لماذا لا يستقيل المسؤولون في سورية؟
ليلاس العجلوني
كثيراً ما نسمع عن استقالة مسؤول في الدول المتقدمة بسبب تقصيره بأداء مهامه أو خطأ حدث ضمن قطاعه، ما يدفعه للاعتذار وتقديم استقالته علناً، اعترافاً منه بخطئه واحتراماً للمسؤولية التي سلمت له ولم يكن جديراً بالشكل الكافي لتحملها، إلا أن هذه الثقافة معدومة في مجتمعاتنا العربية فلم نشهد أي استقالة منذ سنين رغم كثرة الأخطاء.
“نحنا غير”!
ويعرّف “المنصب” في مجتمعاتنا على أنه مرتبة وظيفية عالية تمنح صاحبها مكانة مرموقة في المجتمع؛ لذا يسعى الكثير من البشر للحصول على المناصب، وعندما يحصل الشخص على المنصب نجده يتشبث بهذا المنصب لأطول مدة ممكنة ولا يبعده عن منصبه إلا تغييرات عليا أو تقاعد محتوم.
وتعدّ الاستقالة في مجتمعنا بأنها نوع من أنواع الهروب والانهزامية والتخلي عن المسؤوليات الوطنية، وهو ما يعد من الفوارق الكبيرة بيننا وبين دول العالم المتقدم الذي يعتبرها نوعا من أنواع الفضيلة والثقة بالنفس وحب الوطن، ما يبرر اختلاف درجة الإنتاجية بين العاملين وكذلك حجم الطموح عند الشباب العربي وشباب العالم المتقدم.
سابقة نادرة الحدوث!
في خطوة غير مسبوقة ونادرة الحدوث في سورية، قدم رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور نضال الصالح استقالته من رئاسة الاتحاد، وذلك على خلفية الخلافات التي حدثت خلال المؤتمر السنوي في غياب وسائل الإعلام، والذي طالب فيه بعض الأعضاء بالتصويت على حجب الثقة عن الصالح موجهين له بعض الشتائم والاتهامات، إلا أن التصويت لم يتم.
وجاء في بيان الاستقالة حينها أنه “تقديراً للظروف التي تعصف بالاتحاد، وحرصاً على الاتحاد وعلى نفسي من أن تلحق بي إساءات جديدة لما تبقى من هذه الدورة، ولاسيما ما تعرضت له في المؤتمر من سباب وشتائم واتهامات باطلة وزائفة، وما لحق بي من إيذاء مدبر ومخطط في عملي الوظيفي، أعلن استقالتي من رئاسة الاتحاد وعضوية كل من المكتب التنفيذي ومجلس الاتحاد، وسأقدم طالباً لمن يعنيه الأمر للموافقة على استقالتي”.
خطوة الصالح، ورغم أنها لم تتحول إلى استقالة فعلية لأنه لم يبت بها بعد، لاقت ثناءً شديداً من قبل الكثير من السوريين الذين وإن لم يتفق بعضهم مع الرجل فإنهم حيّوا فيه روحه الشجاعة لإقدامه على هذه الخطوة التي لم يسبق لأي مسؤول سوري أن قام بها.
وقارن الكثير من السوريين بين خطوة الصالح الجريئة بتقديم استقالته بإصرار رئيس الاتحاد الرياضي العام موفق جمعة، ورئيس اتحاد كرة القدم ثائر دباس، اللذان رفضا تقديم استقالتهما رغم إجماع كل السوريين على ضرورة أن يترك الرجلان الرياضة السورية لأهلها بعد النتائج الصادمة للمنتخب السوري في بطولة آسيا الأخيرة!
عدم الاستقالة “فلكلور” منتشر بين أصحاب المناصب
الدكتور وخبير الموارد البشرية أحمد اسفنجة يؤكد لـ “الأيام” أن عدم الاستقالة هو “فلكلور” منتشر بين أصحاب المناصب الإدارية في سورية، مبيناً أن الاستقالة تحتاج إلى ثقة عالية بالنفس الأمر الذي نفتقده عموماً رغم وصول العديد من أصحاب المناصب بمختلف القطاعات إلى يقينٍ تام بفشلهم وعدم تقديمهم لأي قيمة مضافة للمؤسسة التي يديرونها.
وأوضح اسفنجة أنه، ومن أسف، بات همّ أصحاب المناصب اليوم هو “الكرسي” فقط الذي يؤمن لهم “البرستيج” والقيمة المجتمعية والقدرة على تحقيق غاياتهم كون المجتمع يقيس قيمة الشخص “بمنصبه”، مضيفاً أن عدم الاستقالة هي منظومة مجتمعية في بلادنا تراكمت مع مرور السنين نتيجة خيارات فردية، وأن ما نحتاجه حالياً لإنعاش ثقافة الاستقالة عند الخطأ هو قرارات فردية تراكمية تتحلى بالقوة التي تدفع صاحب الكرسي للتخلي عن منصبه وملحقاته.
وبرر اسفنجة أن سبب التخوف من ترك المنصب لدى البعض هو الصورة النمطية الموضوعة للشخص المستقيل، والتي تظهره بمظهر العاطل عن العمل والفاقد لأي تقدير على الرغم من كون الاستقالة هي “بداية جديدة” يستطيع الشخص فيها النجاح والحصول على التقدير وفق إمكانياته المتاحة.
مفهوم الاستقالة مرتبط بـ “البطالة”!
من جهته، يوضح الكاتب والنائب في مجلس الشعب نبيل الصالح أن ثقافة الخوف تحكم موظفينا الذي تعلموا الزحف حتى نسوا أجنحتهم، وتحولوا إلى مجتمع من “الدجاج” على حد وصفه، مضيفاً أن الموظف السوري لا يملك أية خيارات تدفعه للاستقالة، كون الاستقالة من وجهة نظره تعني نوعاً من أنواع البطالة في بلدٍ لا يقدر مهارات الناس.
وأشار الصالح إلى أن الخريج ينتظر سنوات طويلة كي يفوز بمسابقة توظيف ليحصل على الفقر طيلة حياته، فمن الموظفين من يحاول تغيير مستقبله بالفساد ومنهم من ينتظر الرب لمكافأته على عفته من دون جدوى.
وختم عضو مجلس الشعب أن المؤسسات اليوم تحولت إلى آلة تطحن الناس وتنتج “العبيد” منهم فقط.
تخوين المستقيل!
وزير الاتصالات السابق الدكتور عمرو سالم يقدم وجهة نظر أخرى حول عدم انتشار ثقافة الاستقالة في بلادنا، فيقول لـ”الأيام إن أغلب الموظفين في كلا القطاعين العام والخاص الذين يتحلون بثقافة الاستقالة عند الخطأ، يخافون من الإقدام عليها لما يترتب على الاستقالة من محاربة وغضب عند الجهات العليا، مبيناً أنه غالباً ما يتم تخوين الموظف المستقيل واتهامه بقلة الوطنية والوفاء لمكان عمله، ما يمنع أغلب الموظفين من الإقدام على هذه الخطوة.
ويضيف د. سالم أن ما يجري في مجتمعنا عند فشل الموظف في أداء مهمته، أن يستمر في منصبه ليحافظ على ميزات منصبه، أو أن تطلب الجهات العليا منه تقديم استقالته حفاظاً على ماء وجهه، ولعدم نشر أي فضيحة فساد تمس بسمعة المؤسسة التي يعمل بها، أي أن الاستقالة في النهاية، حتى لو تمّت لا تكون ناتجة عن قرار شخصي.
وأكد السالم أنه في الدول المتقدمة يقدم الموظف استقالته عند شعوره بعدم فعاليته بالمكان الذي تواجد فيه، أو عدم تأثيره على من هم أعلى منه بغرض تحسين واقع المؤسسة التي يعمل بها، إلا أن هذه الثقافة معدومة في مجتمعنا السوري، فيستمر الموظف بالتمسك بمنصبه للاستفادة من ميزات المنصب ومرتبه.
الأيام