حكاية عن حافظ الأسد
في خريف عام 2000 ، اتّصل معي الوزير السابق والسفير المزمن ومعاون وزير الخارجية حينئذ ” د . عيسى درويش ” ليقول لي بِأنٰ النائب الكويتي وصاحب ورئيس تحرير جردة ” القبس ” الكويتية ” محمد جاسم الصقر : أبوجاسم ” ، موجود بزيارة رسمية في دمشق ، ويريد اللقاء معك ..
وعندما التقينا ودعوته على الغداء في أحد مطاعم ” فندق المريديان ” بادَرْتُهُ بالحديث قائلاً : ماذَا حدثَ يا ” أبو جاسم ” بصداقتك المعروفة مع الرئيس العراقي ” صدّام حسين ” منذ غزوه للكويت في عام 1990 ؟
فأجابني بِحَسْرَة : لقد كنتُ قريباً منه جداً ، وكُنّا نعتبره ” حارس البوّابة الشرقية ” ووَقَفْنا معه في الحرب العراقية – الإيرانية ، ولكنّه قابَلَ المعروفَ بالإساءة ..
ثم بدأ ” أبو جاسم ” بالرواية التالية :
كنتُ في عام 1986 بزيارة في بغداد ، وأجْرَيْتُ مقابلةً صحفيّة طويلة مع الرئيس ” صدّام حسين ” نَشَرْتها على صفحات جريدة ” القبس ” التي أمتلكها وأرأس تحريرها ، وجاء في المقابلة اتهامات عديدة وجهها الرئيس صدام حسين للرئيس حافظ الأسد ..
وبعد فترة من العام نفسه عام 1986 قمت بزيارة إلى دمشق والتقيد بالرئيس حافظ الأسد ، وأجريت معه مقابلة مطولة أيضاً ..
ومما قاله لي الرئيس حافظ الأسد حينئذ ، خارج المقابلة ، بأن صدام لا يخوض معركة عربية ولا عراقية ولا بعثية ، بل يخوض معركته الشخصية التي أراد منها أن يكون بديلاً لشاه إيران ..
و أنه بعد انتهاء حربه مع إيران ، سوف يتجه للقيام بحرب أخرى باتجاه الخليج العربي وخاصة باتجاه الكويت ، و حينئذ ستجدوننا إلى جانبكم .
وطبعا – يقول ” أبو جاسم ” – استغربت كلام الرئيس حافظ الأسد ، واعتبرته كلاماً ثأرياً ناتجاً عن كراهيته للرئيس صدام ، ولم أتوقف عند ذلك الكلام ، بل ولم أعره أية أهمية .
وبعد ذلك بأربع سنوات ، وفي صبيحة الثاني من آب عام 1990 ، جرى تماماً ما قاله الرئيس الأسد ، ممالم يكن يخطر ببال أحدٍ منّا في الكويت ولا في الخليج .
وتذكرته في تلك اللحظة ، وقلت لنفسي إن من حق الر يس الأسد ، عليَّ ، أن أعتذر له ، بل أن أبكي أمامه ، لأننا كنا مخطئين بحقه .
وبعد ذلك بتسعة أيام ، انعقد مؤتمر قمة عربي بالقاهره في 11 آب 1990 ، لمناقشة الغزو العراقي للكويت ، فسافرت إلى القاهرة ، واتصلت بالصديق القديم ” جبران كورية ” مدير المكتب الصحفي في رئاسة الجمهورية السورية ، ورجوته أن يؤمن لي لقاء ولو لدقائق قليلة مع الرئيس حافظ الأسد .
فاعتذرَ الصديق ” جبران كورية ” لأن الرئيس متعب .. فقلت له : أرجوك أعلمه بأنني لن آخذ من وقته إلا أقل من خمس دقائق .
وحددوا لي موعداً بعد الحادية عشرة ليلاً ، في جناح الرئيس الأسد بالفندق ، ودخلت لرؤيته ، وكانت آثار التعب والإرهاق تبدو عليه وهو مضطجع في السرير .
ووقفت أمامه باستعداد ، دون أن أتكلم كلمة واحدة ، و فاضت عيناي بالدموع .
فقال لي الرئيس الأسد : لم أكن أتمنّى حدوث ماكنت أتوقّع حدوثه ، مما قلته لك قبل أربع سنوات.. ولكن طالما أنه قدحدث ، فعلينا الآن أن نتعامل معه بما هو كفيل بوضع حد لهذا العدوان .
ويكمل ” أبو جاسم ” حديثه قائلاً : لم أنبس ببنت شفة ، وبقيت واقفاً ، واغرورقت عيناي بالدموع مرة ثانية ، و حيَيَّيْتُ الرئيس وخرجت خارج الغرفة .
* د . بهجت سليمان