بلاد الشمس والرياح تغرق في الظلمات.. مناجم الذهب المطمورة
“كان يمكن أن تبيع سورية ذهباً إلى أوروبا تستخرجه من مناجمها المنتشرة على مساحات شاسعة في الصحراء والمناطق الجرداء”… بهذه الكلمات وصف أستاذ جامعي أهمية إقامة مشاريع الطاقة الشمسية والريحية في البلاد، فهي مشروعات تعادل قيمة أرباحها أيّ ثروة معدنية نملكها، لكن بلاد الشمس والرياح تغرق في الظلام أحياناً كثيرة مع انقطاعات وأعطال الشبكة الكهربائية اللامتناهية.
وبالمقابل هناك دول عربية صحت من غفوتها وسبقتنا أشواطاً، ففي المغرب مكّن مشروع (نور) في مدينة ورزازات جنوبي البلاد، من توفير 32% من حاجة البلاد من الطاقة، مع العمل على رفع النسبة إلى 42% بحلول العام المقبل، ثم الوصول إلى 52% عام 2030. وقد وفرت الطاقة البديلة على المغرب استهلاك حوالي مليون طن من البترول وخفض حوالي ثلاثة ملايين طن من الانبعاثات الغازية.
أطلس سورية يدعم المشاريع الريحية
وعن موضوع الاستثمار في طاقة الرياح لتوليد الطاقة في سورية، يفيد د. إياد البهنسي (مستشار في مجال الاستثمار الاستراتيجي) بأنه يعود استثمار طاقة الرياح في سورية إلى بداية عقد الخمسينات من القرن الماضي، حيث نقل بعض المغتربين السوريين العائدين من أمريكا الجنوبية تقانة المراوح الريحية الميكانيكية متعددة الشفرات لضخ المياه، وتم تصنيع ما يقارب الـ /4000/ مروحة في ورش صغيرة، وجرى تركيبها في منطقتي حمص والقلمون، وعملت هذه المراوح بنجاح لسنوات عديدة قبل أن يتوقف معظمها عن العمل بسبب ندرة المياه الجوفية.
وأضاف د. البهنسي بأنه تم إعداد خارطة للرياح في سورية لدى وزارة الكهرباء، حيث تم تقسيمها إلى /5/ مناطق ريحية، تبلغ مساحة المنطقة الأولى والتي تتوفر فيها سرعة رياح مجدية تتراوح من /5 m/s/ إلى /11.5 m/s/ حوالي 54000 km2، حيث يمكن اعتبار هذه المساحات كمناطق مرشحة للدراسات التفصيلية اللازمة لاستخدم طاقة الرياح في مجال توليد الكهرباء.
وهذه المناطق كما يعرضها د.البهنسي هي: منطقة الجبال الساحلية وتمتد من إدلب وحتى غربي حماه، وغرب مدينة حمص “شين”، والمنطقة الوسطى التي تمتد من مدينة قطينة وباتجاه الشرق حتى تدمر وإلى غربي دير الزور وشرقي الرقة. والمنطقة المحيطة بالطريق الدولية (حمص – دمشق)، وعلى الرغم من انخفاض معدل سرعة الرياح في هذه المنطقة 5 – 6 m/s على ارتفاع 50 m إلا أنها تمتاز بعدة ميزات هامة: وقوعها بالقرب من الطريق الدولية حمـص – دمـــشــق، بالإضافة إلى وقوعها بالقرب من خط التوتر العالي (سهولة الربط بشبكة جيدة)، ورخص الأراضي واتساعها (أراضي رعوية)، وتعد منطقة جندر من المواقع الواعدة في هذه المنطقة. وكذلك المنطقة الجنوبية الغربية التي تمتد من جنوب مدينة دمشق وحتى مدينة القنيطرة ومرتفعات الجولان، وتمتاز هذه المنطقة بمعدل سرعة رياح أعلى من 5 m/s.، في حين تمتد المنطقة الجنوبية الشرقية من مطار دمشق الدولي حتى سبع بيار والتنف نزولاً إلى أقصى الجنوب (الزلف) على حدود الأردن.
ونوه البهنسي إلى أنه تم إعداد دراسة جدوى اقتصادية فنية لإنشاء مزرعة ريحية في محافظة حمص (موقع السنديانة)، تتألف من عشرة وحدات ريحية باستطاعة /500 kW/ لكل منها أي استطاعة إجمالية /5MW/ بالاشتراك مع مخابر “ريزو” الدنماركية وبالتعاون مع المديرية العامة للأرصاد الجوية.
ويقول د.إياد البهنسي “تم بتمويل من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وبالتعاون مع قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة إعداد دراسة المخطط العام لتنمية، وتطوير استخدامات الطاقات المتجددة في سورية و لغاية عام 2015”. مضيفاً “أقولها وكلي أسى بأن الاستثمار في هذا المجال بقي في مهب الريح في انتظار المستثمر الجاد القادر على إحياء وتنفيذ مشاريع عظيمة ومفيدة كهذه المشاريع”.
بدايات في القنيطرة
يدعو محمد خير درويش (عضو غرفة صناعة وتجارة القنيطرة) إلى استثمار الأراضي غير القابلة للاستصلاح الزراعي، وتجهيزها للطاقة البديلة الريحية أو الشمسية لتغذية الشبكة الكهربائية، فهناك مستثمرون لديهم أموال يرغبون بضخها في مكانها الصحيح لكن على الحكومة أن تحمي المستثمر وتؤمن مناخا مناسبا له، حيث “نخطط حالياً لشراء 300 دونم كبداية في ريف القنيطرة لهذا الغرض”.
من جهته، يذكر يونس علي (مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة في وزارة الكهرباء) بأن التوجه نحو الاستفادة من مصادر الطاقات المتجددة في سورية، ولاسيما في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بدأ منذ عام 2004، حيث أطلقت وزارة الكهرباء مشروع تقييم مصادر الرياح بهدف إنجاز الأطلس الريحي، الخاص بتحديد أهم المناطق الجغرافية التي تمتلك الكمون الواعد من طاقة الرياح، لإقامة مزارع ريحية بهدف إنتاج الكهرباء وقد تضمن المشروع تركيب 17 محطة لرصد سرعات الرياح تم تركيبها في مناطق مختلفة في عدة محافظات، كما تم تسجيل بيانات الرياح في تلك المناطق لمدة سنتين، وبعد ذلك تم تحليل هذه البيانات واستكمال كافة الدراسات الفنية والاقتصادية المتعلقة بذلك، حيث تم الانتهاء في نهاية 2008 من وضع خارطة استثمارية لطاقة الرياح، واستناداً إلى هذه الخارطة أعلن عن أول مشروع لمزرعة ريحية باستطاعة 100 ميغاواط في منطقة السخنة بمحافظة حمص، وكان ذلك خلال عام 2009 وكذلك أعلن عن مشروع آخر في منطقة قطينة بحمص عن مزرعة ريحية باستطاعة 50 ميغاواط وذلك في عام 2010، ولكن مع الأسف، لم يتم إنجاز هذين المشروعين بسبب الأوضاع التي بدأت في سورية مع بداية 2011، حيث امتنعت الشركات الأجنبية التي كان من المفترض أن تقوم بتنفيذهما عن استكمالهما.
ويوضح علي بأن الاستطاعة الإجمالية للمشاريع الكهروضوئية المنفذة من قبل وزارة الكهرباء والجهات التابعة لها، بلغت خلال سنوات الحرب حوالي 3000 كيلوواط معظمها مركب على أسطح بعض المدارس والمباني الحكومية، في حين لم تنجز باقي المشاريع الكبيرة بسبب الأوضاع الراهنة.
صحيفة الايام