الأربعاء , ديسمبر 25 2024
شام تايمز

Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

«نصف قرن في سياسة أميركا الشرق أوسطية».. لبنان كعب آخيل سوريا!

شام تايمز

«نصف قرن في سياسة أميركا الشرق أوسطية».. لبنان كعب آخيل سوريا!

شام تايمز

في تمهيد السفير السابق في واشنطن الدكتور عبد الله بو حبيب لكتابه «أميركا القِيَم والمصلحة، نصف قرن من السياسات الخارجية في الشرق الاوسط»، يكتب: «قررتُ مرة في زمن كان اليأس يسيطر على اللبنانيين جميعاً، ان أتحدى المسؤولين عن لبنان والمنطقة في الخارجية الاميركية. سألتهم مشككاً عن فعالية الموقف وامكان ترجمته عملياً. كان ذلك في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وكنت سفيراً للبنان لدى واشنطن. ما كان من احد الديبلوماسيين في الاجتماع إلا ان ردّ عليّ بتهكم: سعادة السفير، هل تريدنا ان نقول ان واشنطن ليست معنية باستقلال لبنان وسيادته وسلامة اراضيه؟ هل فكرتَ ماذا سيحدث للبنان من جراء تصريح كهذا؟. كل ما تقوم به واشنطن، او تقوله، او تهمس به يؤثر سلباً او ايجاباً، في مجرى الاحداث في كل بلد، وكل قطاع اقتصادي او امني او عسكري فيه. أيضاً على سبيل المثال: في العقد الماضي اتهمت وزارة الخزانة الاميركية مصرفاً لبنانياً بتبييض الاموال لصالح منظمات «ارهابية»، بحسب التوصيف الاميركي. الاعلان الاميركي ادى الى تصفية المصرف واغلاقه. لذا، يترتب على كل منا ان يتفهم – وإن سطحياً – سياسة واشنطن نحو بلده ومنطقته والعالم بأجمعه، خصوصاً واننا كنا نعيش في عالم رَحِب وكبير، شعوبه بعيد بعضها من بعض، فاذا الاتصالات والمواصلات تجعل منه في العقدين المنصرمين قرية صغيرة. هذا الكتاب يوجز دور الولايات المتحدة الاميركية حيال الشرق الاوسط كما مورس من اداراتها في العقود الخمسة الماضية، مع توصيف للاهداف الاميركية في المنطقة، وسبل تنفيذها كما خبرتُها وفهمتها». يتناول الكتاب مراجعة للسياسة الاميركية في دول الشرق الاوسط، ومن بينها لبنان، طوال نصف قرن خلت منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون وصولا الى عهد الرئيس باراك اوباما، مع خاتمة تعرض قواعد السياسة الخارجية للرئيس الحالي دونالد ترامب. لكن مع استفاضة في تحديد معالم سياستي الرئيسين جورج بوش الابن وأوباما، والخيارات والقرارات ومظاهر النجاح والفشل التي رافقتاها. في تمهيده، يخلص بوحبيب الى أنه «يمكن القول ان الاهداف الاميركية في المنطقة لم تتغير كثيراً. لكن بعضها أصبح اكثر اهمية، والبعض الآخر تدنت اهميته. بينما لم تتغير سبل معالجة الاهداف كثيراً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى احداث 11 ايلول 2001، وقد شهد كل من عهدي الرئيسين جورج بوش الابن وباراك اوباما تغييرات وتحوّلات اساسية في تنفيذ محاولات حل ازمات المنطقة التي زادت تعقيداً خلال هذا القرن. فيما السياسة الخارجية لبوش الابن استباقية وقائية وهجومية، كانت سياسة اوباما على العموم ارتدادية تراجعية عسكرياً وتقاربية في المجال الدولي». «الأخبار» تنشر مقتطفات من الكتاب على ثلاث حلقات. وفي ما يأتي الأولى عن لبنان بعنوان «فشل المحاولة»

شام تايمز

«في هذه المنطقة (الشرق الاوسط)، يوجد فقط بلدان اثنان يمارسان الحكم الديموقراطي. الاول اسرائيل حيث الديموقراطية قوية، والثاني لبنان حيث الديموقراطية هشة». ذلك ما قاله الرئيس الفرنسي جاك شيراك للرئيس الاميركي جورج بوش في اجتماع في فرنسا في اوائل حزيران 2004. أضاف شيراك، كما ذكر بوش في مذكراته، «أن سوريا تحتل لبنان وقد نشرت عشرات الآلاف من جنودها في كل الاراضي اللبنانية، وهم يبتزّون الاموال من الاقتصاد اللبناني ويمنعون الديموقراطية اللبنانية من اخذ مداها».
حتى ذلك الوقت، لم تكن العلاقة بين الرئيسين على خير ما يرام. عارض شيراك بشراسة الحرب على العراق من أروقة مجلس الامن وعواصم الدول الاعضاء في المجلس، ولذا لم يحفظ بوش له ودّاً. كان الرئيس الاميركي في زيارة تقليدية لباريس في الذكرى الستين لإنزال قوات أميركية على الشواطئ الغربية لفرنسا، خلال الحرب العالمية الثانية.
بدوره شيراك كان استقبل في باريس الرئيس حافظ الاسد عام 1998، وشدد وقتذاك على ان لا سلام حقيقياً في المنطقة من دون سوريا. زار شيراك لبنان عام 2002 وقال في خطاب امام مجلس النواب ان سوريا ستبقى فيه الى حين حل قضية الشرق الاوسط، اي القضية الفلسطينية، ما اغضب الكثيرين من اللبنانيين.
لاحظ الديبلوماسيون الاميركيون ان شيراك نجح في اللعب على نقطة ضعف عند بوش هي اجندة الحرية التي لم تكن يوماً في اهداف الرئيس الفرنسي. عمل بوش وادارته ايضاً على الانتقام من سوريا لتشجيعها الارهابيين والسماح لهم بالعمل من سوريا، لتقويض الاحتلال الاميركي للعراق.
كلام شيراك لبوش عن لبنان، بحسب المعنيين الاميركيين، كان الى حد بعيد يرمي الى الانتقام من الرئيس السوري بشار الاسد لرفضه مشاركة فرنسا، ربما من خلال رفيق الحريري، في اختيار رئيس جمهورية لبنان. أعلمتُ الرئيس عصام فارس، نائب رئيس الحكومة يومذاك، اوائل تموز، عن محتوى الاجتماع بعد التأكد من صحته، ثم سرّبتُ الخبر بعد خمسة ايام الى مراسل جريدة «السفير» التي نشرته بعد نحو اسبوعين في 17 تموز، في صفحة داخلية. علمتُ لاحقاً ان هذه المعلومات وصلت الى الرئيسين اللبناني والسوري في الاسبوع الاول من الشهر ذاته.
اتى تقديم مشروع قرار أميركي – فرنسي الى مجلس الامن بعدما وافق الرئيس اللبناني اميل لحود في منتصف آب على اقتراح حكومة الرئيس رفيق الحريري الطلب من مجلس النواب تعديل الدستور وتمديد ولاية رئيس الجمهورية ثلاثة أعوام، بدعم قوي من الرئيس السوري بشار الاسد. أقر مجلس الامن المشروع المقدّم من باريس وواشنطن في 3 ايلول 2004، غداة تعديل مجلس النواب اللبناني الدستور وتمديد ولاية لحود. دعا القرار 1559 الى انسحاب سوري كامل من لبنان وحل كل أنواع الميليشيات وبسط سيادة الجيش اللبناني على كل الاراضي اللبنانية.
رفضته سوريا في البدء كما مبدأ الانسحاب من لبنان كلياً. لكن اغتيال الحريري في 14 شباط 2005 فتح باب بداية نهاية الوجود العسكري السوري في لبنان. راحت التصريحات والمواقف الاقليمية والدولية والمحلية، على رأسها واشنطن والسعودية ايضاً، تتهم دمشق بالفاجعة، وأخذت ضغوط الدول تلك تطالبها بالانسحاب من لبنان. بيد ان الضغط الاكبر والاقوى اتى من هذا البلد بالذات، في 14 آذار، مع انقضاء الشهر الاول على جريمة الاغتيال، حينما تظاهر حوالى مليون لبناني من كل المناطق والطوائف اللبنانية، يطالبون بانسحاب سوري فوري من لبنان. بالفعل بدأ الانسحاب في اواخر آذار وأُنجز كاملاً ونهائياً في 29 نيسان.
اعتبر بوش الانسحاب السوري انتصاراً لسياسته المناهضة لسوريا، ولانتشار اجندة الحرية في المنطقة العربية، خصوصاً وأن رئيساً جديداً وصديقاً لواشنطن هو محمود عباس انتخب على رأس السلطة الفلسطينية في الشهر الاول من عام 2005. كان قد انتخب في الشهر ذاته، للمرة الاولى في العراق، مجلس للنواب يمثل كل اطياف المجتمع. كلّل ادعاء بوش بالنصر انتخاب مجلس نيابي جديد في لبنان خلال ايار 2005، لعب السفير الاميركي جيفري فيلتمان دوراً محورياً في حصوله، وإن وفق قانون انتخاب كان وضعه الاحتلال السوري، أُجريت على اساسه انتخابات 2000، وعارضه قسم كبير من الاحزاب والهيئات السياسية اللبنانية، المسيحية منها خصوصاً. على ان انتخابات 2005 حملت الى البرلمان المنتخب غالبية جديدة معادية لسوريا وموالية للغرب والسعودية.
مذذاك اصبح لبنان في الاولويات الاميركية في المنطقة. باتت التصريحات الاميركية عنه، من البيت الابيض ووزارة الخارجية والكونغرس حتى، شبه يومية. زيارات دورية لقيادات الغالبية النيابية الحليفة لواشنطن، وزيارات متعددة لمسؤولين اميركيين الى لبنان. لم يكن يمضي شهر من دون ان يزور سياسي لبناني واشنطن ويجتمع بالرئيس في احد مكاتب مساعديه او في مكتبه البيضاوي حتى. راح مسؤولون اميركيون يزورون لبنان ويجتمعون برئيس حكومته فؤاد السنيورة – وكانت حكومة الغالبية النيابية – وبقيادات تجمّع 14 آذار، دونما لقاء رئيس الجمهورية، الموالي لسوريا في نظرهم.
ثمة لبنانيون يحبون بوش جراء هذا الاهتمام، وآخرون يكرهونه. البعض يعزو السبب الى فشله في العراق وفلسطين، ونجاحه النسبي في لبنان. لكن سبباً آخر هو سوريا. لو دعمت الرئيس الاميركي في حربه على العراق، كما فعل الاسد الاب مع بوش الاب عام 1991 في الحرب على صدام حسين لاخراجه من الكويت، ربما اصبح لبنان لعبة هامشية بين الرئيسين الابنين. عام 1990 أُعطي الاسد فرصة قمع معارضي مشيئته في لبنان من دون اعتراض من واشنطن وتل ابيب كما كان يحدث سابقاً. لكن نجله الرئيس عارض الحرب على العراق، ورفض التعاون مع واشنطن، فأضحى إضعاف سوريا في لبنان هدفاً رئيسياً للادارة الأميركية. قرار بوش الذهاب الى العراق جعله يهتم بلبنان «كعب آخيل» سوريا، خصوصاً بازاء دورها الاقليمي ووضعها الداخلي حتى. بمرور الايام، بدا ان الرئيس الاميركي شغف بالقضية اللبنانية، وصار له دور مباشر في صنع سياسة بلاده حيال البلد الصغير.
تواترت زيارات القيادات اللبنانية من الاحزاب والهيئات المنخرطة في قوى 14 آذار لواشنطن، في مرحلة ما بعد ابصار الحكومة الجديدة برئاسة فؤاد السنيورة النور في اواخر تموز 2005. زارت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليسا رايس لبنان للمرة الثانية في شباط 2006 لدعم تحالف 14 آذار «بعدما كرّس نشاطه لاستقلال لبنان وسيادته وزيادة الضغط على سوريا كي تنسحب من لبنان»، كما ذكرت في مذكراتها. أضافت: «القوى التي التقت معاً بعد اغتيال الحريري قبل عام واحد فقط، سيطرت على الوضع، بينما سوريا وحزب الله وراعيهما ايران فقدوا التوازن وهم في تراجع». كانت زارت لبنان للمرة الاولى عام2005 وعقدت اجتماعاً «غير مثمر» مع رئيس الجمهورية. مذذاك قررت ان لا تجتمع به مجدداً. في الزيارة الثانية استعاضت عنه بزيارة بطريرك الموارنة مار نصرالله بطرس صفير والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
بعد اجتماع بالسنيورة، اشترك فيه وزير الخارجية الشيعي فوزي صلوخ، كما ذكرت رايس في مذكراتها، طلب منها رئيس الحكومة، بعد مرور ساعة على الاجتماع الموسع، لقاء منفرداً. كتبت رايس عن الاجتماع المنفرد: «فؤاد (السنيورة) يمشي على حبل مشدود في محاولته قيادة لبنان نحو بلد اكثر سيادة وديموقراطية، بينما سوريا وحزب الله قادران على الانقضاض عليه مرة اخرى وفي اي وقت. طلب فؤاد من واشنطن مساعدات اقتصادية وعسكرية لقوى الجيش والامن الداخلي، وانسحاب اسرائيل من مزارع شبعا»، كون ذلك يمنع حزب الله من استعمال المزارع مبرّراً لاستمرار جناحه العسكري.
غادرت العاصمة اللبنانية من دون ان تعد السنيورة بالسعي الجدي الى استرجاع مزارع شبعا.
ذلك ما روته رايس في مذكراتها عما تحدث به السنيورة، وكانت انقضت ستة اشهر على تأليف حكومته. تصرّف معها كأن لا حلف رباعياً يجمعه بحزب الله فيها، وكأن الرئيس الفرنسي لم يكن صادقاً في ابرام صفقته هذه مع ايران.
بدأ وزراء حزب الله وحلفاؤهم منذ ايلول 2005 يشعرون بالعزلة بعد كل جلسة لمجلس الوزراء، وظهرت ثمة حاجة ماسة الى حلفاء من خارج الحكومة والتحالف الرباعي الذي أُبرم بشيء من الارغام المرتبط بمصالح متقاطعة داخلية وخارجية. بوشرت اتصالات بينه وبين التيار الوطني الحر من اجل التوصل الى تفاهم بعد اقل من ثلاثة أشهر من تشكيل حكومة السنيورة.
كان العماد ميشال عون، الركن الاساسي في تظاهرات 14 آذار والحشد المليوني من خلال مئات الآلاف من انصاره قبل الانفصال عن هذا الفريق، زار واشنطن في كانون الاول 2005. اراد ان يلمس بنفسه صحة مواقف سلبية حياله كان يبديها السفير الاميركي لدى لبنان. اجتمع هناك بمسؤولين في الكونغرس والبيت الابيض ووزارة الخارجية، لكنه لم يفز بالاهتمام الذي خصت به قيادات 14 آذار. لم يُعط الاجتماع بوزيرة الخارجية ولا الرئيس ولا نائبه او مستشاره للامن القومي، فعاد الى بيروت، وقد فهم عن قرب الموقف الاميركي منه المشوب بعداء غير خاف. استمرت مفاوضاته مع حزب الله الى ان انتهيا الى مسودة اتفاق سياسي داخلي، وقّعها عون والامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في 6 شباط 2006، في كنيسة مار مخايل في الشياح، الواقعة عند تقاطع حيين مسيحي واسلامي، سُمّيت «تفاهم مار مخايل». اغضب اعلانها واشنطن والدول الغربية والعربية المعنية. مذذاك دخلت في اجندات السفراء الاميركيين لدى لبنان لدى زيارته اسئلة دائمة عن اتفاقه مع حزب الله.
كانت الحرب الاسرائيلية على حزب الله ولبنان، في 12 تموز 2006، مناسبة لبوش لضم لبنان كلياً الى المحور الاميركي واجندة الحرية، في حال استطاعت اسرائيل ربح الحرب على حزب الله. ساندتها الولايات المتحدة منذ البداية، ورفضت المبادرات الدولية لاتخاذ قرار في مجلس الامن بوقف فوري للنار. كانت خسارات بوش حول الشرق الاوسط والعالم تكاثرت في النصف الاول من عام 2006. في الحرب العراقية مُني بخسارة كبيرة بينما الكونغرس ينتقد بشدة الحرب وسياسة الرئيس وادارته اياها في ذلك البلد. لم تكن افغانستان احسن حالاً. الوضع الامني في البلدين في انهيار. في فلسطين انتصرت حماس في الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخسر بوش الرهان على منظمة فتح والسلطة الفلسطينية. اخيراً، كان ثمة تخوف جدي من سقوط حكومة السنيورة في لبنان، اذ تحكم بتمثيل هامشي للطائفة الشيعية.
بدا الرئيس الاميركي متعطشاً الى انتصار ما في سياسته الشرق اوسطية، من ثم، أُعطيت اسرائيل دعماً مطلقاً في حربها على حزب الله. شدد بوش اكثر من مرة على ان من غير الوارد ان يقول لاسرائيل كيف تدافع عن سيادتها وتحافظ على سلامة شعبها. كرّر كذلك ان لبنان جزء من معركة مكافحة الارهاب، لكنه طلب من الدولة العبرية عدم قصف المناطق السكنية فيه، وان لا يتسبّب القصف الاسرائيلي لمناطق حزب الله في اضعاف حكومة السنيورة «الحليفة». كما قال في مذكراته: «كنت ارغب في شراء الوقت لاسرائيل لاضعاف قوات حزب الله. اردت ان ابث رسالة الى ايران وسوريا: لن يسمح لاي منهما باستخدام المنظمات الارهابية كجيوش بديلة لمهاجمة الديموقراطيات من دون عقاب».
بينما طابق موقف جامعة الدول العربية، بقيادة دول مجلس التعاون الخليجي، وجهة النظر الاميركية، اتسم موقف الدول الاوروبية، باستثناء بريطانيا، بالتميّز. اتهم معظم وزراء خارجية اوروبا رد الفعل الاسرائيلي باستخدامه المفرط للقوة، ودعوا الى ضبط النفس ووقف القتال. راحت المحاولات الاوروبية في مجلس الامن بغية وقف القتال تصطدم باستمرار بالفيتو الاميركي.
في لبنان، كانت الهدنة بين حزب الله وحكومة السنيورة قد انتهت منذ اوائل خريف 2005. قاطع وزراء الحزب وحلفاؤه جلسات الحكومة كلما اتخذت اكثرية مجلس الوزراء قراراً لا يرضيهم، لا يلبث ان يعودوا الى الحضور. لم يتأثر عمل حكومة السنيورة ودورها حينما استقال لاحقاً الوزراء الشيعة منها نهائياً في اواخر عام 2006. تغاضت حكومة الغالبية عن دعم حزب الله في استهداف دورية اسرائيلية وقتل سبعة من جنودها وخطف اثنين. موقف كهذا لحكومة لبنانية ناقض مواقف درجت عليها حكومات سابقة دانت على الدوام اسرائيل في كل ازمة او مواجهة مع المقاومة التي يقودها حزب الله.
كان الرئيس الاميركي واركان ادارته في المانيا، في طريقه الى مدينة بيترسبورغ الروسية للمشاركة في اجتماع مجموعة الدول الثماني من 15 تموز 2006 الى 17 منه، عندما اندلعت حرب اسرائيل على حزب الله ولبنان، وكانت ترافقه رايس التي نجحت قبل اقل من شهر في وقف حرب اسرائيلية على حماس في قطاع غزة.
وجدت رايس ما قام به حزب الله تحدياً كبيراً لخليفة اريال شارون، ايهود اولمرت الذي كان عليه اقناع الاسرائيليين بأنه يستحق خلافته له، ولذا عليه ان يربح الحرب على حزب الله بعدما تجرأ وعبرَ الخط الازرق الفاصل، بحسب مفهوم الامم المتحدة، بين لبنان واسرائيل. سعت الوزيرة الاميركية ونجحت في بيترسبورغ في ان يتضمن بيان مجموعة الثماني اولاً ادانة لحزب الله، وثانياً ابداء القلق المتنامي على الخسائر البشرية، وثالثاً الطلب من حكومة اسرائيل التصرف بأقصى قدر من ضبط النفس.
بكلام آخر، بدعم من الرئيس، نجحت في ان لا يتضمن بيان مجموعة الثماني الطلب من اسرائيل وقفاً فورياً للقصف الجوي على لبنان، وكان بدأ قبل صدور البيان في 15 تموز. ارادت تضمينه وقفاً للنار لا يكافئ حزب الله على «عدوانه».
زارت رايس لبنان في 24 تموز، بعد 12يوماً من اندلاع الحرب. طلب منها السنيورة زيارة رئيس مجلس النواب وزعيم حركة امل الشيعية نبيه برّي. لوحده لا يستطيع الزام لبنان شروط وقف النار. لم يطلب منها زيارة رئيس الجمهورية. لم يكن اجتماعها ببرّي ايجابياً. بيد انها اعتبرت انها انتزعت موافقته على نشر الجيش اللبناني في الجنوب الذي، بحسب اعتقادها، «لن يغير موازين القوى حالياً، انما يكون خطوة مهمة لتقوية حلفائنا اللبنانيين». التقت رايس رئيس حكومة اسرائيل في اليوم التالي، ولم تلقَ منه تفهّماً لضبط النفس، بل تعزيز التخطيط لاستمرار الحرب. عادت الى واشنطن خائبة.
رغم تردّدها المبدئي، قرّرت حضور اجتماع روما في 26 تموز لدعم حكومة السنيورة. نجم هذا التردّد عن تخوفها من ان يصر الاوروبيون على بيان يطالب بوقف فوري للنار، فيظهر للجميع كأن اميركا تريد استمرار الحرب. لكن وزير خارجية ايطاليا، رئيس المؤتمر، وعدها بالحؤول دون احراجها. عند وصولها الى روما علمت رايس ان اسرائيل قصفت مركزاً لقوات الامم المتحدة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، ما اضعف عزيمتها للدفاع عنها، ولذا تغاضت عن تصريح الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ينتقد اسرائيل بقسوة لقصفها «المتعمّد» قوات اليونيفيل، ويدين ما قامت به.
كذلك، تفهّمت مهاجمة رئيس حكومة لبنان اسرائيل، وارتاحت الى مطالبته بمساعدات لاعادة الاعمار وبناء جيش قوي وحده يحمي لبنان. لاحظت في موقفه هذا اشارة الى حزب الله. لكن عند قراءة البيان الختامي، احتج وزير خارجية فرنسا على عدم تضمينه «وقفاً فورياً للنار»، ما فجّر الجلسة الاخيرة للمؤتمر، فأعلنت رايس عدم موافقتها على وقف «فوري» للنار. صدر البيان الختامي بعد نقاش طويل من دون كلمة «فوري»، لكن الخبر كان قد انتشر ان واشنطن «مع استمرار الحرب».
عادت الوزيرة الاميركية الى الشرق الاوسط مساء 29 تموز، وحطت اولاً في اسرائيل، وفي نيتها القيام بديبلوماسية مكوكية بين بيروت وتل ابيب حتى الوصول الى وقف للنار. اجتمعت بأولمرت فور هبوطها، وبوزير الدفاع الاسرائيلي امير بيريتس في اليوم التالي. حدث ان الوزير تسلّم في اثناء الاجتماع مع رايس رسالة تلفونية تعلمه بقصف جيشه بلدة قانا في جنوب لبنان واستشهاد عشرات النساء والاطفال وكبار السن، فلم يخبرها بالمجزرة التي وقعت. هذه المجزرة الثانية لقانا الجنوبية بعد اولى في ربيع 1996.
غضبت رايس حينما علمت بالخبر من مساعديها فور انتهاء الاجتماع، فاتصلت بالسنيورة واتفقا على ان من غير المناسب زيارة لبنان. الغت رحلاتها المكوكية وعادت الى واشنطن، واقترحت على الرئيس مباشرة مجلس الامن في نيويورك مناقشات لاصدار قرار بوقف النار.
بدأ العمل مع الفرنسيين على تقديم مشروع قرار الى مجلس الامن من دون تقدّم ملحوظ. قصدت رايس مقر الرئيس في تكساس بطلب من بوش الذي عقد اجتماعاً تليفونياً لمجلس الامن القومي الاميركي للاطلاع على مواقف اعضائه من مسودة مشروع القرار. صدمت رايس عندما عارض نائب الرئيس دِك تشايني وقف النار، مشدداً على ترك اسرائيل «تنهي عملها» (let Israel finish the job). تبيّن لرايس في الاجتماع ان تشايني على اتصال باسرائيليين من دون عِلمها. في نهاية المطاف، قرر الرئيس ان الكثير من مصالح اميركا على المحك للسماح للحرب بأن تستمر، وأوعز الى وزيرة خارجيته مواصلة مساعيها للتوصل الى قرار لمجلس الامن يوقف القتال. بعد سنوات عرفت رايس ان السفير لدى الامم المتحدة جون بلتون كان ايضا ينسق مع زميله الاسرائيلي من دون علمها، ما خلق ارتباكاً وأخّر توقيت اصدار القرار.
صدر قرار مجلس الامن رقم 1701 بوقف القتال في11 آب، وأصبح ساري المفعول بعد يومين، بانقضاء نحو اسبوعين من بدء مناقشته في أروقة مجلس الامن. بينما كانت رايس مرتاحة اليه، والى بقاء حكومة السنيورة وعدم مشاركة سوريا في المفاوضات خلافاً لما حصل في حرب 1996 للتوصل الى قرار، لم يكن الرئيس بوش سارّاً بنتائج الحرب رغم تصريحاته العلنية ان اسرائيل ربحت. اعتبر في مذكراته ان الحكومة الاسرائيلية التي أعطيت الوقت الكافي لانهاء مهماتها، فشلت في ادارة معركة التخلص من حزب الله. بقاؤه قوياً في لبنان اعاق انتشار «اجندة الحرية»، حتى وان استمرت حكومة السنيورة الحليفة له في الحكم.
الاهم من كل ذلك، ان حزب الله، بقياداته السياسية والعسكرية، بقي متعافياً رغم الحرب عليه التي استمرت 33 يوماً. كما افضت حرب شيمون بيريز عليه في ربيع 1996 الى فشله في الانتخابات النيابية، فإن مجيء بنيامين ناتنياهو الى رئاسة الحكومة كان ثمرة حرب اولمرت على حزب الله في صيف 2006.

الاخبار

شام تايمز
شام تايمز