مركز أبحاث الأمن القوميّ: موسكو نصبت فخًّا لتل أبيب بسوريّة
زهير أندراوس:
بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من زيارة رئيس الوزراء لموسكو، لم يحصل الجمهور الإسرائيليّ بعد على معلوماتٍ مؤكّدةٍ حول أهّم القضايا في العلاقات مع روسيا فيما يتعلق بسوريّة والوجود الإيرانيّ في أراضيها: هل هناك تغيير في آلية “منع الاحتكاك” بين إسرائيل وروسيا؟
هل نجح رئيس الوزراء في إقناع بوتين بعدم نقل بطاريات الصواريخ من طراز إس300 التي وضعت تحت السيطرة السوريّة؟
هل تخفيض الهجمات الإسرائيليّة على سوريّة ناتج عن وقف جهود التوحيد الإيرانيّة أمْ نتيجةً لمطلبٍ روسيٍّ؟
ما معنى المبادرة بتشكيل لجنةٍ مشتركةٍ مع إسرائيل لإزالة “القوات الأجنبيّة” من سوريّة؟
هذه الأسئلة طرحها الجنرال احتياط، عاموس يدلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة سابقًا، في دراسةٍ جديدةٍ أصدرها مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، والذي يترأسّه يدلين.
وأضاف إنّه في الاجتماع العاشر بين نتنياهو وبوتن في الـ27 من شباط (فبراير) الفائِت توصّل الجانبان إلى تفاهمٍ حول قضيتين رئيسيتين: تسوية الأزمة الثنائية بين إسرائيل وروسيا، واستئناف المحادثات بين الطرفين، والتي تعمل حاليًا على بناء مسألة وجود قواتٍ أجنبيّةٍ في سوريّة، خاصّةً الإيرانيّة.
وشدّدّ على أنّه يجب الأخذ في عين الاعتبار وجود معارضة لتحسين العلاقات مع إسرائيل من جانب المؤسسة الأمنيّة الروسيّة، التي تتبنّى لغةً مختلفةً وأكثر عدائيّةً تجّاه إسرائيل من الرئيس بوتين، لافتًا إلى أنّه من المهم التأكيد على أنّ روسيا لا ترى نفسها كقوّةٍ أجنبيّةٍ في سوريّة.
وأشار الجنرال يدلين إلى أنّه في حالة عدم وجود معلوماتٍ داعمةٍ حول شكل اللجنة المشتركة المقترحة، يمكن النظر في بديلين لشرح دوافع روسيا لتأسيسها، أحدهما هو أنّ تغيير الاتجاه في الموقف الروسيّ يبدو أنّه يرجع إلى استنفاد التورط في سوريّة، وينعكس ذلك في البعد عن إيران، والثاني هو استمرار مصالح روسيا في سوريّة، وهو ما يعني سيناريو خطير بالنسبة لإسرائيل.
ورأى أنّ روسيا تأمل في أنْ يكون لعملية التعاون الإقليميّ، إلى جانب النشاط المشترك مع إسرائيل بشأن قضية الوجود الإيرانيّ في سوريّة، تأثير إيجابيّ على العلاقات الروسيّة الأمريكيّة وستسمح بتجدد الحوار بين البلدين، أمّا التفسير الثاني، فيقول إنّ الاقتراح الروسيّ هو بمثابة فخٍّ يُهدّد إسرائيل، إذْ أنّ لا تحاول الاقتراب من إسرائيل، بل لتعزيز المصالح الروسية في سوريّة، خاصّةً الاستقرار وإعادة الإعمار، على حساب إسرائيل، دون أيّ نيّةٍ لإبعاد القوات الإيرانيّة من سوريّة.
وتابع: يتماشى هذا التفسير مع التقييمات الأمريكيّة والإسرائيليّة لعجز روسيا ورغبتها في إبعاد القوات الإيرانيّة عن سوريّة، ولا حتى عن تلبية الاستنتاجات الواضحة بشأن إزالتها من الحدود مع إسرائيل، إذْ أنّه لدى روسيا مصالح مشتركة أساسيّة مع إيران، وفي المقام الأول تقوية الرئيس الأسد وإخراج أمريكا من سوريّة، ومن المنطقيّ الافتراض أنّ هذه المصالح صحيحة، وبالتالي تسعى روسيا إلى الحدّ من نشاط إسرائيل في سوريّة، وبهذا المعنى، من الممكن أنْ تستخدِم روسيا الحوار المتجدد مع إسرائيل لتهدئة وتقييد أنشطتها بدعمٍ من الوعود وربمّا حتى التهديدات.
ولفت يدلين إلى أنّه يبدو أنّ تورّط روسيا في سوريّة قد استنفد إمكاناتها كطريق للحوار مع الغرب في محاولة لتخفيف الضغط الذي تمارسه روسيا على الساحة الدوليّة.
في الختام، بعد مرور أكثر من أسبوعين على زيارة نتنياهو لموسكو، لم يحصل الجمهور الإسرائيليّ بعد على معلومات موثوقة حول أهّم أربع قضايا في العلاقات مع روسيا في السياق السوريّ وفي سياق وجود إيران: هل هناك تغيير في آلية “منع الاحتكاك” بين روسيا وإسرائيل بعد تحطّم الطائرة الروسيّة والحرب الأهليّة السورية؟
هل نجح نتنياهو في إقناع بوتين بعدم نقل بطاريات إس300 للسيطرة السورية؟
هل الحدّ من الهجمات الإسرائيليّة في سوريّة هو نتيجة لوقف الجهود الإيرانيّة لإثبات وجودها في أراضي هذا البلد أوْ الطلب الروسيّ؟
وأخيرًا، ماذا يعني تشكيل لجنةٍ مُشتركةٍ مع إسرائيل لإزالة “القوات الأجنبيّة” من سوريّة؟ هل إزالة القوات الإيرانيّة في قلب النقاش، أمْ أنّها قضايا أخرى؟.
وقال يدلين: إذا تعاملت اللجنة مع مسألة إزالة القوات الإيرانيّة من سوريّة، فستكون هذه خطوة بعيدة المدى تعكس انسحاب روسيا من حليفتها الرئيسية في سوريّة، الأمر الذي قد يكون له انعكاسات إيجابية للغاية على إسرائيل على الساحة السوريّة والإقليميّة.
ومع ذلك، قد تكون مبادرة اللجنة بمثابة منفذٍ بيروقراطيٍّ دبلوماسيٍّ لروسيا بسبب عدم القدرة أوْ عدم الرغبة في إبعاد إيران عن سوريّة، الأمر الذي من شأنه جرّ إسرائيل إلى حالةٍ من النقاش المتجدد حول قضية مرتفعات الجولان كشرطٍ لانسحاب القوات الإيرانيّة، لذا، من المُهّم أنْ تُوضِح إسرائيل الآلية التي تمّ الاتفاق عليها مع روسيا وشروطها في الاجتماع الأخير بين نتنياهو وبوتين، كما أكّدت الدراسة.
رأي اليوم