحقية وزير المالية في منح الإعفاء أو التخفيض لأية شركة أو مؤسسة عامة أو خاصة من الغرامات مهما كانت ومهما بلغت، ولا يحق له الإعفاء من رسم الطابع، مشيراً إلى أن الاعتبارات التي ذكرت في القانون تتلخص في قرار يصدر عن وزير المالية، إلى جانب طلب معلل مِن مَن وقعت عليه الغرامة لإعفائه منها، إضافة إلى عدم إنذار صاحب العلاقة بالغرامة المترتبة عليه، ويسقط حق الوزارة بالمطالبة بالغرامات بعد انقضاء ثلاث سنوات، لافتاً إلى حالات التسوية على الغرامة، ففي حال عدم شمولها بإحدى حالات الإعفاء فهي تكون ضمن ثلاث حالات؛ أولها دفع 25% من الغرامة قبل تحريك دعوى الحق العام، وثانيها دفع 50% من الغرامة بعد تحريك الدعوة، وثالثها دفع 75% من الغرامة بعد صدور حكم قضائي غير قطعي، وطبعاً مع تسديد أساس الرسم.
وإذ نعرض ما سبق فإننا لا نشير بأصابع الاتهام لأحد، فمجمل ما تم ذكره جرى وفقاً للأنظمة والقوانين النافذة، والتي أعطت بعض الصلاحيات للإعفاء والتسوية والتخفيض، ولكن بالمحصلة لا بد من الإشارة والتأكيد على ضرورة وضع معايير وأسس وضوابط تحكم موضوع الإعفاء أو التخفيض لغرامات رسم الطابع، وفق نص قانوني واضح يحدد بدقة متناهية ما يجب وما لا يجب، لا أن تبقى الأمور بين أخذ ورد..!
البعث
Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73