السبت , نوفمبر 23 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

عمال مهددون بصحتهم ..وتعليمات السلامة مكتوبة على الورق فقط

عمال مهددون بصحتهم ..وتعليمات السلامة مكتوبة على الورق فقط

“توفي 8 أشخاص من العاملين في معمل ريان بلاست للصناعات البلاستيكية، في السويداء، على فترات متعاقبة، نتيجة إصابتهم بمرض السرطان، بسبب استنشاقهم للمواد الكيميائية المستخدمة في تلك الصناعات”، يحملنا هذا الخبر إلى موضوع هام جداً وفي الوقت ذاته غائب عن أذهان الكثيرين “فموضوع الصحة والسلامة المهنية” ليس ألوية خاصة عند العمال الذين لديهم من المشاكل ما يكفيهم لنسيان أمر الاهتمام بصحتهم، فضلاً عن إهمال أغلب الشركات قواعد الصحة والسلامة المهنية وتوفير بيئة عمل سليمة للعمال، وجهل العمال لأهمية اتباع هذه القواعد -في حال توفرها- والاحتياطات الوقائية التي تكتب عادة في ورق وتعلق داخل الشركة أو المعمل وتهدف إلى حماية العاملين من المخاطر الصحية الناتجة عن المهنة.

من المسؤول!

لعل العمل في شركات الغزل والنسيج يحمل من المخاطر الصحية مايحمله فالتعامل مع الأقمشة المصبوغة والزغبر والصوت العالي للآلات ليس بالأمر السهل وأن كانت نتائجه السلبية لا تظهر بشكل فوري إنما على المدى البعيد، والتزام العامل بقواعد الصحة والسلامة المهنية والإرشادات الضرورية يخفف إلى حد كبير من هذه المشاكل، ولكن السؤال هنا إذا كانت إدارة الشركة تهمل صحة العامل ولا وتوفر له بيئة صحية جيدة من يتحمل المسؤولية، فماحدث في شركة غزل جبلة نموذج لهذا الاهمال المستمر منذ سنوات بعد توقف التبريد في صالة إنتاج الشركة ووصول الأمر لدرجة لم تعد مقبولة ما آثار موجة سخط عارمة لدى العاملين في الشركة واحتجوا مراراً على الأجواء الحارة والرطبة والملوثة بالزغبر التي يعملون في ظلها، فيما كانت الوعود بإصلاح التكييف هي سيدة الموقف على مدار هذه السنوات واستمر العمال بالعمل ضمن ظروف تفتقر لمعايير الصحة والسلامة المهنية حيث لا سبيل أمامهم غير ذلك فأما الاستمرار بالعمل أو توقف الإنتاج وبالتالي توقف مصدر رزقهم فاختاروا الاستمرار بالعمل علّ ذلك يقدر لهم بتأمين تبريد صالة الإنتاج لا أكثر، فمن يتحمل مسؤولية هذا التقصير والإهمال؟

رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال الغزل والنسيج عمر الحلو أشار إلى أن القانون ألزم المنشآت كافة بتنفيذ التدابير الوقائية للصحة والسلامة المهنية في جميع أماكن العمل، وتوفير بيئة عمل صحية، خصوصاً ما يتعلق بالتبريد والإنارة والتهوية، والمياه الصالحة للشرب، إضافة إلى إلزام المنشآت باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية صحة العمال، ولكن في بعض المعامل هناك عجز واضح على مستوى الصحة والسلامة المهنية حيث أُهملت مطالب العمال وكان أن زارت لجنة متخصصة أحد المعامل أو الشركات وقيمت درجة الضجيج المرتفعة والغبار المؤذي بانتشاره الكبير للجهاز التنفسي وبيئة العمل غير الصحية وضعت تقارير لم ينفذ منها شيء وظلت حبيسة الأدراج وبقي الوضع على حالته.

أمراض مختلفة

وأشار الحلو إلى أن أهم مشكلات الأمراض المهنية التي يعاني منها عمال الغزل والنسيج ناتجة عن تغير ظروف وبيئة العمل المتمثلة بوجود أكثر من عامل ضار وعدم مراقبة بيئة العمل، إضافة إلى تحويل المنازل بسبب الظروف القاهرة لورشات عمل، وعدم وجود وسائل وقائية، معتبراً أن العمل من دون توفير بيئة عمل صحية سيؤدي إلى صحة غير سليمة للعامل، وهنا نكون خسرنا اليد الفنية الماهرة.

وأضاف الحلو: إن الأمراض الأكثر انتشاراً بين العاملين بمصانع الغزل والنسيج هي أمراض الكبد والرئة والكلى والسرطان، ويرجع السبب في ذلك إلى استخدامهم للصباغات الخاصة بالأقمشة والتي تحتوى على مواد سامة يمكن استنشاقها بسهولة، مشيراً إلى أن عدد العمال المصابين في خمس شركات فقط تابعة لقطاع الغزل والنسيج 2440 عاملاً.

غياب الثقافة الوقائية

قد يكون موضوع الصحة والسلامة المهنية آخر أولويات العمال خاصة في ظل الوضع الراهن وضغوط الظروف المعيشية، ومرد هذا الأمر وفق مدير المعهد العربي للصحة والسلامة المهنية محمد الحمال إلى غياب الثقافة الوقائية عن العمال، مشددا على ضرورة نشر الثقافة الوقائية في مجال الصحة والسلامة المهنية لضمان بيئة آمنة صحية يمنح فيها مبدأ الوقاية أولوية قصوى، إضافة إلى استخدام جميع الوسائل المتاحة لزيادة الوعي العام والإطلاع على مفاهيم المخاطر والأخطار وفهمها وطرق منعها، لذلك لابد من اختيار عناصر مؤهلة وخبيرة تعمل على نشر الوعي حول مخاطر العمل.

أكثر من 4 مليار تكلفة إصابات العمل

وكشف الحمال أن تكلفة إصابات العمل خلال عام 2018 وصلت إلى 4,370.275,390 ليرة سورية، فيما بلغ عدد إصابات العمل 3002 حالةً منها 1103 حوادث عمل و 1899 أمراض مهنية.

وشدد الحمال على ضرورة تأمين وسائل الحماية للعامل ولموقع العمل والتقيد بساعات العمل المحددة لأن العامل هو العمود الفقري في العملية الإنتاجية ويجب الحفاظ عليه، مؤكداً أنه في الجانب المقابل يجب على العامل الالتزام بالشروط المطلوبة منه والتقيد بها.

دورة صحة وسلامة مهنية

ولفت الحمال إلى أن الاتحاد العام لنقابات العمال يولي هذا الموضوع اهتماماً كبيراً ويعمل على تنفيذ دورة مركزية خاصة بالصحة والسلامة المهنية لمدة ستة أشهر كل عام في المعهد النقابي المركزي بدمشق يشارك فيها عدد كبير من المرشحين على مستوى محافظات القطر، مشيرا إلى إعادة تفعيل دورات الصحة والسلامة المهنية في المعهد بعد توقف دام لسنوات بسبب ظروف الحرب، وتحدث الحمال عن إجراء دراسة للمنهاج القديم للدورات ومدى مواكبته للمرحلة القادمة ومناقشة الموضوع مع مؤسسة التأمينات الاجتماعية باعتبارها جهة معنية بموضوع الصحة والسلامة المهنية ومع لجنة الصحة والسلامة في نقابة المهندسين وجمعية الجودة وتم الاتفاق على مجمل التعديلات وإضافة مواد جديدة.

وتابع: يقدم الدارسين في المعهد ورقة تعهد لممارسة دورهم كمشرفي صحة وسلامة مهنية في المنشآت والشركات التي يعملون بها، لكن المشكلة أن هذه الكوادر المدربة لاتستثمر في المكان الصحيح داخل منشآتها وشركاتها.

جيل صحي وآمن!

بدوره أشار رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال الصناعات المعدنية غسان السوطري إلى أن العمال في قطاع الصناعات الكيميائية يتعرضون لمخاطر كبيرة تؤثر على صحتهم حيث يتعامل هؤلاء العمال مع مواد كيميائية متعددة، تعد من العوامل المباشرة لمرض السرطان، نتيجة استنشاقها.

وتحدث السوطري عن غياب الثقافة الوقائية لدى العامل وعدم التزامه وتقيده بقواعد الصحة والسلامة المهنية والتي هي جوهر المشكلة، وقال: إن كنا نرعب في الوصول إلى جيل صحي وآمن يجب أن ننطلق من نشر هذه الثقافة عند عمالنا، إذ أن اتباع العامل لقواعد السلامة والصحة المهنية والتي تقع في مقدمها ارتداء الأقنعة والقفازات وغيرها من الإجراءات الوقائية نكون قد حللنا نصف المشكلة والنصف الآخر يكمن بتوفير الإدارات لبيئة عمل آمنة والتقيد بقواعد وشروط الصحة والسلامة المهنية.

الوقاية أقل كلفة

تسير حوادث العمل في قطاع الكهرباء بوتيرة تصاعدية خاصة في ظل الأعطال المتكررة والناتجة عن عوامل مختلفة، وكثيراً ما تطالعنا الأخبار عن إصابة عامل من الكهرباء إذ يتعرض العامل في هذا المجال لحوادث خطرة تؤدي إلى إصابات بالغة تصل أحياناً لدرجة الوفاة لاسيما الحروق أو الوقوع عن الأعمدة الكهربائية أثناء إجراء عمليات الصيانة، كذلك الأمر بالنسبة للأعمال الإنشائية التي لاتخلوا من الحوادث باعتبار أن العمل يجرى على ارتفاعات عالية والعامل يتعامل مع أصعب المواد من قساوة وحرارة عالية وآليات ثقيلة، لذلك فإن نسبة الإصابة في هذا النوع من الأعمال تكون كبيرة أيضاً وانطلاقاً من خطورة هذا الأمر يجب أن لا تكون إجراءات السلامة المهنية مجرد إرشادات وكلام على الورق، أو تعليمات تكتب على اللوحات، حيث شدد رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال البناء والأخشاب خلف حنوش على أهمية موضوع الصحة والسلامة المهنية وضرورة تفعيل هذا الجانب في مواقع العمل وواجب الإدارات بتأمين كافة مستلزماته باستمرار لأن بيئة عمل سليمة تعني عاملاً سليماً مع التأكيد على ضرورة تقيد العامل بارتداء الألبسة والأحذية الواقية المخصصة له فالوقاية تكلفتها أقل بكثير من العلاج وهذا مايجب أن تدركه إدارات الشركات.

وعند الحديث عن الأمراض المهنية الناتجة عن بيئة العمل لابد من ذكر عمال القطاع الطبي فهم ليسوا أفضل حال من غيرهم، لاسيما العاملين منهم في قسم الأشعة والذين يعملون بصورة غير محمية مما يعرضهم لخطر الإصابة بأمراض مختلفة أحدها مرض السرطان، ناهيك عن تأثير الأشعة على الصحة الإنجابية .

للعامل حق مصان

مدير الصحة والسلامة المهنية في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الدكتور عامر عدي أكد أن التأمينات الاجتماعية هي الأمن الاجتماعي لمستقبل العمال لقاء اشتراك تأميني يربط العامل برب العمل وصندوق إصابات العمل ليكون في المحصلة تأمين صحي ومهني للعامل الذي يملك اليقين التام بأن له حق مصان وفق أنظمة وقوانين تطبقها المؤسسة، وعلى أرباب العمل الالتزام بهذه القوانين.

وأضاف عدي أن المؤسسة تقوم بدورات عديدة لتوعية وإرشاد العمال، وتسعى المؤسسة لتنفيذ خطة الدولة ليشمل التأمين مختلف القطاعات، وهذا يصب في صالح العمال وأرباب العمل برعاية الدولة، وتعمل المؤسسة بتعويض إصابات العمل بمختلف درجاتها، وبذلك تصون حقوق العامل وصاحب العمل.

استثمار للسلامة المهنية

تبقى قضية الصحة والسلامة المهنية هي قضية الجميع، وإذا أراد أي المجتمع التقدم والتطور، وحماية ثرواته لابد أن يستثمر موضوع السلامة المهنية الاستثمار الأمثل للحافظ على الثروة البشرية التي هي أهم ما يملكه، وباعتبار أن البلاد في مرحلة جديدة لإعادة الإعمار فأن ملف الصحة والسلامة المهنية يجب أن يحظى بأهمية قصوى بما يضمن حماية القوى العاملة.

سينسيريا