إذا كان دخل الموظف 50 ألف ليرة وحاجته الشهرية 325 ألف.. فكيف يتدبر أمره
آخر دراسة رسمية عن تكاليف الأسرة السورية والتي اعترفت فيها الحكومة بأن حاجة الأسرة المؤلفة من أربعة أشخاص شهريا 325 ألف ليرة سورية طرح الكثير من الأسئلة وأهمها ..كيف يعيش المواطن بدخل لا يتجاوز الأربعون ألف ليرة سورية؟
وجاء في تلك الدراسة الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء أن متوسط الإنفاق التقديري للأسرة السورية لعام 2018 بلغ 325 ألف ليرة في حين لا يصل أعلى راتب موظف إلى 100 ألف ليرة ( راتب وزير) فمن أين يعيش السوريون؟ وما هي المعادلة التي بواحد زائدا واحد لا يمكن أن تكون صحيحة..؟
وفي إطار البحث عن حل لتلك المعادلة ” وفك طلاسمها والقائمة على إمكانية تكييف الموظفين الذين يتقاضون راتبا شهريا لا يتعدى الأربعون ألف ليرة سورية مع متطلبات المعيشة وسط اعتراف حكومي بحاجتهم لثمان أضعاف ذلك الدخل.. نقول: أنه وبتحليل معطيات المعادلة إذا استثنينا وجود آجار منزل رغم أن أغلب الموظفين باتوا يعيشون بالايجار بعد الحرب التي تعرضت لها البلد وقسمنا الدخل الشهري (40) ألف ليرة على الثلاثين يوما فسيكون دخل الفرد اليومي 1300 ليرة ستقسم بدورها على ثلاث وجبات ” إفطار _ غداء _ عشاء” وعلى المواصلات والاتصالات وفواتير الماء والكهرباء وتكاليف التعليم والصحة وغيرها..!!..فيما وبحسب الدراسة الحكومية يجب أن يكون الدخل اليومي للمواطن 10 آلاف ليرة ليسد المتطلبات المعيشية فقط.
وإذا اعتبرنا أن الزوجة ضمن الأسرة موظفة أيضا فسيكون الدخل اليومي 1600 ليرة ليبقى بينها وبين النسبة التي أقرتها الدراسة فارقا كبيرا.. وإذا كان الموظف يعمل في وظيفة أخرى وهو الأمر السائد فسيكون دخل الأسرة كاملا (الزوج بعملين ..والزوجة) 120 ألف ليرة أي يبقى الفارق بينه وبين ما أقره مكتب الإحصاء 205 آلاف ليرة سورية.
ورغم كل “النوايا الحسنة” من قبل المعنيين لتقريب معدل إنفاق الأسرة من دخلها إلا أن الارتفاع المرعب للأسعار حال دون تحقيق أي خطوة في هذا الاتجاه وهذا ما يعتبر مؤشرا على ارتفاع نسبة الفقر كما أكد الكثير من الاقتصاديين مؤخرا .
وفي ظل هذا الدخل الذي يتطلب 10 أضعافه لموازاة الحاجات الشهرية للموظف لابد من وجود روافد أخرى للراتب.. وهنا نقول يمكن أن تكون المساعدات التي تأتي من الخارج لكن نسبة الذين تُرسل لهم الحوالات من الخارج قليلة في المجتمع وبالتالي لا يمكن اعتبارها قاعدة.. ويمكن أن نُعزيها للمدخرات حيث اضطر الكثيرون لصرف مدخراتهم خلال الأزمة والتي لابد وأنها خلال 8 سنوات حرب استهلكت عن آخرها.. ليبقى هناك رافدا أخيرا يتمثل بالفساد و الجريمة.
وباعتبار أن الفقر صديق الفساد فأنه سيؤدي إلى انهيار منظومة القيم الأخلاقية لأن الحاجة سيف يسحق الكرامة البشرية وبالتالي هناك علاقات قوية لا يمكن تجاهلها بين الفقر والفساد وزيادة معدل الجرائم والسرقات .
ويبقى أن نقول .. أنه وبحكم وجود علاقة مباشرة بين الفقر والفساد تؤثر على النمو الاقتصادي فيجب التصدي له والتقليل من تداعياته ما أمكن.. فالفقر مُرّ والحاجة الشديدة لرب أسرة أمام نظرات حرمان أطفاله قد تؤدى به إلى الجنون وليس إلى سلك طريق الفساد أو الجريمة.
صاحبة الجلالة