ماذا جرى في دمشق.. رسائل قادة أربعة جيوش حليفة لسورية ستغير المشهد
شوكت أبو فخر
ساعات قليلة فصلت بين اجتماعات قادة جيوش سورية والعراق وإيران، حتى حط وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في دمشق في زيارة قُرأت من قبل فريق سياسي سوري، على أنها مباركة وتأكيد على ما تم الاتفاق عليه في اجتماعات رؤساء الأركان، بمعنى أن موسكو الغائبة عن اللقاء العسكري العالي السوري –العراقي- الإيراني، الذي جرى في دمشق، كانت حاضرة فيه وبتفاصيله، وزيارة شويغو هي لإبلاغ دمشق بأن موسكو موافقة على ما قرره القادة العسكريون سواء لجهة شرق الفرات والحدود أو لجهة إدلب… والنتيجة النهائية تقول إن ثمة خطوات كبيرة على الأرض ستغير وجه المشهد الحالي.
لكن فريقا من المعارضة السياسية السورية رأى عكس ذلك، واعتبر أن زيارة المسؤول الروسي، لإيصال رسالة مفادها، أنه أيا كان ما تفكرون به، وما تخططون له، يجب أن يحظى بموافقتنا، فنحن نمسك مفاتيح اللعب، وعلى اتصال مع جميع الأطراف وبالأخص، التركي والأميركي اللذين تمحورت الاجتماعات السورية العراقية الإيرانية، حول احتلالهما أجزاء من الأراضي السورية …
وبصرف النظر عن وجهتي النظر، فإن ما قالته موسكو عن زيارة وزير دفاعها، كان واضحا، فهي مستمرة، في مكافحة الإرهاب إلى جانب الجيش السوري، كما ستواصل تقديم كل الدعم الممكن للشعب السوري لاستكمال تحرير كل المناطق، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقلالها.
وأشارت موسكو أيضا إلى أنه تم خلال اللقاء الاجتماع الذي ضم الرئيس الأسد والوزير شويغو، بحث الأوضاع في منطقتي إدلب وشرق الفرات حيث كان هناك توافق في الآراء حول ضرورة مواصلة العمل المشترك لوضع الحلول المناسبة لاستعادة الأمن والأمان في المنطقتين، واتخاذ ما يمكن من إجراءات لعدم السماح للدول المعادية للشعب السوري بأن تحقق من خلال سياساتها وممارساتها في هاتين المنطقتين ما عجزت عن تحقيقه خلال سنوات الحرب.
هل نجتهد أم نميط اللثام عن أمر إذا تكلمنا في التحليل والاستنتاج وقلنا إن المباحثات عسكريه ميدانيه عمليه وإن نتائجها ما فوق النصوص المعلنة، وإن كافة الأوراق التي تم تداولها ومناقشتها من اجتماعات الرئيس الأسد مع القيادات الإيرانية في طهران إلى القمة العسكرية في دمشق، ومن ثم لقاء شويغو تهدف إلى اتخاذ أمر العمليات وإعلانه في التوقيت العسكري الملائم من دمشق؟؟
بالعموم يحمل اجتماع قادة جيوش إيران والعراق وسورية مجموعة من الرسائل لكل القوى المحلية والإقليمية والدولية، مع إبقاء الفرصة سانحة لإمكانية ركوب الحافلة للبعض…
الدرزي: منظومة إقليمية رسمية
الدكتور والباحث أحمد الدرزي يتساءل: هل نحتاج لمنظومة إقليمية؟! فيجيب “القوى الرسمية على مستوى العراق وسورية وإيران، وفي إطار مواجهتها لمجموع التهديدات الوجودية الإرهابية المسلحة، والهجوم الاحتلالي للولايات المتحدة ومن يدور في فلكها، بدأت بطرح تصور للتعاون والشراكة المبنيين على المشتركات التاريخية والثقافية والمصلحية لهذه الدول.”
أضاف “لقد كان من الواضح أن ملامح تشكيل منظومة إقليمية على المستوى الرسمي بين إيران والعراق وسورية بالحد الأدنى، قد بدأ بالتبلور وفق آليات التعاون لا الصراع، ولمواجهة كل المشاريع المدمرة، وإخراج الولايات المتحدة قسراً من المشرق، وهذا ما عبر عنه لقاء قادة الجيوش الثلاثة لكل من سورية وإيران والعراق في دمشق، والذي حمل بطياته مجموعة من الرسائل المهمة لأطراف متعددة، وأولها الولايات المتحدة التي أبلغت من خلال الاجتماع، بأن طريق طهران بغداد دمشق بيروت سيفتح قريباً.”
وأكد الدكتور الدرزي أن “زلزال هذه المنظومة قادم بلا شك وخاصةً بعد أن يستكمل بالقوى السياسية والنخب العلمية والاقتصادية والإعلامية وقوى المجتمع المدني لهذه الدول وقريباً جداً، وهي قوى تشكل قوة دافعة لسلطات هذه الدول لاختيار التعاون والسلم كأساس لنهوض المشرق بأكمله، وتلعب دوراً أساسياً في ترسيخ المفهوم على المستوى الشعبي ليكون متبنى من قبله، وليكون صماما أمام أي محاولات للارتكاس.”
ويلفت الدرزي إلى أن “الحرب السورية فتحت أفاقاً جديدة لرؤى مستقبلية حول سورية والمشرق، حيث أعادت التفكير بما كان يعدّ مسلمات بديهية تشكلت خلال المائة عام السابقة، وليكتشف الجميع بأن المفهوم القومي كأيديولوجيا لا يستطيع أن يؤمن الاستقرار لأي بلد من البلدان التي خضع تشكيلها للمبضع الفرنسي والبريطاني، حيث شتت شعوبها بين حدود لم تعرفها من قبل، وهذا دفع بهذه الدول الوليدة من خارج السياق الطبيعي للمنطقة لاعتماد الصراع كآلية للعلاقة فيما بينها، وولَّد بالإضافة إلى ذلك صراعات دموية داخل كل بلد من البلدان، مما استنزف قدرات المشرق دموياً واقتصادياً، وترك شروخاً بين شعوب اعتادت أن تتعامل مع بعضها البعض وفق مبدأ الشراكة والقبول.”
ويشير إلى أن هذه الصراعات “ليست ذاتية بقدر ما هي امتداد لصراعات دولية على مدى قرن من الزمن، وهي بالتالي تحمل بطياتها مستويات متعددة منها، وتتداخل فيما بينها بحيث يصعب التمييز فيها بين الطموحات الشخصية والطموحات الإمبراطورية والمشاريع الدولية.”
ويقول: “في هذا الواقع كان لابد من رؤية جديدة لهذا المشرق المتشابك، بحيث تخرجه من إطار الصراعات التي لا يمكن أن تنتهي وفق الآليات التي تشكلت منذ مائة عام فقط، وطرح تصور بديل يستند إلى التعاون والشراكة، وهذا ما استوعبته الدول الثلاث.”
وطرح الباحث الدرزي سؤالين برسم طرفين أساسيين وضروريين لاستكمال هذه المنظومة الإقليمية المراد إعادة إحيائها، وبما ينسجم مع بنى الدولة الحديثة:
– *أين موقف الكرد المشتتين بين الدول الأربعة؟ وهل سيتموضعون ضمن هذه المنظومة التي يمكنها أن تحل مشكلتهم الكبرى، وخاصةً أنهم الشعب الذي دفع الثمن الأكبر لمبضع الجراحة؟
– *هل تستطيع تركيا أن تلجم طموحاتها الإمبراطورية بالهيمنة على كل المنطقة؟ وتتحول من واقع الأطماع إلى إطار التعاون والشراكة؟
ومن هنا تأتي أهمية اجتماع دمشق الذي عقد لأسباب متنوعة ومختلفة، وضرورة البحث عن مخارج غير اعتيادية كحلول غير عادية لمأزق الصراع العبثي المدمر، فهل ستستطيع أن تحقق هذه المنظومة الإقليمية الجديدة ذلك؟
حبو: التأسيس لمسار وتحالف إقليمي
وليس بعيدا عن وجهة النظر السابقة يعتبر ماجد حبو، عضو المؤتمر الوطني الديموقراطي السوري ممثل- تيار قمح “أنه مع تقدم وتعقيد الصراع على سورية، وبعد الانتصارات العسكرية المباشرة للجيش السوري وحلفائه في معركة الإرهاب، تتشكل اليوم تحالفات إقليمية جديدة ذات بعد دولي.
ويضيف “الاجتماع الذي شهدته العاصمة السورية دمشق منذ عده أيام لقادة جيوش كل من سورية والعراق وإيران جاء كمحاولة للرد على الأخطار، والخطط العسكرية للخصوم: إسرائيل، أمريكا، بعض دول الاتحاد الأوروبي؛ فرنسا وبريطانيا، تركيا، والجماعات الإرهابية العابرة للحدود بين سورية والعراق (داعش)”.
ورأى أن ثمة العديد مما طرح وما يجب عمله لكنها البداية التي يجب أن تؤسس لمسار وتحالف إقليمي محتمل وضروري سواء على الساحة العراقية أم السورية ومحيطها الإقليمي كلبنان مثلاً.
وقال السياسي السوري: “المهام كثيرة ومعقدة والآمال طموحة في ظل تحديات حقيقية ربما أبرزها:
١- الدور الكردي سواء في شمال العراق أو شرق الفرات وتعارض المسارات والطموحات.
٢- المطامح والأطماع التركية سواء في سورية أو العراق.
٣- حجم التنسيق الدولي مع الحلفاء (روسيا، الصين، بعض دول الاتحاد الأوروبي، الأدوار المطلوبة لبعض الدول الخليجية).
٤- حجم التنسيق والتنظيم المطلوب إقليمياً ومحلياً والإعداد والتهيئة لمرحلة قادمة من الصراع والتنافس الإقليمي بشروط متفاوتة التوازن وبظل حروب إعلامية مشبوهة ومضللة .
5- التنسيق الدولي مع الحلفاء الدوليين وكسب النقاط في معركة الصراع الدولي على مواقع النفوذ والامتيازات، تبقى سورية ( مفتاح آسيا ) وبيضة القبان في أيه تحالفات أو تكتلات إقليمية أم دولية، لكن البدايات يجب أن ترعى حقوق المواطن والوطن الأولى لتخلق المناعة الصلبة المطلوبة .”
وكان حبو لفت الى ما شهدته منطقة الشرق الأوسط ومحيطها السياسي والبشري من تغييرات عظيمة في مطلع الثمانينات – نهاية السبعينيات من القرن الماضي وكان لها أثر فيما تلى وتمثلت في:
١- خروج مصر من دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي، وبالتالي خروجها عن الإجماع العربي.
٢- الثورة الإيرانية بما حملته من تأثير مباشر على لوحة الصراع العربي – الإسرائيلي. وتقدم إيران كقوة إقليمية بعد النزاع الدموي المرير مع العراق (صدام حسين).
٣- صعود التيار الديني (الأخوان المسلمون) بتلوينات وأسماء متعددة في تركيا بعد الانقلاب العسكري في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي.
٤- تغييرات طالت قائمة حلفاء أمريكا – اسرائيل في المنطقة …
وقال: “اليوم وبعد:
١- سقوط نظام صدام حسين في العراق والخروج المهين للقوات الأمريكية من العراق، مع بقاء القواعد الأمريكية هناك مع كيان يرتقي إلى مستوى الدولة في شمال العراق (كردستان العراق) .
٢- الصعود المدوّي للإسلام السياسي “الأخوان المسلمون، داعش، جبهة النصرة، المترافق مع ظاهرة الربيع العربي: ليبيا، تونس، مصر وأخيراً سورية والدور التركي – القطري – الأخواني في كل ما حدث”.
3- الحضور العسكري المباشر للقوات الأمريكية في سورية تحت عنوان (محاربة الإرهاب) وكذا الحال للجيش التركي في شمال سورية (عفرين) وغيرها بحجه مقاومة التمدد الكردي في مناطق شرق الفرات وطروحاته شبه الانفصالية (الفيدرالية) تحت الحماية الأمريكية العسكرية المباشرة.
٤- التهديدات والعربدات الإسرائيلية في سورية ولبنان وتقدم الملفات السرية والعلنية لما اصطلح عليه بـ (صفقة القرن) والدور الخليجي والعربي المباشر في هذا السياق .
هذا بالمجمل يقول حبو يشكل الملامح العامة للوحة الصراع.
درار: نستغرب لهجة العداء
لكن الرئيس المشترك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” رياض درار له وجهة نظر مختلفة عن وجهتي النظر السابقتين ويقول: “لم أجد ما أقوله عن هذا اللقاء (في إشارة إلى الاجتماع العسكري الثلاثي الذي شهدته دمشق) أضاف “كنا نتوقع أن يكون الجانب السوري والقوات المسلحة التي أعلنا أكثر من مرة أنها تمثل السيادة وعزة الوطن، لكن يبدو أن هذه العقلية لم تتغير وهي عقلية السيطرة والاستئثار، وعدم الاهتمام ببقية أفراد الشعب، وخاصة وهم يحررون المناطق السورية من أعتى إرهاب عرفه الوطن، وخاصةً ونحن منفتحون على الحوار واللقاء والمفاوضات من أجل مستقبل سوري زاهر يحقق الاستقرار للجميع، وخاصة ونحن أيضا لسنا طرفا في الصراع على السلطة بقدر ما نحن نعمل من أجل وطن لكل السوريين يكون لهم الحق بالتعبير عن وطنيتهم وإنسانيتهم معا انطلاقا من دورهم ومكانتهم”…
واستغرب درار تهديد من حرر المناطق وطهرها من الإرهاب، وباتت نظيفة، لافتا إلى أن مدينة عفرين مدينة سورية، متسائلا كيف يمكن تحريرها من الاحتلال التركي وكذلك إدلب؟
وأمل درار “برؤية عقلانية تستجيب للحوار والتفاهم الحقيقي”، أما لغة الاستعداء فلن تخدم أحدا، معتبراً أن “النظام حاليا يحتاج لشعبه لمواجهة الغرباء، فهو في لحظات ضعف” على حد قوله.
وفيما خص الرسائل الموجهة للأمريكيين من جانب العماد أيوب قال درار، “إذا كانت دمشق عازمة على إنهاء الوجود الأمريكي، فعليها أن تتوجه إلى التنف حيث القاعدة الأمريكية، وبعدها نفكر معا في كيفية التخلص من كافة الاحتلالات الموجودة فوق الأراضي السورية.”
خوف في “إسرائيل ”
وفي القراءة والمخاوف الإسرائيلية لما خرج به المجتمعون في دمشق أكد موقع “ديبكا” الاستخباري الإسرائيلي أن طهران ودمشق وبغداد اتفقت على تنفيذ عملية عسكرية مشتركة لفتح الحدود السورية – العراقية، في خطوة تعزز المخاوف الأمنية الإسرائيلية والأمريكية.
كما تم حسب “ديبكا ” تحديد طبيعة وحجم المساعدات العسكرية والاقتصادية الإيرانية للحكومة السورية للفترة المقبلة.
وأشار الموقع إلى أن هذا الاجتماع جاء بناء على اتفاق تم التوصل إليه في 25 شباط الماضي خلال زيارة الرئيس الأسد إلى طهران ولقائه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.
وحسب التقرير، فإن هناك سلسلة من القرارات العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية التي “ستؤدي حتما إلى ما اعتبره الموقع (صدام عسكري) بين إيران وسورية من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى”.
رسائل تقرأ من عناوينها
اجتماعات دمشق، ومخرجاتها تؤكد وحدة الهدف، ورمزية التوقيت، بعد ثلاثة أسابيع على زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران، وتؤسس لمقاربة جديدة تؤكد على:
– العزم على تأمين ممر أمني مشترك يبدأ من إيران مرورا بالعراق وسورية.
– وحدة المعركة والعدو.
التأكيد على احترام سيادة سورية وعدم القبول بدخول أي دولة بصورة غير شرعية الأراضي السورية.
-مساعدة سورية في استعادة سيادتها على كامل أراضيها.
-التنسيق مع روسيا لمرحلة جديدة يكون فيها التعاون لمواجهة التحديات في أعلى مستوى.
كل هذا يشكل عاملا حاسما في إفشال المخططات التي تحاك للمنطقة، وسعي أنقرة وواشنطن للإبقاء على حالة من التوتر عبر تقديم كل طرف الدعم لجماعته لإطالة أمد الحرب.
إذاً، نحن أمام ملامح تشكيل منظومة إقليمية على المستوى الرسمي بين إيران والعراق وسورية بالحد الأدنى، بدأت بالتبلور وفق آليات التعاون لا الصراع، في القضايا الدفاعية والأمنية، بين الدول الثلاث، وإضافة إلى التعاون العسكري مع روسيا، ما يشكل بداية لمرحلة جديدة فيها التعاون والتنسيق ومواجهة التحديات في أعلى مستوى، والأيام المقبلة كفيلة بتظهير النتائج على الأرض.
الايام