الشائعات الإرهابية لإبقاء القوات الأميركية!!
أحمد ضيف الله
قال المركز العراقي لمحاربة الشائعات في تقرير له في الـ25 من كانون الثاني 2019: إنه «تم رصد ما يقارب الثمانمئة من المواقع الممولة فضلاً عن قنوات إعلامية تتبع إلى دول خارجية تشن حملة على الكثير من المفاصل الحساسة في الأجهزة الأمنية وبالتحديد الاستخباراتية والمنظومات المعلوماتية»، مؤكداً أن «الهدف من الحملة زعزعة الثقة بين المواطن وهذه الأجهزة، والتشكيك بالمعلومات التي تمتلكها الحكومة العراقية عن إرهابيي تنظيمات داعش بعد النصر على تلك العصابات الإجرامية». وفي الـ5 من آذار الحالي، قال المركز في بيان له: إن «أشخاصاً يطلقون على أنفسهم، صفات، كتاب ومحللين سياسيين وأمنيين يروجون للشائعات والمعلومات المضللة»، مشيراً إلى أن «آلية الترويج لهم تجري من خلال تصميم مواقع إلكترونية وصفحات تواصل اجتماعي، بإعلانات ممولة، وكذلك إنشاء كروبات «مجموعات» على واتساب وتلغرام».
لقد لوحظ في الآونة الأخيرة كثافة في الأخبار التي تتناول تردي الأوضاع الأمنية في العراق وبشكل خاص في محافظة نينوى، ناقلة أعمال تفجير واغتيال وخطف مفترضة، وذلك بالتوازي مع استلام السلطات العراقية للعشرات من إرهابيي تنظيم داعش من العراقيين وبعض الأجانب بعد استسلامهم في منطقة «الباغوز» بدير الزور.
إن أغلبية تلك الأخبار التي يجري ترويجها عبر المواقع الكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي التي تبث معظمها من خارج العراق وتحديداً من السعودية وتركيا والأردن، غير صحيحة، حيث يجري اعتمادها فيما بعد من صحف ومواقع إلكترونية خليجية، مصحوبة بتعليقات منتقدة للوضع الأمني ومن تصاعد عمليات تنظيم داعش وقدرته على إعادة تنظيم نفسه مجدداً بحسب آراء منسوبة لشخصيات وهمية، كخبير أمني طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع، أو تصريح لعقيد في الجيش العراقي اشترط عدم ذكر اسمه، أو نسبها إلى شخصيات سياسية موصلية معروفة التوجه والولاء، بانتقادها الدائم للأوضاع في محافظة نينوى. وهو ما دفع قيادة شرطة محافظة نينوى إلى إصدار بيان غاضب شديد اللهجة في الـ3 من آذار الحالي، رداً على تصريحات بعض السياسيين الذين «يبخسون جهود القوات الأمنية في حفظ الأمن والنظام ويحاولون بث الرعب والخوف في قلوب المواطنين»، مضيفة أنه «للأسف هناك البعض من السياسيين المنافقين التافهين يقودون هجمة إعلامية ضد القوات الأمنية بشتى صنوفها وقادتها الأبطال وتناسوا التضحيات العظيمة التي قدمتها قواتنا الأمنية والجهود الكبيرة التي تقوم بها في متابعة خلايا داعش الإرهابية والكم الهائل من الذين يتم القبض عليهم بشكل مستمر»، مؤكدة أن «هؤلاء المنافقين التافهين المطبلين لداعش، يتمنون أن تسقط مدينة الموصل مرة أخرى لا سمح الله، ويتمنون أن تعم الفوضى في المدينة، لأن هذه التصريحات تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار وبث الرعب والخوف في صفوف المواطنين ويحاولون خلق شرخ وفجوة بين المواطن ورجل الأمن وإعادة المدينة إلى ما قبل أحداث 10 حزيران 2014 تاريخ احتلال مدينة الموصل من تنظيم داعش».
إن العمليات الإرهابية التي وقعت في محافظة نينوى على وجه الخصوص منذ الإعلان عن تحريرها من تنظيم داعش في الـ10 من تموز 2017، هي في الحقيقة عمليات محدودة جداً، وهي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وهي متوقعة لتداخل المناطق الشاسعة للمحافظة مع مناطق وعرة في محافظتي صلاح الدين والأنبار، ولمتاخمتها الحدود السورية، وبالتالي من الطبيعي أن تقع بعض الخروقات الإرهابية فيها مستغلة بعض الثغرات الأمنية. إلا أن الهدف من تضخيمها هو إخافة الشعب العراقي من عودة تنظيم داعش، وبث الرعب فيه «وخاصةً أن الإرهاب لا يزال جاثماً ويمكن أن يتصاعد وخلاياه النائمة لم تُضرب كلها» بحسب تصريح رئيس ائتلاف العراقية إياد علاوي في الـ5 من شباط الماضي، الذي عاد وقال في مؤتمر صحفي له في الـ24 من الشهر ذاته: إن «هناك جيلاً ثالثاً للإرهاب والذي سيكون أخطر من السوابق»، مؤكداً أن «هناك دوراً جديداً لداعش جديدة»، وأن «داعش الجديدة بدأت تتكون الآن وملامحها بدت واضحة»، مضيفاً في كلمة له بمنتدى أربيل السنوي الأول في الـ1 من آذار الحالي أنه «بعد القاعدة وداعش سيأتي الجيل الثالث والرابع أيضاً لأن داعش لم ينتهِ بعد».
الرئيس الأميركي دونالد ترمب وبعد أن بلع تصريحه السابق بالبقاء في قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار لمراقبة إيران. عاد ليقول في الـ5 من شباط الماضي في كلمة له خلال مؤتمر «العمل السياسي المحافظ» بولاية مريلاند: إن «القوات الأميركية لن تغادر العراق بسرعة»، مشيراً إلى أن القادة الأميركيين في العراق اخبروه بأن «وجود قاعدة أميركية قوية في عين الأسد سيمكن الولايات المتحدة من استهداف أي تنظيم إرهابي وبأسرع وقت ممكن». كذلك أشار تقرير لوزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» في الـ8 من الشهر ذاته إلى أن «حركة داعش بدأت تنمو بشكل خطير وفي العراق بوتيرة أسرع مما هي عليه في سورية»، لافتاً إلى أن «الانسحاب المزمع للقوات الأميركية من المنطقة يمكن أن يسمح لداعش باستعادة الأرض بسرعة»، وبأن «غياب الضغط العسكري المستمر، يمكن أن تستعيد داعش الأرض في غضون 6 إلى 12 شهراً»، واصفاً تنظيم داعش بأنه «قوه محصنة من خلال القتال، والذي يجذب نحو 50 مقاتلاً أجنبياً جديداً كل شهر». كما أورد المفتش العام لوزارة الدفاع الأميركية في تقرير له خلال الشهر ذاته أيضاً من أن «العراق يفتقر لأجهزة الاستطلاع وقدرات العناصر الاستخبارية والاستطلاعية المطلوبة لمواجهة التنظيم والحد من نشاطه». وفيما قال قائد القيادة العسكرية المركزية الأميركية جوزيف فوتيل خلال جلسة استماع في الكونغرس في الـ7 من آذار الحالي: إن «انتهاء المعركة ضد التنظيم ما يزال بعيداً». أعلن المبعوث الأميركي الخاص بشأن سورية جيمس جيفري في تصريح له في الـ15 من الشهر ذاته: إننا «نعتقد أن هناك ما بين 15 ألفاً إلى 20 ألفاً من أتباع داعش في سورية والعراق كثير منهم في خلايا نائمة».
إن ضخ الشائعات الأمنية بكثافة والتخويف من الجيل الجديد من الإرهابيين كما بات يروج له، هو أحد أساليب الترهيب الذي تستخدمه الولايات المتحدة الأميركية وأزلامها في العراق والمنطقة، الغاية الأساسية منه دفع العراقيين للقبول ببقاء القوات الأميركية في العراق والضغط بهذا الاتجاه. وكما يُقال: «إذا عُرف السبب بطل العجب».
الوطن