نارام سرجون:لكل وارسو حبيب .. بانتظار عودة حبيب
نارام سرجون
أصل العبارة هو ان “لكل خائن حبيب” أو “لكل بشير حبيب” .. وهي رسالة عابرة للشعوب أرسلت من لبنان لكل خائن في العالم كله بأن مصيره سيكون مصير بشير الجميل العميل الذي صافح شارون واعتبره صديقا وفتح له البلاد .. فعاقبه البطل حبيب الشرتوني بتنفيذ حكم الاعدام به ككل خائن .. ولم يبق من بشير الخائن الا الخاتم الذي أهداه اياه ارئيل شارون .. اليوم يغيب حبيب والاحبة ولايبقى الا كل “بشير” .. في وارسو التقى المبشرون بالسلام مع اسرائيل والحرب على ايران .. فلكل بلد خليجي بشير .. وصار بشير يتمختر وهو يصافح نتنياهو لأنه يظن ان الأحبة الأبطال غابوا .. فاذا غاب الحبيب لعب البشير ..
صحيح ان الانسان العربي تغير منذ لحظة كامب ديفيد التي أحدثت خللا كبيرا في ذهنه ونقلته نقلة نوعية من حالة الرفض المطلق الى حالة الرفض النسبي وطرح سؤال كان مستحيلا وهو: هل كان عبد الناصر على خطأ أم السادات؟؟.. ولكن كامب ديفيد كانت معرضة في كل لحظة للانهيار والموت المفاجئ لولا ان أنقذتها اتفاقية اوسلو التي لاتزال ترضعها وتطعمها وتطعم كل عمليات ومؤتمرات التطبيع وكانت الرأس الذي حمله جسد كامب ديفيد .. اتفاق اوسلو كان الكارثة الكبرى التي حلت بالانسان العربي وحولته الى آلة للطباعة وللتطبيع ..
بين الحين والحين يتبرع الاسرائيليون بالكشف عن كنوزهم الجديدة وفتوحاتهم في بلاد العرب .. العالم العربي يفتح ذراعيه للاسرائيليين .. المساجد تنحني امام الزوار الاسرائيليين والرجال يطأطئون الهامات والنساء يزغردن لوصول وزراء اسرائيليين .. حتى الحرم المكي التقط سيلفي لنفسه مع أحدهم !!
فمن الذي تغير.. ؟؟ العرب أم الاسرائيليون أم يهوه أم الله والاسلام؟؟ لأن سبب هذا التغيير يجب ان يكون أحد أضلاع هذا المثلث أي اما العرب .. او الاسرائيليون .. أو الله .. فالجغرافيا لم تتغير وفلسطين لاتزال فلسطين لم تزد ولم تنقص .. والتاريخ لايزال كما هو .. والحق لايموت ..
فهل تغير الاسرائيليون؟؟ وهل قرروا نسيان وعد الله لهم؟؟ وهل شطبوا عبارة وشعار (من الفرات الى النيل) على علمهم وعلى جدران بيوتهم ومدارسهم ومعابدهم ورؤوسهم؟ وهل تغير الله يهوه الذي وعدهم ويهتز عرشه كلما غضب اليهودي او تلقى صفعة؟؟
الحقيقة ان الذي تغير هو العرب .. واله العرب .. ودين العرب .. وكل شيء في العرب .. وتغير الانسان العربي جذريا هو الجذر في هذه الوقاحة التي صارت بها عملية التطبيع والخيانة علنية وتعبر الشوارع وتستريح في المساجد وتأكل مع النبي طعام العشاء وتصلي جماعة مع الصحابة وتتغطى بالقرآن .. فالتطبيع الذي يتم الآن هو تطبيع اسلامي يهودي .. بعد ان كان عربيا اسرائيليا ..
التطبيع الحالي سببه قبل كل شيء ليس الا غياب الشعب العربي التائه والصامت والذي لايبدي اي اعتراض او احتجاج ويحتاج انزيما يخمره بالثورة مثل حبيب الشرتوني .. ففيما مضى كان الحاكم العربي يخشى من غضبة الناس ان تخلف عن حضور قمة عربية لنصرة فلسطين أو يتخلف عن نداء لتحرير القدس أو عن تصريح يندد فيه باسرائيل ولو مجرد تنديد .. وكان عبد الناصر يكفي ان يتحدث على صوت العرب حتى تمتلئ الشوارع بالمتظاهرين من المحيط الى الخليج لأن المحكمة كانت تقام للنظام العربي في الشوارع .. فالحكام العرب كانوا يخشون من العقوبة الشعبية والغضب الجماهيري .. وكان درس نوري السعيد والعقاب العنيف الذي تلقاه مع الاسرة المالكة العراقية الى جانب مصير ملوك مصر وليبيا وحتى شاه ايران وأخيرا نسف بشير الجميل .. كل هذا كان مصدر رعب وكوابيس لانهاية لها .. فالعقاب الشعبي لايرحم والشوارع حبلى بالثورة وفيها الكثير من الفدائيين الغاضبين الذين لن يتأخروا في الالتحاق بأي ثورة .. وكل حاكم خائن سيجر في الشوارع ويعلق على عمود كهرباء .. او سيجد حبيبا بانتظاره في أي ركن ..
تمكنت أميريكا اليوم من قلب المجن وقلب كل الصورة فهي استخدمت الشعوب نفسها التي كانت تحاكم حكامها لمعاقبتهم عندما يتخلفون عن مواكبة مشروع التحرير والمواجهة مع اسرائيل .. الشعوب هي التي تحولت الى سلاح اميريكا المسلط على رقاب القيادات التي تعادي اسرائيل .. وصارت المحاكم يقيمها الشعب لأعداء اميريكا حصرا .. وتشنقهم اميريكا بحبال صنعتها هي بيد شعوبهم أو تعرض جثثهم العارية في الاسواق لارهاب كل الحكام كان ثمال نوري السعيد وبشير الجميل هو الكابوس .. وبدل ان يخشى الحاكم شعبه ان يتهمه بالخيانة صار الحاكم يخشى شعبه من ان تحركه أميريكا وتعاقبه به .. لأن مفاتيح الشعوب وثوراتها صارت بيد اميريكا بعد ان امسكتها بقبضة الدين والاسلام .. فالأدهى من ذلك كله ان العين التي كنا نظن انها هي الساهرة على الضمير وهي التي تراقب الحكام وتلاحقهم بنظرة الهية عمرها 1500 سنة وهي العين التي نصبت نفسها حارسا على الشريعة الاسلامية ومقدساتها والتي كنا نظن انها عصية على اميريكا في قضية حساسة جدا مثل فلسطين والصهيونية .. صارت هي العين التي ترعى مصالح اميريكا واسرائيل .. كنا نظن ان الاسلام والنبي والقرآن يحصنها ويحيط بها كدرع الفولاذ ويجعلها عصية على اي اختراق .. فاذا بنا نكتشف ان هذه العين وهذا الحارس على الضمير كان مجرد أداة للمخابرات الأمريكية وأنها درع اميريكي ترتديه تحت الياقات البيضاء .. وهي الهراوة التي تضرب بها اميريكا على رؤوس الحكام والشعوب وأنها الحارس الموظف فقط في خدمة اسرائيل .. وعندما قررت اميريكا ان تطيح بكل انجازات الشعوب العربية أطلقت الحركات الاسلامية التي صارت الآن هي أكبر خطر على مستقبل الناس واستقرارهم في المناطق العربية .. وهي العدو الكبير لهذه الشعوب لأنها هي التي تحرس عملية التطبيع الحالية .. لأنها لم تحرك الشارع رغم وجودها فيه وانتشار شعاراتها واكتفت ببلادة البيانات الكسولة الخمولة بشأن القدس والاقصى .. ولكنها من اجل بعض الصحابة ومن أجل عصيان الاخوان في رابعة جن جنونها واصيبت بالهستيريا ولاتزال تطعن في القيادة المصرية دون توقف لانها اعتبرت فض اعتصام رابعة اعتداء على شرعيتها الاسلامية .. رغم ان شرعيتها الاسلامية انتهكت وسقطت عندما تحالفت مع الاسرائيليين والاميريكيين في سورية وصمتت عن نقل السفارة الاميريكة في القدس ولم تقم بعملية عقاب واحدة ولو بسكين .. رغم انها لاتزال ترسل وبسخاء انتحاريين الى العراق وسورية وايران ..
اليوم هذا التمدد الاسرائيلي لايزال لايعني الكثير طالما انه يتحرك في الزوايا العربية الميتة ثوريا وغير المتطورة عموما من الناحية النفسية ولكن مايلفت النظر هي الجرأة من قبل الحكام على المجاهرة بالعلاقة مع الاسرائيليين بعد ان كانت العلاقة سرية لعقود طويلة يقول فيها الحاكم كل مايرضي الجماهير ولكنه في السر كان يفعل كل مايرضي اسرائيل
ماسبب هذه الجرأة على الخيانة والتطبيع؟؟
لاشك أن أميريكا قدمت عرضا مرعبا للعقاب بحق كل حاكم يتمرد ويتجرأ على اميريكا واسرائيل .. فعاقبت قيادة العراق بقسوة بالغة وشنقت الرئيس وعاقبت ليبيا ومثلت بجثة القذافي بعنف فائق وشتتت شعب اليمن ومزقت قيادته وأحرقت علي عبدالله صالح وحولته الى متشرد وكانت تريد معاقبة القيادة السورية بابشع الطرق .. في كلا البلدين وفي أحداث الربيع العربي كانت اميريكا حريصة جدا على ان تبلغ الحكام العرب رسالة مفادها ان بيدها حركة ومفاتيح الثورات ومفاتيح الجنة والنار .. ولذلك أظهرت وحشية في القصاص من الحكم في العراق والحكم في ليبيا لأن هذين البلدين كانت لهما قيادتان – بغض النظر عن أخطائهما الداخلية والخارجية – لاتقبلان بتسوية مع الاسرائيليين على حساب الثوابت العربية وحافظت على لاءات الخرطوم الثلاثة .. اما الأنظمة المطيعة نسبيا لأميريكا مثل نظام مبارك وبن علي فانها اكتفت بعملية هبوط آمن بالمظلات دون المساس بكرامتيهما او بحياتيهما .. بل ان بن علي وضعته في عهدة السعودية رغم انها قادرة على طلبه كي يرسل ليحاكم في المحاكم التونسية كما فعلت مع صدام حسين والقذافي .. الدرس العراقي والليبي رآه الكثيرون في العالم ومنهم حكام الخليج ولكن هؤلاء الحكام لم يكونوا بحاجة للدرس كي يخشوا أميريكا لأنهم في السر مجرد موظفين لدى وزارة الخارجية الاميريكة والموظف لايخشى من الجهة التي يعمل عندها الا ان تسرحه وتحيله الى المعاش اما حياته فيهددها الغاضبون في الشارع .. أما وقد صارت وزارة الخارجية الاميريكية هي التي تحدد مزاج الشارع ومنسوب الغضب فيه فان الحاكم صار لايخشى الشارع بل يخشى من يحرك الشارع .. وقديما كانت قضية فلسطين هي التي تحرك الشارع اما بعد الربيع العربي فان من يحرك الشارع هي محركات العالم الضخمة وفضائياته ووسائل التواصل الاجتماعي وكلها تعمل من خلف الستار باشراف وزارة الخارجية الاميريكة .. اي ان الاميركيين امسكوا بناصية الشوارع ونبضه وآلية تسكينه وتثويره .. وهذا هو سبب برود الشارع العربي في المحيط الى الخليج امام عمليات التطبيع .. اعطيت القدس للاسرائيليين والشارع العربي شارع ابله وكل مافيه ابله .. واسلامه ابله .. والوزراء الاسرائيليون يجوبون العواصم العربية ويمرون على الأسواق والشارع العربي يتأملهم كالابل البلهاء .. وتعزف اناشيدهم الوطنية في العواصم الخليجية والابل البلهاء تبتسم ..
ان شدة العقوبات تقرر درجة الجرائم .. والجرائم تحددها درجة العقوبات .. وغياب العقوبة يتسبب في حضور الجريمة .. وطالما غاب العقاب تلاشى الردع .. ولن يعيد الاسرائيليين الى حجورهم من رحلات التطببع الا موقف شعبي عربي عارم وساخط وعنيف .. واحياء شعار ولكل بشير حبيب .. واعادة درس نوري سعيد آخر وفاروق آخر .. اما طالما بقي الدرس الاخير هو صدام حسين والقذافي وصالح فان الشعوب لن تغير شيئا .. لأن الدرس اليوم هو لكل صدام معارضة .. ولكل قذافي قرضاوي .. ولكل أسد ربيع .. وطالما ان الخونة والعملاء والمطبعين كانت وسائل اعلامهم الرسمية ومسؤولوهم يحتفلون بقتل القيادات العربية التي تعادي اسرائيل حتى ان القرضاوي كان يفتي بقتل الزعماء من قصور الخليج وتحت مباركة الشيوخ والامراء والملوك .ويقول دمهم في رقبتي .. وكان مثقفو ووعاظ الحكام يصفقون ويباركون عمليات الاغتيال والتصفية والاعدام بحق القيادات العربية المقاومة لاميريكا فان من العدل ان يقبلوا باللعبة التي بدؤوها وان يتفهموا تعاطفنا مع ظهور شخصيات وطنية قد تظهر يوما بين شعوبهم من مقاس حبيب الشرتوني تنفذ حكم الشعب فيهم ..
ولكن هناك حقيقة يجب ان ندركها وهي ان الشعوب العربية كانت تتحرك وفق ايقاع الشارع الفلسطيني .. فالشارع الفلسطيني الذي أطلق العمل الفدائي كان يلهب المشاعر لأنه كان يعتبر خط الدفاع الاول عن الجميع وهو جزء من الكل .. ووقع هذا الشارع في أكبر خطأ عندما أغراه البعض بالحصول على القرار القلسطيني المستقل الذي جعل الحكام العرب قادرين على تحييد انفسهم وشعوبهم بحجة عدم التدخل في القرار الفلسطيني المستقل الذي لايريد منا التدخل .. الشارع الفلسطيني تم تحييده في اوسلو وتمزيقه أكثر .. ومنذ تلك اللحظة ولايزال الشارع الفلسطيني منقسما بين اسلاميين وأوسلويين .. وبشكل ادق بين استسلاميين واسلاميين .. وبكلمة اكثر دقة بين استسلاميين وحراس السلام من الاسلاميين .. فالاسلاميون الاخوان متحالفون مع تركيا وقطر .. والدولتان متحالفتان مع اميريكا .. وصديق صديقي هو صديقي .. وحليف صديقي حليفي ..
ربما لن يعود المطبعون الى حظائرهم الا اذا عاد اوسلو الى اوسلو.. او ظهر لكل وارسو حبيب .. ويجب كما اننا نبني توازن ردع عسكري مع اسرائيل فان علينا اعادة بناء الردع مع العملاء والخونة .. وهذا من اسس الردع المتبادل مع الاسرائيليين والاميريكيين .. فكما ان اسرائيل واميريكا تريدان ردع الوطنيين والأحرار ومعاقبتهم فان من حقنا بناء ردع وطني تجاه اسرائيل وعملائها واعادة احياء ثقافة .. لكل بشير حبيب .. ولكل أمير حبيب .. لأن اسرائيل من دون “بشير” في كل قصر عربي عاجزة ..
وبانتظار عودة حبيب سنبقى نلعن المطبعين حتى آخر نفس .. من كامب ديفيد الى اوسلو ووادي عربة وانتهاء بوارسو .. فلا تطل الغياب ايها الحبيب ..
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73