الغاز السوري.. والتحالف الروسي الخليجي التركي
علي محمود هاشم
نهاية 2017، أعلنت الحكومة بداية العام الجاري موعداً للشروع باستخراج الغاز من المنحدر القاري السوري وفق خارطة طريق تم رسم ملامحها مع الدول الصديقة.
بطبيعة الحال، سيكون للشركات الروسية، وفي مقدمها «ستروي ترانس غاز» ذات الباع الطويل بمشاريع استخراج ونقل برية حيوية في سورية منذ ما قبل الحرب، دور كبير في عمليات البحر الذي قدرت الهيئة الجيولوجية الأميركية احتياطياته – بشكل ملطّف – عند 700 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
بعد مساهمتها الميدانية في مكافحة الإرهاب على الأرض السورية ونجاحها في تثبيت وقائع «جيوعسكرية» جديدة فككت سلسلة الآمال الغربية باقتطاع ممرات طاقوية جنوب غربي آسيا لتهديد تنافسية مصادرها، نسجت روسيا سلسلة من التحالفات مع أحصنة الغرب في ممالك وإمارات الخليج العربي، ومع تركيا وحتى مصر.
مملكة السعودية التي لطالما غرزها الغرب كـ «خنجر أوبك» في خاصرة منافسيه، الآسيويين، انقلبت من انتحاري دفعه الغرب إلى تفجير نفسه أسفل لوائح أسعار النفط عام 2014 تهديداً للموارد المالية الروسية، إلى حليف إستراتيجي ضمن «أوبك +» نهاية 2016 مهمته الأولى والأخيرة «الحفاظ على أسعار عادلة للنفط»؟!.
التحالف الروسي السعودي تمدد إلى شراكات نُسجت مع «آرامكو»، عقر دار معقل الغرب في الخليج، على شكل مشاريع إستراتيجية في البتروكيماويات وشراكات في تطوير صناعة الغاز واستخراجه من الآبار الروسية.
على المقلب التركي، الشريك الناتوي في تجييش «الدين» خدمة لمصالح الغرب المتعاكسة في آسيا، تحولت تركيا من تهديد عميق للأمن الإستراتيجي الروسي مستضيفة آمال الغرب في تمرير أنابيب «نابوكو» من قزوين نحو أوروبا، كأخطر التهديدات التي واجهها الغاز الروسي مطلع القرن الحالي، إلى عدو أكثر خطراً لتلافي هزيمة الغرب تلك عبر مد أنابيب «نابوكو سوري» الذي كان مقدراً له أن يقطع الصحراء شرقاً قادماً من الخليج باتجاه تركيا فأوروبا.
اليوم، باتت تركيا شريك روسيا بديل «أنبوبيا» لأوكرانيا في استضافة أنابيب غاز «السيل الأزرق» المندفع نحو جنوب أوروبا.
لم يقتصر التحالف الروسي التركي على «حرب الأنابيب»، بل امتد إلى الاستخراج بعد قيام موسكو بوساطة ملحوظة لتبريد حرب الحقول التركية اليونانية في بحر إيجه وشمال قبرص، هذا التحالف مهد لإعلان متوقع عن أول اكتشاف تركي بحري للغاز قريباً.
في مصر أيضاً ثمة شراكات نسجتها الشركات الروسية مع شركاء غربيين لاستخراج الغاز من الحقول الأكبر التي تم اكتشافها في المتوسط حتى الآن.. وفي العراق رسخت روسيا استثمارات كبيرة متدحرجة في قطاع الطاقة تغطي فيما تغطي بناء شبكات أنابيب في إقليم كردستان نحو تركيا.
تخوض روسيا اليوم حروباً وتحالفات على طول القارة الطاقوية شرق المتوسط وعرضها، لكن من غير المرجح أن تشكل تحالفاتها الجديدة مع أعداء الأمس، حجر عثرة أمام مساهمتها في استخراج الغاز البحري السوري رغم ما يشكله من تهديد لمصالح أولئك الحلفاء ممن لا يزالون يصطفون في الرتل الأمامي للحرب الغربية على سورية.
رغم هذه البيئة المعقدة بتجاذباتها، يبقى الأمل معقوداً على بدء الاستخراج، «مطلع العام الجاري» وفقاً للإعلانات السابقة!.
فبغض النظر عن الحاجة السورية الماسة إلى انطلاق عمليات الاستخراج على خلفية التقهقر المرير للتنمية بسبب الحرب والحصار المركز على مصادر الطاقة السورية، وعن دور التأخر في تحييد أحد أهم الأسس الملحة لإعادة الإعمار، فإن المزيد من ذلك التأخر قد يحقق للغرب، عبر رزمة من المصالح التي تكرسها «التحالفات الضاغطة» باضطراد، القدرة على تحطيم ما يمكن وصفه بالنموذج الروسي العالمي الطاقوي كما قد يبقي لذلك الغرب سلسلة من الثغرات على جبهات حرب الطاقة يمكن النفاذ منها مستقبلاً.
سيكون لطبيعة المساعدة التكنولوجية الروسية وعمقها وسرعتها في استخراج الغاز البحري السوري مؤشره على إستراتيجيتها العالمية الجديدة، وعلى إستراتيجيتها الدقيقة في فصل التحالفات وأولوياتها.
سورية.. لم يزل الأمر ضمن مواعيده الممكنة، إذ إن مصر مثلاً، وخلال عام واحد فقط تحولت من أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم العربي وشرق المتوسط، إلى مصدّر محتمل هذا العام، جرى الأمر بمساعدة من حلفائها الغربيين، وبطبيعة الحال، فالتكنولوجيا الاستخراجية الروسية لا تقل ديناميكية، ويمكن لها أن تدعم القفزة الاستخراجية في سورية بسرعة موازية.
الوطن