تزامنا مع قرار الإدارة الأمريكية حول الجولان… ماذا يحدث في كواليس دمشق؟
كمال خلف
على وجه السرعة توجهت إلى دمشق مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه أن الأوان لأن تعترف أمريكا بالجولان السوري المحتل تحت السيادة الإسرائيلية ، وهدف زيارتي الخاطفة كانت إجراء مقابلة تلفزيونية” لقناة الميادين”، مع نائب وزير الخارجية السورية السيد فيصل المقداد للتعليق على هذا القرار .
بينما كنت في الطريق كانت الخارجية السورية قد أصدرت بيانا شديد اللغة تدين فيه هذا القرار ، وتعلن أنها تملك الحق في استخدام كافة الوسائل لاستعادة الجولان السوري الذي احتلته إسرائيل عام 67 . ما صرح به السيد المقداد خلال المقابلة تجاوز بكثير من حيث الوضوح و حدة الخطاب ما جاء في بيان وزارته صباحا . إذا قال إن القيادة السورية تدرس كل السبل الممكنة لمواجهة هذا القرار و إستعادة الجولان بما فيها الخيار العسكري . وإن الجيش السوري أصبح مهيأ لخوض معركة تحرير الجولان بعد خبرة قتالية طوال ثماني سنوات . واللافت هو إشارة السيد المقداد إلى الدول العربية من باب أن قرارات الإدارة الأمريكية لن تقتصر على سوريا إنما الدور سوف يأتي على الدول العربية . وإن الولايات المتحدة سوف تضع الحذاء الإسرائيلي فوق رؤوس الحكام العرب ، حسب قول السيد المقداد .
من خلال هذه الزيارة القصيرة ومما يمكن فهمه في الأجواء السورية في إطار المعلومات والتحليل وخارج التصريحات الرسمية للخارجية السورية . إن دمشق في أعلى مستويات الغضب ، وهي وان كانت لن تتخلى عن دبلوماسيتها الهادئة و الرصينة ، فإنها بدأت تفكر في توجيه صفعة مؤلمة للأمريكيين داخل سوريا .
دمشق وان كانت مطمئنة لجهة أن القرار الأمريكي بخصوص الجولان لن يغير من حقيقة أن الجولان السوري المحتل هو ارض سورية وهذا الحق مثبت بالقانون الدولي . إلا أنها في ذات الوقت لديها خشية من نوايا أمريكية في مكان آخر .
انتهاء المعارك في شمال شرق سوريا ، وقرار الولايات المتحدة البقاء شرق الفرات ، ومواصلة دعم قوات سوريا الديمقراطية بعد إعلان النصر على تنظيم الدولة الإرهابي .يعني بالنسبة لدمشق أن الإدارة التي قدمت الجولان السوري هدية لإسرائيل ، لن تتورع عن تقديم هدايا أخرى على حساب الجغرافية السورية ، وقد تسعى لتحويل شرق الفرات إلى دولة للكرد ، بحكم الأمر الواقع . وهذه الهدية ستضرب بها واشنطن 3 عصافير بحجر واحد ، فقيام الكيان الكردي سيكون صفعه لإيران وسوريا وتركيا معا. وقد يتحول ذلك الكيان إلى حليف شمالي لإسرائيل في الجنوب . خاصة أن تصريح المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية في خطاب الانتصار على داعش في احتفال “حقل العمر” أمس وضع اعتراف الحكومة السورية بالإدارة الذاتية شرطا مسبقا لأي مفاوضات مقبلة ، وهي مفاوضات عطلتها الإدارة الأمريكية .
نستطيع أن نستنتج من هذا أن ملف شرق الفرات بات يتقدم بالنسبة لدمشق وحلفائها على مصير جبهة إدلب . نظرا لخطورته أولا ، ولكونه النقطة الأنسب للرد على الوقاحة الأمريكية في مقاربتها للوضع في سوريا ، وخاصة قرار الاعتراف لاسرائيل في السيادة على الجولان . وقد تسبق حركة مقاومة للوجود الأمريكي في شرق الفرات نظريتها المزمعه على حدود الجولان .
ثمة أمر آخر قد يكون مهما في هذا السياق ، وهو الخنق الاقتصادي والحرب المالية التي تشنها الولايات المتحدة ضد سوريا وإيران وحزب الله ، وهي حرب بلغت حدا يستوجب وضع حد لها والا فإنها سوف تحقق ما لا يمكن لأمريكا تحقيقه في حرب عسكرية .
ولهذا السبب تبدو منطقة شرق النهر الغنية بالنفط والغاز و الثروة المائية والزراعية والحيوانية حلا لهذا الحصار الاقتصادي . والسيطرة عليها يفشل بشكل جزئي الحصار الاقتصادي . بالإضافة إلى إدراك الأطراف في تحالف المقاومة ، أن كسر قوات سوريا الديمقراطية تحت الحماية الأمريكية سوف يبعث رسالة استراتيجية إلى عموم حلفاء واشنطن في المنطقة مفادها أن العباءة الأمريكية لا تحمي من يتغطى بها .
ولكن في ذات الوقت نستبعد المواجهة العسكرية التقليدية وفق قتال جبهوي يحسم فيه سلاح الجو الأمريكي محاولات عبور النهر ، كما حدث سابقا . لذلك تعكف دمشق والقوى الحليفة لها على التفكير بطرق أكثر فعالية والتوجه نحو بدأ الحراك من داخل مناطق ومدن شرق الفرات وربما من داخل قوات سوريا الديمقراطية ذاتها ، إذ لا تحتوي هذه القوات على مكون واحد ، ويشغل الكرد نحو 40 بالمية فقط من قوامها ، بينما تشكل العشائر العربية الغالبية .
لا نعرف بالضبط أن كانت تركيا حسمت موفقها للانخراط بالتنسيق مع حلفاء دمشق لدعم خيارات ومسارات هزيمة المشروع الأمريكي شرق الفرات ، أم أنها سوف تتصرف بشكل أحادي .
حلف المقاومة اليوم أمام اختبار جديد وخطير لا يتعلق بمصيره فقط ، وإنما بمصير ومستقبل وهوية المنطقة بأسرها ، وهو الآن في حالة دراسة معمقة وبحث في الخيارات ، للوصول إلى نقطة التحول من صد واحتواء السياسيات الأمريكية والإسرائيلية ، إلى المواجهة . ولهذا السبب المنطقة مقبلة على تصعيد وتصعيد خطير .
رأي اليوم