كيسنجر في دمشق.. المبادئ الأساسية للأسـد!
قرر الأسـد مبتسماً أن يتولّى الحديث، بعد أن منح كيسنجر فرصة الكلام طوال الوقت، سائلاً ” هل حان دوري لأتحدث؟ أنت أستاذ جامعي، و عادةً ما يحتاج الأستاذ الجامعي في كلامه إلى مدة تعادل مدة محاضرة جامعية، أما أنا فضابط في الجيش، و هذا يجعلني أميل إلى الاختصار “. و شدّد الأسـد على أن من المستحيل تحقيق السلام بالمعجزات، و إنما يمكن تحقيقه من خلال الاعتراف بـ ” الحقائق على الأرض ” فحسب.
لم تكن سورية أبداً عدواً للشعب الأمريكي، و لكن عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، و تحديداً بالقضية الفلسطينية، فإننا لا نتفق إطلاقاً مع حكومة الولايات المتحدة. لقد احتلّت إسرائيل الأراضي العربية، بما فيها مرتفعات الجولان، و جعلت المستوطنات علامات بارزة فيها، و لا يأتي ذلك إلا من التشجيع و الدعم الكبيرين المتواصلين من الولايات المتحدة الأمريكية.
و نبّه الأسـد كيسنجر إلى أنّ الدعم الذي تمنحه بلاده لإسرائيل كان يسبّب إيذاء المصالح الأمريكية عالمياً، و أنه سينعكس عليها سلباً يوماً ما. و رفض الأسـد أيضاً تصديق أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، بكلّ نفوذها، لم تكن قادرة على إيقاف سيطرة اللوبي الصهيوني على السياسة الانتخابية الأمريكية و وسائل الإعلام. و أشار إلى حرب السويس عام 1956، عندما استخدم الرئيس آنذاك، دوايت آيزنهاور، نفوذه الكبير لحمل الإسرائيليين على إيقاف هجومهم على مصر. و برغم تآمرهم مع بريطانيا العظمى و فرنسا، انسحب الإسرائيليون حينئذ عاجزين عن تحدي إدارة آيزنهاور. و أجاب كيسنجر برأي معاكس قائلاً إن الوضع الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية في ” العالم اليوم ” أصبح مختلفاً عمّا كان عليه عام 1956، و لا يمكن مقارنة نفوذ اللوبي اليهودي آنذاك بما أصبح عليه 1973.
شعر حافظ الأسـد بالحاجة إلى تذكير كيسنجر اليهودي الأمريكي أنّ سورية لم تذهب إلى الحرب سواء في عام 1948 و 1967 لأن حكومتها أو شعبها كرهوا اليهود، و على نقيض ذلك، كان اليهود السوريون جزءاً من النسيج الاجتماعي و الثقافي للبلاد، و كانوا يعيشون جنباً إلى جنب مع المسلمين و المسيحيين على مدى قرون، إلى أن جاءت إسرائيل عام 1948 و أخلّت بحالة السلم و الهدوء التي كانت تسود الشرق الأوسط.
و أشار إلى أنّ أيّ شيء يخالف هذه الرواية هو ببساطة نتاج الأكاذيب الإسرائيلية، و أضاف أنّ العدو الحقيقي لسورية، بكل تأكيد، هو الصهيونية، الحركة السياسية، و ليست اليهودية الدين السماوي. و وجد الأسـد أيضاً أنه من الضرورة بمكان تصحيح سوء فهم آخر لوزير الخارجية الأمريكي، و هو أنّ سورية لم تكن دولة تدور في فلك الاتحاد السوفيتي، و أنها ليست دولة متطرّفة راعية للإرهاب حسبما كانت تتهمها وسائل الإعلام و أجهزة الاستخبارات الأمريكية في كثير من الأحيان.
و أشار إلى أنّ سياسات سورية كانت مستقلة تماماً، و تتقرّر فقط على ضوء المصالحها الوطنية و طموحات شعبها. و بدا واضحاً أنّ كيسنجر لم يكن مدركاً مدى اهتمام الأسـد و حساسيته تجاه آراء شعبه به، قياساً بمعايير كل من السعودية و الكويت و العراق أو مصر، و تبين له فيما بعد أنّ أنور السادات لم يكترث إطلاقاً لرأي القاعدة الشعبية بسياساته الخارجية، فقد كان يتصرف وفقاً لرأيه الشخصي بالنيابة عن الشعب المصري.
استأنف الأسـد حديثه، مطلقاً عبارة أصبحت فيما بعد سمتهُ المميزة على مدى الثلاثين عاماً التالية، إذ قال: ” تريد سورية سلاماً عادلاً “. ليس في الشعب السوري من هواة الحروب، و لكن شأنه شأن شعوب العالم، يقاتل من أجل استعادة أراضيه المفقودة، و غايته الأساسية هي العيش بسلام. و أشار إلى أنّ مثل هذا السلام لا يمكن أن يتحقق ما دامت الأراضي العربية تحت وطأة الاحتلال.
من كتاب حافة الهاوية ” وثيقة وطن ”
الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسـد و هنري كيسنجر
للدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية و الإعلامية للسيد الرئيس بشار الأسد
Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73