ضفّة الفرات الشرقية: «داعش لا يزال هنا»
أيهم مرعي
رغم خروج «داعش» من بلدات وادي الفرات لحساب «قوات سوريا الديموقراطية»، لا يزال الوضع الأمني في تلك البلدات في أسوأ حالاته، فيما ينذر استمرار هجمات التنظيم بأن الخطر لم ينته بعد
ريف دير الزور | لا تشبه الرحلة إلى ريف دير الزور الشرقي الخاضع لسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» الذهاب إلى أي مكانٍ آخر في الشرق السوري، وأقلّ ما يقال عنها إنها محفوفة بالمخاطر. كلّ المشاهد والروايات هناك تكشف حالة الفوضى السائدة بعد سنوات من حكم «داعش». لا يخفى تأثر قسم من السكان بالتنظيم، سواء من الناحية الفكرية أو الشكلية، إذ تلتزم غالبية النساء بارتداء النقاب والزي الذي فرضه «داعش»، وهو أمر ينطبق على الرجال أيضاً، الذين أطلق معظمهم لحاهم وارتدوا «الكلابيات» القصيرة.
انتشار حواجز «قوات سوريا الديموقراطية» ونقاطها على امتداد ريف الدير الشرقي لا يكفي لطمأنة السكان، خاصّة مع تعرض هذه المواقع لهجمات أمنية على نحو شبه يومي. ويتحدّث سكان البلدات القريبة من هجين على ضفة الفرات عن عدة حوادث شهدها شهر آذار/ مارس الجاري، بينها تفجير استهدف باص نقلٍ لعمال مدنيين في حقل العمر، وسط بلدة الشحيل، وقضى فيه قرابة 20 شخصاً. كذلك، استهدفت سيارة مفخخة وحدة من «قسد» في ذيبان، ونُسف مخفر أبو حردوب بالعبوات الناسفة. وإلى جانب هجمات خلايا «داعش» المتكررة، تحضر عبارات التهديد والوعيد على جدران تلك البلدات، وتركّز في معظمها على أن التنظيم سيعود قريباً لفرض حكمه من جديد.
تعكس هذه الأجواء المتوترة خوف أهل هذا الريف من «عودة داعش» في أي لحظة. ورغم إدراك قيادة «قسد» خطورة الوضع في كامل ريف دير الزور الخاضع لسيطرتها، فإنها لم تتخذ أي إجراءات واسعة تستهدف كشف خلايا التنظيم واعتقالها. الحجة الحاضرة لعدم التحرّك هي، وفق مصدر في «قسد»، انشغال القوات بالمعارك في مزارع الباغوز، وسط وعود بتكثيف الجهد الأمني خلال وقت قريب.
تكاد تنعدم حركة الانتقال بين بلدات وادي الفرات ليلاً
في رحلة الانتقال بين أرياف دير الزور، ليس من السهل الحديث إلى المدنيين، خاصّة لمن يعرّفون أنفسهم كصحافيين. البعض يتهرب من الحديث، وآخرون ينبّهون إلى خطورة العمل، فيما تعبر في الخلفية سيارات مسرعة تقلّ عسكريين في «قسد». ومن بعيد، يأتي صوت مذكّراً: «انتبهوا… حتى السيارات العسكرية تمضي مسرعة خشية الألغام والعبوات الناسفة». ورغم الصمت السائد رداً على معظم الأسئلة، يلخّص أحد أهالي المنطقة، بلهجته المحكية، الواقع: «تريد الصحيح. الوضع مو زين، ومابي أمان»، ليأتي تعقيب من آخر: «الأسبوع الماضي هجموا على محلّ لبيع الدخان في البصيرة بالعصي، وكسّروا كل شي فيه بالكامل. داعش لا يزال هنا».
«لا أمان»
السير من الشحيل باتجاه بلدة ذيبان يدفعك إلى الحذر والأخذ بنصائح أهل المنطقة. ويتيح تعطّل الآلية التي نستقلّها، والوقت اللازم للصيانة، إجراء دردشة سريعة. يقول خالد ابن البلدة: «أنام كل يوم وسلاحي تحت رأسي، الناس هنا تخشى التشليح، والسرقة انتشرت بشكل كبير». ويضيف أن «لا أحد يستطيع أن يصرّح عمّا لديه من مال. منذ أيام قتلوا الصائغ الوحيد الذي كان يعمل في المنطقة، وأخذوا ماله». النشاط التجاري في بعض بلدات الريف الشرقي يستمرّ حتى ساعات المساء الأولى، فيما تكاد تنعدم حركة الانتقال بين بلدة وأخرى بعد الثامنة مساءً. ومن على دراجته النارية، وبشعره الطويل الذي كان سمة لشباب تلك المنطقة حتى اندلاع الحرب الأخيرة، يؤكد محمد أن «الانتقال بين بلدة وأخرى ليلاً مخيف، ولا أحد يتجرأ على فعل ذلك إلا المضطرون». ويبرر ذلك بـ«قلة الأمان، وانتشار اللصوص وقطاع الطرق، بالإضافة إلى الحوادث الأمنية».
ريف الحسكة الجنوبي يشهد اضطرابات أمنية أقل من ريف دير الزور المجاور، ومنها حادثة استهداف رتل يتبع «التحالف الدولي» مطلع العام الحالي، بالإضافة إلى تفجيرات متفرقة استهدفت دوريات لـ«قسد». ولكن ذلك لم يمنع حدوث حالات اختطاف استهدفت عسكريين ومدنيين يعملون مع «قسد» في المنطقة، من بينها اختطاف رئيس «مجلس بلدة عجاجة المحلي» التابع لـ«مجلس سوريا الديموقراطية»، في بلدة العطالة ثم قتله. كما تحضر منشورات على الطرقات والجدران في بعض البلدات، تتوعد كل من يعمل مع «قسد» أو الحكومة السورية بالقتل، وتلوّح بـ«اقتراب عودة الخلافة».
الأخبار