متطلبات لنضوج طبخة الحل السوري
سامر ضاحي
رغم كل ما قيل ويقال فما زال الشعب السوري منتصراً مع استمراره بمقاومة التقسيم بيده اليسرى ممسكاً بندقيته باليد اليمنى لضرب الإرهاب.
لكن هذا الانتصار يتم بعوامل ذاتية ولا يخلو أيضاً من الانتصار على الظروف الصعبة التي مر بها هذا الشعب، فرغم المقولة الاقتصادية الشائعة «الشعوب تزحف على بطونها» فقد زحف هذا الشعب متحملاً الجوع والحصار والحرب واستطاع العبور، حتى اليوم، من عنق الزجاجة، معتمداً على إمكاناته قبل أي شيء، ومتمسكاً بثوابت توارثها من التاريخ السوري من دون أن يحيد عنها.
لا نتحدث هنا عن التقسيمات المصطنعة التي فرضتها الحرب، موالي معارض، داخل وخارج، إنما يمكن الحديث عن عموم الشعب السوري، أما البعض الذي يدعي تمثيلاً لم ينله في صناديق الاقتراع، أو تفويضاً حصل عليه على متن دبابة تركية أو إسرائيلية أو أميركية، فما هو إلا ادعاء لم يثبت برهانه ولا يمكن أن يشملهم هذا الحديث، وإن كنا لا نملك من الناحية القانونية وصفهم بالـ«لا سوريين».
الملفت اليوم أن اتجاهاً عاماً يسير نحو إجراءات إعادة الثقة بين السوريين، فنرى تراجعاً في المواقف الحادة ونزوحاً نحو الوسطية من الجميع، بدا لافتاً تزامنه مع انتصارات عسكرية على الأرض وتغييرات في قواعد التعامل مع الأزمة السورية من قبل الفاعلين الدوليين، مع إدراك القسم الأكبر من السوريين أنه حان وقت تحويل الخسارة إلى الصفر، ولعل المصالحة الحقيقية الشفافة هي أولى الطرق إلى ذلك.
عسكرياً يمنح الجيش العربي السوري كل الوقت للمسيطرين على إدلب وعلى شمال شرق البلاد لحقن الدماء، وسياسياً لا تغلق دمشق أي باب أمام أي حراك سياسي يمكن له المساعدة في الخروج بأقل الخسائر الممكنة على السوريين.
الأطراف الخارجية تدرك أيضاً أن الحرب لم تعد أولوية، ولا طاقة لها ولأدواتها اليوم في مقارعة الجيش السوري الذي يمتلك وحده شرعية استخدام القوة لفرض القانون، ومعه حلفاء أقوياء، لكن يمكن أن تسعى تركيا المحتلة لأراضٍ في شمال غرب سورية في الخفاء لإعادة ترتيب قوى سياسية، في الظاهر، في مناطق سيطرة الإرهابيين يقبع على رأس هرمها «الائتلاف» المعارض، كنوع من الاستعداد للمرحلة المقبلة يقابلها في شمال شرق البلاد محاولة لتشكيل هرم ثان يقبع «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي على رأسه، ورغم ذلك فالاحتلال التركي يقوي نفوذه في مناطق «اتفاق إدلب» والاحتلال الأميركي يقوي حلفاءه من الكرد شرقاً.
ولعل ما يدفع إلى هذا التوقع أن تغيير المبعوث الأممي إلى سورية من ستيفان دي ميستورا إلى غير بيدرسون أعطى دفعة لإعادة النظر بالمخرجات السابقة لمسار جنيف بعدما تمكنت دمشق وحلفاؤها من كبح جماح الأهداف الغربية فيه عبر النجاحات التي حققها مسارا «أستانا» و«سوتشي» حتى اليوم، ما دفع القوى المحتلة للعب على هذا الأمر.
ومع توقع منخفض بحل معضلة «منطقة خفض التصعيد في إدلب»، يبدو أن بيدرسون يحظى بدعم أميركي يدفع باتجاه الحل في سورية فنراه يكثف مشاوراته مع دمشق والقوى الخارجية، ولا يبدو أنه يريد نسف مساري «سوتشي» أو «أستانا» مع ما مهدا له من خطوات مهمة على طريق تشكيل «اللجنة الدستورية».
لكن بيدرسون والجميع يدركون أن الوقت حان لدمج المسارات الثلاثة في جنيف، أو بمعنى آخر تقويم «جنيف» المنحني بدعامتي «أستانا» و«سوتشي» مع انفراجة دولية تجاه دمشق من جهة وتسابق خفي نحو الحظوة بحصة أكبر من كعكة الإعمار من جهة ثانية.
لا يبدو أن لدمشق مشكلة مع كل هذه التوجهات، طالما لا تنتقص من حق السوريين السيادي برسم مستقبلهم وقيادة العملية السياسية، وهو ما حرص بيدرسون على إعلانه، لكن هذا العمل السياسي ومن وجهة النظر الموضوعية يحتاج لروافع اقتصادية.
فإذا كان الأميركي والغربيون الذين معه يدعمون فعلاً بيدرسون فعليهم تسهيل مهمته اليوم، ولخلق متنفس للسوريين لا ينبغي تحويل المبالغ الطائلة إلى دول استضافت اللاجئين بقدر الحاجة إلى تحويلها إلى الحكومة السورية، لتنفيذ برامج إعادة تأهيل المناطق لتسريع عودة جميع المهجرين، وإن كان هذا الأمر يتطلب أيضاً تحركات سلطوية في الداخل نرى إرهاصات لها اليوم على مستويات عديدة.
من ناحية أخرى من الأفضل للغرب اليوم دعم اقتصادنا لخلق فرص عمل أكثر للشباب السوري بما يسهم بخروجه من معاناته، وفك الحصار الاقتصادي بما يعيد حركة التبادل التجاري بين سورية والعالم إلى مكانتها الطبيعية، ولاسيما أنها منطقة تتقاطع فيها السياسات الاقتصادية العالمية مع الجغرافية القارية.
تشير الوقائع الأخيرة إلى رغبة شبه جمعية من الدول الأوروبية بتطبيع العلاقات مع سورية بعدما نسق بعضها ولسنوات أمنياً مع دمشق، ويمكن قراءة صدور الحديث عن إمكانية فتح معبر بين سورية والعراق من الجانب العراقي على أنه تسهيل أميركي كخطوة لبناء الثقة مع روسيا أولاً ومع سورية ثانياً، بما يساهم بدفع التفاهمات الدولية إلى مرحلة أخرى عنوانها «السلام لسورية» بحيث تنضج طبخة الحل في سورية.
الوطن