ثانوية ريفية تحقق نسبة نجاح 100% بينما تغرق مدارس الريف بالأزمات
أزمة مدارس الريف أسبابها ونتائجها والحلول المتاحة… “سلوم” يقترح البعثات الداخلية… والأهالي يقترحون توجيه أبناء الريف لدراسة اختصاصات محددة تحتاجها مناطقهم والالتزام بتعيينهم
حققت ثانوية “امتان الريفية” نسبة نجاح 100% بين طلاب الشهادة الثانوية المسجلين لديها لتحل بالمرتبة الثانية على مستوى القطر من حيث ترتيب المدارس السورية.
نسبة النجاح الشاملة في هذه المدرسة كانت مفاجأة للمتابعين والمهتمين فهي “مدرسة ريفية” تبعد حوالي 43 كم عن المدينة، وظروف التعليم في الريف صعبة وتعاني العملية التعليمية من عوائق متعددة، ومع ذلك نجحت هذه المدرسة في تجاوز التحديات وتقديم نموذج لافت.
المؤشر لا يتوقف عند النجاح في هذه المدرسة الريفية البعيدة المتمايزة عن مدارس الريف، وإنما يمتد إلى المعدلات حيث تمكن 9 طلاب من ثانوية “امتان” أن يجمعوا معدلات تؤهلهم للالتحاق بالسنة التحضيرية لدراسة الطب العام الفائت وهو رقم جيد أيضاً.
تُرجع مديرة المدرسة “نعامة عدنان” تفوق الثانوية التي تديرها إلى توفر المدرسين من “إمتان” والقرى القريبة منها الأمر الذي عزز ملاك المدرسة، وتشير بشكل أساسي إلى طاقة مدرسي المواد العلمية الذي بفضلهم استقرت أمور طلاب الثانوية، وحافظت الثانوية على نسبة استقطاب للطلاب من القرى المجاورة تجاوزت 15 بالمئة (الباقي يقصدون الثانويات في المدينة أو في مراكز النواحي)، ونسبة نجاح مرتفعة.
التميز حالة فردية – أزمة مدارس الريف
قرابة نصف قرن من العمل التعليمي التربوي في سورية، لم تكن كافية لإلغاء الفوارق بين مدارس الريف والمدينة، تبدأ من غياب الثانوي العلمي، في عدد كبير من ثانويات الريف إلى غياب مدارس المتفوقين المتخصصة.
حيث تشهد مدارس الريف بشكل عام في السويداء هجرة نحو مدارس المدينة، بينما يتراجع مستوى التعليم في مدارس أخرى، في ظل سعي المدرسين للانتقال من هذه المدارس نظراً لصعوبة المواصلات، وضعف معدلات الأجور وأسباب أخرى عديدة منها نقص الكوادر التدريسي، وبعدها عن الرقابة والمتابعة وظروف الحياة في الريف.
إلا أن الميزة الأبرز لمدارس الريف في محافظة السويداء هي أنها تحافظ على الاختلاط بين الجنسين في الشعبة الصفية الواحدة، ما يساعد في التقليل من الفوارق بين الجنسين ويمهد لمرحلة أفضل من المساواة وإلغاء التمييز والفصل بين الذكور والإناث.
طلاب العلمي في الريف يقطعون مسافات بعيدة.. أعباء مادية ووقت ومواجهة ظروف جوية
يضطر طلاب الفرع العلمي في معظم مدارس الريف لقطع مسافة تقدر بين 9 إلى 17 كم للانتقال إلى مدارسهم، من أجل تلقي التعليم وهذا التنقل يحملهم أعباء مادية، ويضيع عليهم الوقت والجهد، إضافة لتعرضهم للعوامل الجوية الصعبة في الأرياف.
تقول “جميلة أبو حجيلة” طالبة حادي عشر علمي من قرية “طربا” لـ سناك سوري: «في قريتي لايوجد شعبة علمي لعدم وجود مدرسين مايضطرني لاجتياز مسافة 17 كم للوصول إلى المدرسة، متحملة معاناة قلة المواصلات وصعوبة التنقل، حيث لايوجد سوى رحلتين يومياً بين القرية والمدرسة».
يقول “نضال جريرة” مدير الثانوية لـ سناك سوري: «نعاني من نقص في الكوادر العلمية، لذلك لانستطيع فتح شعبة لطلاب العلمي، بينما لدينا فائض من مدرسي المواد الأدبية».
“جريرة” يأمل أن تغطي المسابقات القادمة احتياجات المدرسة من المدرسين، حتى تخف الأعباء عن الطلبة ويتمكنوا من اتمام دراستهم في ظل ظروف أكثر صحية.
الأهالي خلال اجتماع مع سناك سوري بحضور المدرسين اقترحوا أن تلتزم الدولة بتعيين نسبة من مدرسي المواد العملية في الريف بحيث مثلاً تعلن عن التزامها بشكل مسبق تعيين العشرين الأوائل من خريجي الإجازة في الرياضيات وغيرها من المواد العملية، أو تحفيز طلاب من مناطق الريف لدراسة فروع واختصاصات علمية تحتاجها المدارس والالتزام بتعيينهم في مناطقهم فور تخرجهم.
المواصلات والتنقل عبء بات يرهق المعلم
أغلب المدرسين ليسوا من سكان القرى التي توجد فيها مدارس الريف (الثانوية) ما يجبرهم على اجتياز مسافات بعيدة، والتنقل في حافلات للوصول إلى المدرسة، وهذا الأمر يسبب لهم أزمة تلقي بظلالها على التعليم في الأرياف لكل الفروع، ففي هذه الثانويات مدرسين ومدرسات يضطرون في عدة حالات لقطع مسافة ما بين 30 إلى 40 كم للوصول إلى مدارسهم، ومنهم المدرسة “ديانا زهر الدين” مدرسة اجتماعيات من قرية “المتونة” شمال شرق “السويداء” وتدرس في ثانوية “طربا” وثانوية “رضيمة اللوا” لتكمل النصاب، وتقول لـ سناك سوري: «رحلتي تبدأ من الساعة السادسة والنصف لأتمكن من التواجد في الشعبة الساعة الثامنة، أتنقل فيها بين عدة ميكروباصات للوصول، ومثلها للعودة مع العلم أن أجواء المدرسة مريحة ومنظمة، لكن إرهاق الرحلة معاناة حقيقية للمعلم الذي يجب عليه الشرح، والمتابعة بعدها والقيام بواجبه اتجاه طلابه».
إلى جانب الإرهاق تظهر أعباء أجور النقل التي ترتفع تبعاً لزيادة المسافة لتمنع أستاذ المدينة من الوصول، والتقاعس عن متابعة العمل في المدارس البعيدة فقد تصل كلفة التنقل ما يوازي نصف الراتب المبلغ الذي يرهق المعلم ليعتذر عن المتابعة، كما حدثنا مدرس لمادة الرياضيات مفضلاً عدم التصريح عن اسمه، مستحضراً إحدى تجارب قرى المنطقة الشرقية في السويداء التي تبرع فيها أحد متطوعي البلدة ليقدم تعويض النقل لمدرس الرياضيات لتلبية حاجة المدرسة لكن التجربة لم تستمر، داعياً لتشجيع المبادرات المجتمعية من هذا النوع على أمل تأمين وسيلة نقل لكل مدرسة تقل المدرسين، بدعم من الأهالي كنوع من الشراكة بين المجتمع والمدرسة والدولة.
صعوبة المواصلات تحبط بعض المدرسين عن القيام بمبادرات أو الاستمرار بمبادرات كانوا قد أعلنوا عنها، مثل المدرس “شادي الشوفي” الذي أمضى 5 سنوات وهو يعطي دروس لطلبة يوم السبت في مدرسة القرية بالتنسيق مع التربية قبل أن يعتذر عن اتمام المهمة نظراً لصعوبة التنقل بين مكان إقامته في “صلخد” ومدرسة “امتان” خصوصاً مع تطور الأزمة السورية وارتفاع الأسعار بشكل كبير مع محافظة الرواتب على ثباتها.
محاولات للتطوير
في قرية “الثعلة” ثانوية “محمد صالح نصر” يتفاءل “عامر حسون” مدير المدرسة أن العام الدراسي القادم سيشهد إحداث شعبة للحادي عشر العلمي، بعد توافر الكادر المطلوب ضمن ملاك المدرسة بناء على مسابقة التعيين الأخيرة.
إلا أن أبرز تحدي يواجه المدرسة بعد الإعلان عن افتتاح الشعبة هو تحفيز الطلبة على العودة من مدارس الريف إلى القرية، وهذا يحتاج كادراً متكاملاً واستقراراً في هذا الكادر وفي العملية التعليمية وتأمين البيئة التعليمية اللازمة.
يعلق “حسون” في حديث مع سناك سوري على جاهزية البيئة التعليمية بالقول إنه تم تأمين الكادر التدريسي اللازم لإحداث الشعبة، إضافة لاستكمال التجهيزات اللازمة لعدة شعب بالفرع العلمي منها أجهزة العرض ومخابر الحاسوب المتطورة والشاشات التفاعلية.
لكن السؤال الذي نوجهه للقائمين على العملية التربوية لماذا لا تتلاقى وفرة التحضيرات والتجهيزات التقنية مع الكوادر؟ وكان جوابهم لابد من طرح السؤال على نطاق أوسع يرتبط بعملية الاستيعاب للتعليم الجامعي والدراسات التي تخلق رابط بين عملية الاستيعاب الجامعي، والحاجة الحقيقية لتوزع التخصصات العلمية التي تكفل إعداد كوادر تعتبر عماد العملية التعليمية.
اقتراحات تربوية قد تكون بعيدة المنال
يبلغ عدد الشعب الصفية للثانوي في ريف السويداء قرابة 400 شعبة وفقاً لمدير التعليم الثانوي في تربية السويداء “بسام سلوم” الذي أضاف في حديثه مع سناك سوري أن حاجة الطلاب مقضية إن لم يكن في القرى التي يسكنوها ففي القرى المجاورة، بالتالي تعترف تربية “السويداء” بالواقع الذي فرض نفسه من خلال نقص الكوادر العلمية، لكنها من جهة ثانية تؤكد أن تغطية الثانوي اقترنت بعدة قضايا منها التغذية الطلابية للمدرسة عندما ينخفض عدد الطلاب عن الحدود الدنيا لإحداث شعبة، وللمشكلة جذور ترتبط بالنصاب وعدد الخريجين والملاك وتأخر المسابقات.
مدير التعليم الثانوي – بسام سلوم
يرى “سلوم” أن مدارس الريف حققت نقلات نوعية على مستوى الفرعين الأدبي ولعلمين لكنه يقر أن :«مشكلة الكوادر العلمية أثرت بشكل واضح على مدارسنا».
“سلوم” يحمل المسؤولية لتأخر المسابقات ويقول إنه:«بين آخر مسابقة للتعيين، والمسابقة التي تمت عام 2018 ثمان سنوات، وتأخرها لهذا الحد أدى إلى إخراج عدد من الخريجين خارج دائرة الانتظار إلى السفر أو عمل آخر، وخسرناهم كطاقات نحتاجها لترميم الكادر التدريسي».
المسابقة لم تفِ بحاجة العملية التعليمية حسب “سلوم” الذي تساءل: «لماذا لا تدرس وزارة التربية مشروع تعليم طلاب في الفروع العلمية رياضيات وفيزياء لصالح مديرية التربية على شكل بعثات داخلية؟ لنتمكن بعد سنوات من تغطية النقص، مدارسنا بحاجة وكثير من كوادرنا تقوم بواجبات كبيرة ومرهقة، يمكن تداركها في حال خفض النصاب إلى 16 حصة بدل 19 واشتغلنا على الخارطة الصفية في تقليل عدد الطلاب، وبذلك نتمكن من خلق أجواء أكثر يسراً تخدم الطالب والمعلم».
خاتمة
إن نقص الكوادر القديم والمتجدد حاليا بفعل قرارات الفصل لعدد كبير من هؤلاء المعلمين وسفر نسبة كبيرة إلى جانب قلة الخريجين يدفع عدداً كبيراً من الثانويات للاستعاضة بمدرسين بالوكالة والساعات لتغطية النقص، وهذا حل غير مجدٍ بالنسبة للشهادة الثانوية والاحتياج لمدرس دائم كان خلف طي كثير من الشعب العلمية في عدد من الثانويات بسبب انتقال العدد الأكبر من الطلاب طلباً لمدارس متميزة ، لتبقى مدارس الريف تعاني من نقص لم تعف منه بعض مدارس المدينة في هذه المرحلة لتبقى الحلول أكبر من صلاحيات مديرية التربية المحلية مع الحاجة لقرارات أكثر شمولية تبدأ من قرارات الاستيعاب للجامعات والالتزام بالفروع العلمية أولا ومناقشة الملاكات وتغطيتها بإيفاد داخلي للطلاب لصالح التربية كحل بعيد المدى مع أن الواقع يتطلب الإسعاف.
سناك سوري