يهرّبون بذورها عبر الحدود السوريةالى أمريكا.. ما سر عشق الأمريكيين للفليفلة الحلبية؟
في بداية الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ سبع سنوات، انخفضت الواردات الأمريكية من الفليفلة الحلبية المطحونة والمجففة بشكلٍ كبير.
وتسببت الحرب التي قضت على الأرواح ومصادر الرزق، في تدمير المدينة التي تتاجر في التوابل.
وكانت الفليفلة الحلبية جزءاً من المحاصيل التي أصابها الدمار داخل المدينة وحولها بقيمة 550 مليون دولار أمريكي في العام الواحد بين 2011 و2016، وفقاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وتأتي هذه الخسائر في المحاصيل على رأس الحظر الذي فرضته وزارة الخارجية الأمريكية على الواردات السورية المباشرة منذ عام 2011.
وحدث نتيجةً لذلك نقص في الفليفلة الحلبية داخل الولايات المتحدة.
في الوقت الذي اكتسبت فيه الفليفلة المطحونة الحلوة-المالحة وشبه الحريفة شعبيةً بين الطهاة والمطاعم ومؤلفي كتب الطبخ وتجار التوابل الأمريكيين.
المحظوظون فقط.. يعرفون الفليفلة الحلبية لذيذة
يقول لوار ليف سيركارز لـ The New York Times، مالك La Boîte، وهو صاحب متجر توابل أشبه بالصيدلية ويقع على الجانب الغربي لمانهاتن: «المحظوظون بمعرفة الفليفلة الحلبية من سوريا بيننا يعلمون جيداً كم هو لذيذ ويمنح الطعام مذاقاً ورائحةً رائعة».
وتقول مارلين مطر، مؤلفة كتاب The Aleppo Cookbook، إن طعم الفلفل المميز يعود في الأصل لطريقة تحضيره.
وكتبت مارلين في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني من منزلها في بيروت بلبنان، واصفةً لنا إحدى الطرق التقليدية لإنتاج التوابل.
«تحضير الفليفلة الحلبية عمليةٌ طويلةٌ. لا يُغسَل، بل يُنظَّف بقطعٍ من القماش الأبيض، قبل قطعه طولياً من جانبٍ واحدٍ فقط لإزالة البذور. ثم يُترك الفلفل على السطح ليجف في الشمس».
يجتمع أفراد الأسرة والجيران لتحضيره
وفي الوقت الذي تعتمد فيه شركات الأغذية السورية الكبرى، مثل Durra، على بضعة آلافٍ من الأسر لإنتاج وبيع الفلفل الحلبي، فإن تحضير التوابل يُعتبر مسألةً صغيرة النطاق بالمقارنة، إذ يجتمع أفراد الأسرة والجيران لتحضير الفليفلة.
بعد تجفيفها جزئياً، يُقطَّع الفلفل الطبيعي الزيتي ويُطحَن جيداً قبل خلطه بقليلٍ من الملح وزيت الزيتون، ثم يُترَك ليجف تماماً.
وينتج عن هذه العملية فتاتٌ مالحٌ بعض الشيء بلونٍ أحمر ياقوتي ويحافظ على مذاقه عند التجميد بفضل الزيت.
ويتميز بأنه سوريٌّ للغاية كما كتبت مارلين.
وأضافت: «باللغة الدارجة، يُطلق على الفليفلة الحلبية اسم (بلدي)، وهي تعني أنه ينتمي إلى وطني».
وحالياً، يسعى سيركارز وغيره من مستوردي وباعة التوابل لإيجاد طرقٍ جديدةٍ تُعيد الفليفلة الحلبية الأصلية إلى الأسواق.
ويحصل عليه البعض عن طريق علاقاتٍ سوريةٍ من طرفٍ ثالث.
ويحصل عليه آخرون من موردين في جنوب تركيا يزرعون الفليفلة باستخدام البذور المتوفرة في بنوك البذور أو عن طريق اللاجئين النازحين الذين يحملون البذور المطلوبة عبر الحدود.
لم يتذوقوها منذ الحرب
ويضيف نضال حاج عمر، المالك السوري الأصل لمطعم Aleppo’s Kitchen الذي تُديره العائلة في آناهايم بكاليفورنيا: «اعتدت الحصول على الكثير من الفليفلة من سوريا، لكن الأمر توقف مع بداية الحرب».
ورغم عدم تمكنه من الحصول على الفليفلة الحلبية السورية الأصلية حتى الآن، ما زال حاج عمر على اتصالٍ بوالدي زوجته اللذين يعيشان ويتسوقان في الخالدية، شمال غربي حلب، حيث ما زال باستطاعتهم شراء ما يكفي من الفليفلة الطازجة لتحضير مخزونهم الخاص من التوابل.
ويتجنب بعض المزارعين وبائعو الأغذية الأميركيون تحديات استيراد الفلفل الحلبي عموماً بإنتاجه محلياً، داخل المشاتل التجارية في فرجينيا على سهول الغرب الأوسط، وفي جنوب كاليفورنيا المشمس.
ويقول تشاد لوكوك، مالك
Race City Sauce Works
في تشارلوت بولاية كارولاينا الشمالية: «أحب طبيعية الفليفلة الممزوجة بأصلها الحلو، والتي تمنحها نكهةً أشبه بالطماطم إلى حد ما».
في عام 2013، قدم لوكوك صلصلةً تُشبه التشاتني أطلق عليها اسم «شطة حلب المحمرة والحريفة».
وهي عبارة عن خليط نصف حريف من الشطة والثوم الطازج والفليفلة الحلبية المطحونة والمجففة الذي يتم تحضيره بالنبيذ الأحمر في تركيا واليونان.
بالإضافة للفلفل الحلبي المحمر الذي يشتريه محلياً.
وتختلف هذه الاستخدامات عن دور التوابل التقليدي في المطبخ الشامي، حيث تستعمل الفليفلة الحلبية عادةً كلمسةٍ نهائيةٍ على أطباق الحمص وأسياخ الكباب المشوية أو ممزوجاً بالفلفل الأحمر في المحمرة.
وفي السنوات الأخيرة، ساهمت تعددية الاستخدامات الفطرية للفليفلة الحلبية في زيادة شعبيته بين الطهاة.
ويُضيف إيريك ريبيرت، الطاهي ومالك مطعم Le Bernardin في مانهاتن: «للفليفلة الحلبية حارة بالطبع، لكنها أيضاً حامضية وفاكهية بعض الشيء مع لمسةٍ من الطعم الحلو.
وهو ما يجعلها مناسبة للصلصة ورائعة جداً في الأسماك المتبلة وتحضير الأسماك النيئة».
والنكهة الفريدة للفلفيلة الحلبية تُميِّزها عن أقاربها في عائلة التوابل الحريفة التي تحمل أسامي المدن المنتجة للفلفيلة على الحدود السورية جنوبي تركيا.
مثل: أورفة ومرعش وعنتاب، حيث يعيش العديد من اللاجئين السوريين.
تعتبر فليفلة عنتاب الأقرب في النكهة، لكنها تفتقد لحرارة حلب اللطيفة
وساهمت كثافة فليفلة مرعش المدخنة وجفاف نكهة فليفلة أورفة الأرجوانية الغامقة (التي تشبه التبغ كما يصفه البعض) ذات اللسعة الأكثر حدة، في جعلها بدائلاً مثيرةً للاهتمام، لكن ليس بما يكفي لتحل محل الفليفلة الحلبية.
واستغرق بيتر بهلوانيان، مالك
Spice Station
في حي سيلفر ليك بلوس أنجلوس، عدة سنواتٍ في البحث عن موردٍ موثوقٍ بعد بداية الصراع السوري.
وأضاف أن الباعة يأتون إلى متجره ليحاولوا بيع توابلهم المزروعة على أنها فلفلٌ حلبيٌّ أصلي.
لكن هذا لم يكن ليخدع تاجر التوابل الذي نشأ في منزلٍ يضم جدتين من أرمينيا تقومان بالطهي، الذي اشتمل على جرعاتٍ كبيرةٍ من الفلفل الحلبي الموجود في حقيبةٍ داخل الخزانة.
وأضاف بهلوانيان.
الذي وجد مؤخراً في عام 2014 مصدراً سورياً للفلفل الحلبي الأصلي الذي يُزرع ويُحضَّر في حلب والمزارع المحيطة بها:
«عندما ازدهرت الحرب وارتفع الطلب، انتشر الفلفل الحلبي المزيف أو الفلفل على (الطراز الحلبي)».
ويشتري مصدره -الذي فضل عدم ذكر اسمه- الفلفل المطحون داخل أكياسٍ تزن 10-50 رطل (4-22 كيلوغراماً) مباشرة من المزارعين قبل أن يشحنها إلى خارج لبنان.
وواجه رون صهادي، مالك سوق الطعام الشرق أوسطي المهيب Sahadi’s في بروكلين، صعوبةً في الحصول على الفلفل الحلبي خلال السنوات الأولى للحرب.
وهو يفعل الآن مثل سيركارز، يحصل على الفلفل من تركيا، حيث يجري تحضيره من نباتات تمت زراعته باستخدام البذور السورية العظيمة.
ويقول صهادي: «إنها فليفلة حلبية، لها نفس المذاق والكثافة».
حاول سكان الولايات المتحدة إنتاجها محلياً.. لكن!
واتجه بائعو الطعام الآخرون، مثل لوكوك، إلى شراء وإنتاج الصنف محلياً.
ويشتري الشيف جيريميا لانغورن، من مطعم Dabney في واشنطن، الفلفل الحلبي الطازج من الصوبات الزراعية في فيرجينيا، قبل أن يُجففه ويطحنه بنفسه.
وفي ليكسايد بكاليفورنيا، يقوم جيمس دافي من متجر Refining Fire Chiles بزراعة وبيع الفلفل الحلبي منذ عام 2012 من بذورٍ حصل عليها بطريقةٍ ملتوية -بستاني إيطالي حصل عليها من بنك بذور وزارة الزراعة الأميركية.
وتُعتبر رحلة الفلفل الحلبي إلى نصف الكرة الغربي أشبه بعودةٍ إلى الجذور.
نشأت التوابل في أميركا الجنوبية وكانت جزءاً من محاصيل العالم الجديد، مثل البطاطس والطماطم، التي قدمها كريستوفر كولومبوس
وغيره من المستكشفين الأوائل إلى أوروبا في القرن الخامس عشر.
وانتشرت بعدها التوابل في أوروبا لتصل إلى سوريا وتركيا، التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية وقتها.
ولأن التوابل تمتلك ما يصفه الفرنسيون بالحضور النموذجي -للنكهات المتصلة ببيئتها المحيطة-.
فإن الفليفلة الحلبية المزروعة في الولايات المتحدة لابد أن يختلف مذاقها عن تلك المزروعة في سوريا أو جنوبي تركيا، كما أفاد بول بوزلاند، مدير Chile Pepper Institute في جامعة نيوميكسيكو الحكومية.
أدخلوا عليها تعديلات ومزجوها مع مكونات أخرى
ومع ذلك، نجح تيموثي بادر، من شركة Volcanic Peppers في ضاحية بيليفيو بأوماها، في زراعتها على فدانين من الأرض هناك منذ عام 2013، قبل أن يقوم بتجفيفها وتحضيرها بنفسه لتتحول إلى «رذاذ الفلفل الحلبي».
التي تعتبر أكثر نعومةً من بهار الفلفل الحلبي التقليدي.
ويُضيف بادر أن أحد أكثر منتجات شركته مبيعاً هو «صلصة الفلفل الحلبي»، وهي صلصلةٌ حارة نصف حريفة ممزوجةٌ بالفلفل الأسود والبصل الطازج والثوم والليمون.
ونظراً لأنه لم يسمع بالفلفل الحلبي قبل أن يُقدمه له دافي، شعر بادر أنه غير مقيدٍ بميثاقٍ معين أثناء اختراع صلصة الكاري الحارة الخاصة به.
وهي مزيجٌ من فلفل آجي بانكا (البيروفي) الأصفر الناري المدخن والمخلوط بنسبةٍ قليلةٍ من الفلفل الحلبي.
ورغم هذه التجارب والتعديلات من جانب طهاة وهواة الفليفلة الحلبية، ظل هذا البهار مُحافظاً على مكانته السورية والحلبية الأصيلة.
وبالنسبة لمدينةٍ تمتلك تراثاً غنياً في الطهي وتقع على ما كان يُطلق عليه سابقاً (طريق الحرير)، يظل هذا البهار المحلي مصدراً للفخر.
ويضيف حاج عمر في الختام، قائلاً: «ربما يستخدمونه في كافة أرجاء سوريا، مثل دمشق وغيرها من الأماكن. لكنه لا يُصنع سوى في حلب».
عربي بوست