المقاومة في الجولان.. هل تكون سوريا أو لا تكون
عبير بسام
المتابع لما ينشر من دراسات حول حزب الله والصراع العربي ـ الإسرائيلي في المنطقة، يلاحظ أن شيئاً واحداً ثابتاً لا تبرح هذه الدراسات تفصله، وهو الدعم السوري الذي تلقته المقاومة في لبنان منذ الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. خلال محادثات مدريد للسلام في العام 1991، دافعت القيادة السورية، وبشراسة، عن كل شبر من أرض سوريا حتى حدود بحيرة طبرية، في وقت شهد العالم فيه على تقسيم وشرذمة فلسطين في أوسلو. لذا لم يكن غريباً دعم المقاومة في لبنان حتى تحرير آخر شبر محتل في جنوبه، وليس غريباً أن يكون همٌّ الإسرائيلي إخضاع سوريا لإملاءاته، خاصة بعد تحييد مصر في العام 1979 وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد. واليوم تستمر المحاولات لإخضاع سوريا في إعلان ترامب حول الجولان.
فسوريا اليوم ما تزال تدفع ثمن وقفتها، في حين لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية والأميركية، التي تصاعدت وتيرتها بعد تحرير الجنوب اللبناني في العام 2000، من أجل إحتواء الموقف السوري وإخضاعه لما تجده الإدارة الأميركية في مصلحتها ومصلحة “ربيبتها اسرائيل” – التعبير الذي كبرنا ونحن نسمعه. وليس غريباً أن يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال توقيعه قرار الإعتراف الرسمي بسيادة “اسرائيل” على الجولان بأن: “أي اتفاق سلام في المستقبل ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار قوة سوريا وإيران وحزب الله”. هذه القوى الثلاث التي اجتمعت وتطورت بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد من أجل قضية الحق في فلسطين العربية.
صحيح أن تعبير نتنياهو الذي تلا تصريح ترامب عن حجم الصداقة التي يبديها تجاه “اسرائيل”، ليس إلا من باب “حكلي ظهري لحكلك ظهرك”: إلا أن المراد من القرار الأميركي، هو توجيه الصفعة لمحور واختبار ردة فعله. خاصة في وقت تأخذ فيه المقاومة الفلسطينية منحى متصاعدا بعد عملية سلفيت، وقصف “تل أبيب” وغيرها من العمليات البطولية التي أثبتت مدى تنامي روح المقاومة بعد إعلان القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي. والكيان العبري بما عليه من تسليح وتدريب غير قادر على تأمين مستعمريه في أي مكان من فلسطين.
علينا أن نفهم أن ما جاء في كلام ترامب يعتبر التهديد الذي تحدث عنه السيد حسن نصر الله بدقه في خطابه الأخير بأنه: “حدث مفصلي في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وفي تهديد وجودنا.” وكما قال السيد نصرالله فإن عبارات الشجب والإستنكار لم تعد تكفي، لأن القرار في حد ذاته ليس استهتاراً بالعالمين العربي والإسلامي، بل هو استهتار بالمنظمات الدولية وقراراتها والعالم أجمع الذي وقف ضد هذه الخطوة. وأن اولوية أميركا هي “اسرائيل” ولذا فهي راع غير نزيه للسلام. وأهم ما جاء به السيد نصرالله في هذا السياق أن إعلان ضم الجولان جاء بسبب التواطؤ العربي بصمته حول إعلان القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، هو كلام دقيق وأن الرد الحقيقي هو بسحب عملية السلام التي طرحت في قمة بيروت للجامعه العربية في قمة عربية أخرى، هي قمة تونس القادمة، وأن الخيار الوحيد أمام السوريين واللبنانيين والفلسطينيين لإسترداد أراضيهم المحتلة هو “المقاومة”.
فهل إعلان سيادة “إسرائيل” على الجولان سيطلق مسيرات العودة فيه كما يجب أن تكون في كل فلسطين؟ لأن الدور قادم لا محالة ليس فقط على الضفة الغربية. ولأنه بعد السماح عربياً ودولياً بضم الجولان لـ”إسرائيل”، سنشهد حينئذ ضياع أراض عربية جديدة. وصفقة القرن لن تكون أكثر من خارطة طريق نحو حدود “اسرائيل” التي حددتها الصهيونية في خطابات قياداتها “من الفرات إلى النيل”، والتي ستقف وراءها الولايات المتحدة الأميركية حتى النهاية. فـ”اسرائيل” بكينونتها تمثل كينونة أمريكا القائمة على قتل أهل الأرض واستيطان بلادهم، وهي تحقق مبدأ نابليون الذي قام على أن: “من يحكم على مصر وبر الشام، فإنه يحكم العالم بأجمعه”. ولذا فإنه يجب فهم خطورة خطوة كهذه على مصير أمة بأكملها يجب أن يوضع نصب الأعين. والأكثر من ذلك فإن قرار ضم الجولان هو المسمار الأخير الذي سيدق في نعش الأوروبيين، قبل أن يحولهم إلى دمى متحركة في يد الأميركيين.
واليوم السؤال الذي ينتظره الكثيرون هو حول كيفية تعامل سوريا مع هذا القرار؟ علما أن سوريا في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير قامت من خلال ممثليها بتهديد “إسرائيل” بأنها ستذهب إلى الحرب من أجل تحرير الجولان. هذا الأمر معناه أن هناك فصلاً آخر من فصول الأزمة السورية سيفتح على مصراعيه، في وقت تحاول فيه سوريا إنهاء أزمتين مدعومتين دولياً. الأولى هي الأزمة الكردية، حيث يبدو أن الأكراد عادوا وتلقوا ضوءاً أخضراً عريضاً من الأميركيين من أجل الدخول في مواجهة مع الدولة السورية، من خلال المطالبة بالإدارة الذاتية في مناطق شمال شرق الفرات. هذا سيسمح باستمرار تبرير التوجس التركي حول الخطر الكردي القادم من سوريا، وبالتالي فإنه سيعطي نفسه المبرارات من أجل التدخل العسكري وتوجيه الضربات ما بين الحين والآخر والتي تغطي مساحة 30% من الأراضي السورية. والثانية، هي الأزمة التركية التي تطالب بمنطقة أمنية تمتد على 10% من الأراضي السورية، وتلك الأزمتان، شئنا أم أبينا هما من صنع بنات أفكار الأميركي في آخر محاولاته المحمومة لمنع سوريا من إعلان الإنتصار.
إن الإستيلاء على الجولان في هذه المرحلة ليس بسبب أهميته الإستراتيجة والإقتصادية، ولم يكن قراراً ارتجالياً كما يصوره البعض، ولكن الجولان اليوم هو الإختبار الحقيقي لسوريا التي خبرناها خلال عقود الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
العهد