الجولان .. ومواجهة طمس الهوية
عبير بسام
منذ بداية الحرب على سوريا بدأت قضية الجولان المحتل تأخذ منعطفاً هاماً مرتبطاً بمشروع أميركي قائم في المنطقة. ومنذ أن اقتحم شباب وشابات سوريا، في العام 2011، الشريط الشائك الذي يفصل المنطقة المحتلة في الجولان عن سوريا، و”اسرائيل” تعلم أن قواعد اشتباك جديدة تفرض في الجولان، وقد ابتدأ ذلك بإعلان الرئيس السوري بشار الأسد أن الجولان أرض عربية سورية، وإن لم يتم تحرير كامل الأراضي السورية بالمفاوضات، فسيتم ذلك بالمقاومة، وقد أعلن فعلياً عن بدء تشكيل فصائلها في الجولان.
في الحقيقة، لم تتوقف المقاومة في الجولان منذ احتلاله في العام 1967، وإن كثرت التلميحات: أن حالة من الأمر الراهن تسود الجبهة فيه، فهذا الكلام غير دقيق. ولكن قضية الجولان كانت وبكل بساطة بعيدة عن كاميرات الإعلام. وقد نشرت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا” أسماء أسيرات من الجولان من العام 1967 حتى العام 2015. قد يعتبر الرقم خجولاً بالنسبة لعدد الأسيرات الفلسطينيات في الأراضي المحتلة، ولكن وجود 77 أسيرة من أربع قرى محتلة يبلغ عدد سكانها من العرب السوريين 20 ألفاً فقط ليس بالأمر الهين. وفي الجولان أسماء معروفة منذ العام 1967 والتي لم تتوقف عن النضال حتى موتها مثل أحمد قضماني الذي قضى فترات متقطعة وطويلة في سجون الإحتلال وحين تجاوز الستين بدأ النضال بالقلم وبتأمين البعثات التعليمية لطلاب الجولان حتى وفاته في هذا العام. وهناك أسماء مثل صدقي سليمان المقت الذي خرج من سجون الإحتلال في العام 2014 بعد أن قضى فيها 27 عاماً ليعود فيدخلها في العام 2017.
ويعتبر اعتراف رئيس وزارء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكثر من مرة، ومؤخراً في الشهر الماضي شباط/ فبراير، بأن بلاده تقوم بتنفيذ ضربات ضد سوريا، دليلا على القلق من الوضع القائم، فالكيان الاسرائيلي لم يعتد الإعتراف بتجاوزاتها عبر الحدود. لكن يبدو أن هذه الإعترافات لها سببان أساسيان، الأول يتعلق بالإنتخابات الإسرائيلية المقبلة. والثاني يتعلق، حسب إدعاءاته، بالقيام بعمليات ضد ترسيخ الوجود الإيراني في الجولان وفي سوريا. كما أن الصحافة العبرية تحدثت فعلياً عن هدف ضربات شباط/ فبراير الماضي في توجيه رسالة إلى كل من سوريا وإيران وحزب الله. ويبدو أن المنطقة العازلة ما بين الأراضي السورية والجولان المحتل تشهد تصعيداً.
هذا التصعيد يأتي متلازماً مع عدد من التحركات الشعبية والدبلوماسية. فهو يأتي بعد تحركات لأبناء الجولان في كانون الأول/ ديسمبر نهاية العام الماضي، اذ اجتمع المزارعون في قرية مسعدة من أجل التنسيق لمواجهة مشروع التوربينات الهوائية، وقد حاولت السلطات العبرية استمالة المزارعين من خلال استئجار أراضيهم لبناء مشروع التوربينات عليها. يشكل المشروع خطورة كبيرة على أهالي خمس مناطق في الجولان، وهي ذات تأثير هدام على صحة الأهالي وسلامة زراعتهم، أي أن المشروع يهدف إلى تهجير أهالي خمس قرى في الجولان.
وقبل ذلك في شهر تشرين الأول/ اكتوبر من العام الماضي شهد الجولان إضراباً عاماً ضد الإعتداء على الأهالي بسبب رفضهم لما يسمى بـ “انتخابات المجالس المحلية”. والتي تشكل خطوة خطيرة باتجاه تهويد الجولان. وبالطبع لم توفر القوات العبرية إطلاق الرصاص الحي والقنابل الدخانية على المتظاهرين، مما أدى إلى حدوث حالات اختناق بين المتظاهرين.
ومنذ التحرك الذي شهدته المنطقة في العام 2011 حيث اقتحم أهالي القنيطرة الشريط الشائك وانتشر الشبان والشابات في مختلف القرى والمناطق في الجولان ووصل بعض الشباب إلى القرى والمدن الفلسطينية القريبة من الجولان المحتل. التحرك الذي تزامن مع ذكرى نكسة العام 1967 أدى إلى سقوط 23 شهيداً و600 جريح على حدود الجولان، وبأجسادهم أثبت المقتحمون خلو المنطقة من الألغام. ويبدو أن مشكلة أخرى لـ”إسرائيل” مثلتها الإحتجاجات المتضامنة مع الجولان، التي شهدها الأردن في بلدة الكرامة المحاذية للحدود الأردنية الفلسطينية، حيث انتشرت قوات الأمن والدرك الأردني ومنعت المتظاهرين من العبور. هذه التحركات لم تقلق العدو الاسرائيلي فقط، بل أقلقت الولايات المتحدة بحسب تصريحاتها آنذاك.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد شهدت سوريا تحركاً هاماً في الأمم المتحدة على خلفية محاولات الكيان العبري ضم الجولان نهائياً واعتباره جزءًا من أراضي “اسرائيل”. فجددت الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبتها للكيان في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الإنسحاب من كامل أراضي الجولان المحتل إلى أراضي خط الرابع من حزيران. وأعادت اعتماد قرارها المعنون بـ “الجولان المحتل”. وأدانت الجمعية عدم امتثال “اسرائيل” لقرار مجلس الأمن 497، وعادت فأكدت أن فرض “اسرائيل” قوانينها واحتلالها للجولان هو قرار باطل وليس له أي شرعية وطالبتها بإلغائه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى شهدت الجمعية مشادة كلامية بين بشار الجعفري مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة وداني دانون ممثل الكيان الصهيوني حول مستقبل الجولان. بعد تصريح دانون أنه يجب على العالم أن يفهم أن “اسرائيل” لن تنسحب من الجولان، عاد الجعفري وأوضح من المحفل الدولي أن سوريا سوف تستعيد الأراضي التي احتلتها “اسرائيل”، وقال فيه مؤكداً: إن الكيان لم يفهم الرسالة السياسية في إعادة التصويت لتأكيد القرار الدولي 497. وجزم الجعفري أن “اسرائيل” ستنسحب من الجولان “سواء شاءت أم أبت”. كما صرح بأنه “سنستعيد الجولان سلماً أو حرباً”، في حال عدم انصياع “اسرائيل” بإعادة الأراضي بالطرق السلمية.
كما أعاد القائم بالأعمال بالنيابة لوفد سوريا، منذر منذر، مطالبة سوريا الأمم المتحدة باتخاذ الإجراءات الفورية من أجل تطبيق القرارات الدولية التي تفرض تحرير الأراضي المحتلة في العام 1967، وأكد أن تحديد خط الرابع من حزيران كحدود للدولة السورية لن يسقط بالتقادم وعلى “اسرائيل” ومستوطنيها المغادرة إما عاجلاً أو آجلاً. وهذا يتزامن مع ما كشفه مدير مكتب شؤون الجولان في رئاسة مجلس الوزراء السوري حول دخول روسيا على خط إعادة المفاوضات من أجل تحرير الجولان وإعادته إلى أصحابه، وذلك وفق القرارات الدولية 242 و497، القرارات التي أعيد تبنيها في الجمعية العامة في نهاية العام الماضي، والتي أكدت السيادة السورية على الجولان بإجماع 151 دولة وامتناع 14 عن التصويت، واعتراض كل من “اسرائيل” والولايات المتحدة.
على صعيد الدبلوماسية العربية، أصدر اتحاد البرلمانات العربية قراراً في بداية هذا العام يعلن فيه أن الجولان هو أرض عربية سورية محتلة. كما أدان البرلمان تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بالطلب من الإدارة الأميركية وبشكل علني الإعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد رفض اتحاد البرلمانات العربية مشروع القرار الذي تقدم به كل من السيناتور تيد كروز والسيناتور توم كوتن في نهاية العام 2018 لمجلس الشيوخ الأميركي من أجل الإعتراف بسيادة “اسرائيل” على الجولان.
يبدو أن التصريحات الأميركية هي مقدمة ليس فقط من أجل طمس هوية الجولان من خلال طمس هويته العربية عبر إنتخابات المجالس المحلية التي حاولت “اسرائيل” فرضها، ولكن من أجل ضم الجولان إلى “صفقة القرن” التي تحاول كل من “اسرائيل” والولايات المتحدة إمرارها قبل نهاية ولاية ترامب الأولى وبعد الإنتخابات الإسرائيلية التشريعية في 9 نيسان/ ابريل القادم. وقد نُقل ذلك عن موقع القناة “الحرة” الأميركية في تصريح للممثل الأميركي الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط، جايسون غرينبلات، الذي يعمل عن قرب مع جاريد كوشنير صهر الرئيس الأميركي وديفيد فريدمان السفير الأميركي في “إسرائيل”. ويبدو أن غرينبلات لا يعتبر أن “خطة السلام” موضوعة في العلن حتى اليوم وإذا ما وضعت فستوضع إلى جانب الولايات المتحدة برعاية كل من الأمم المتحدة وروسيا والإتحاد الأوروبي. ويبدو أن أهل الجولان والحكومة السورية على حد سواء باتوا يستشعرون حجم الخطر المحدق بقضية الجولان، وبناءً عليه جاءت التحركات الدبلوماسية المكثفة. فصفقة القرن لن توفر أحداً من الطرد من أرضه.
العهد