“داعش”.. بين حقيقة انتهاء الوجود والرعاية الأميركية..
إبراهيم شير
“داعش” ليست جماعة مرتبطة بأرض بل هي تيار وفكر قائم بحد ذاته منذ قرون، وإنهاء وجود هذه الجماعة سيكون بتدمير النهج نفسه وإنهائه وليس بتدمير البلدان بزعم إنهاء التطرّف الذي يصنع في مراكز المخابرات الغربية والأميركية وتأتي أسلحتها لتدمّره وتدمّر الدول، ومن ثم تأتي شركاتها لتقوم بإعادة الإعمار وبالتالي وضع هذه الدول رهينة للإرادة الأميركية.
بعد خمس سنوات من إعلان تأسيس “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أو ما بات يُعرَف في ما بعد بإسم “داعش”، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انهزامها نهائياً!! وأن قوات بلاده بالتعاون مع ما بات يُعرَف بقوات سوريا الديمقراطية التي يشكّل الكرد 95 بالمئة منها دمَّرت “داعش” بشكلٍ نهائي. وكان ترامب وحلفاوه الكرد يؤجّلون منذ أسابيع إعلان نهاية الجماعة حتى وصلنا إلى يوم 21 من آذار – مارس أي بداية عيد النوروز الذي يحتفل به الكرد، هنا أراد ترامب إعطاءهم الهدية؛ وهي الادّعاء بأنهم مَن أنهى وجود “داعش”، هذا الإعلان يمثّل جائزة ترضية للكرد قبل الصفقة الأميركية مع تركيا في الشمال السوري والمنطقة العازلة التي تريد أنقرة إقامتها ، والتي إن تمّت سيكونون أكبر الخاسرين ولن يكون ربحهم سوى نصر على ورق.
لنفصّل المشهد بطريقة أدق…هل فعلاً هُزِمت داعش؟ وهل الولايات المتحدة هي مَن أنهى وجودها؟
أولاً هذه الجماعة هي مزيج بين الفكر والسلاح، أي أنك تستطيع تدمير قوّتها العسكرية، ولكن طالما هناك فكر موجود ومتغلغل في المجتمع وتتم رعايته دولياً فإن إعادة إنتاجها أو إنتاج أمثالها يعتبر كجرّة قلم لدى أجهزة الاستخبارات العالمية. والأمثلة على ذلك كثيرة، فمثلاً تنظيم القاعدة في اليمن، منذ عام 2001 تعلن الولايات المتحدة إنهاء وجود هذه الجماعة في البلاد إلا أنه أثبت كذب واشنطن في كل مرة ، بل وأكثر من ذلك فإن القاعدة ازدادت قوّة وصلابة وتغلغلاً في اليمن على مرّ الزمان برعاية واشنطن نفسها في بعض الأوقات. وداعش نفسها مَن أوجدها وأخرجها؟ أليست الولايات المتحدة وذلك باعتراف واضح من وزيرة الخارجية الأميركية السابقة والمرشّحة للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون، ألم يكن متزعّم داعش أبو بكر البغدادي في السجون الأميركية قبل أن يتمّ إطلاق سراحه، ألم يكن سلفه أبو عمر البغدادي مُعتقلاً أيضاً لدى أميركا، ألم يكن 90 بالمئة من قاعدة داعش مُعتقلين سابقين سواء في العراق أو أفغانستان أو أوروبا الشرقية. إذن إعادة إنتاج مثل هذه الجماعات سهل جداً.
ثانياً أكثر من 150 ألفاً من مقاتلي “داعش” في مخيمات اعتقال تسيطر عليها القوات الأميركية في الأراضي السورية هم وأسَرهم، وخلال الأسابيع الأخيرة خرج أكثر من 70 ألفاً من مقاتلي “داعش” وعوائلهم من منطقة الباغوز وما حولها في دير الزور، ومَن يتابع تصريحات الخارجين يرى الكمّ الهائل من الطاعة العمياء للجماعة حتى النساء منهم، وبالتالي وجودهم في مكان واحد برعاية وحماية أميركية يضع علامات استفهام كثيرة عن مستقبلهم، هل سيبقون في سوريا ليكونوا ورقة ضغط على دمشق وتركيا في ما بعد؟ أو سيتم نقلهم إلى باكستان أو أفغانستان ليكونوا بالقرب من الحدود الإيرانية، أو سيتمّ نقلهم إلى القوقاز ليكونوا بجانب روسيا؟ او لربما سيتمّ نقلهم إلى شرق آسيا وتهديد الصين وباقي دول المنطقة بهم؟ خصوصاً وأنهم باتوا ثروة بشرية إرهابية مهمة بيد واشنطن.
ثالثاً طالما انتهت “داعش” بحسب إعلان الولايات المتحدة فأين قادة الصف الأول وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي؟ وأين الأموال الهائلة التي كانت بحوزتهم وأين وثائقهم؟
وبالتالي جلّي أن فكرة إنهاء وجود “داعش” بهذه السهولة هي وسيلة للضحك على العقول وللضحك على حليف سيتمّ بيعه هو أيضاً في ما بعد.
رابعاً وجود “داعش” لم ينتهِ بعد، فمثلاً هي لاتزال متواجدة في منطقة البادية السورية بين محافظتيّ حمص ودير الزور، أي في مناطق الدولة السورية، وكلما أراد الجيش إنهاء وجود الإرهابيين في البادية قامت الولايات المتحدة بقصف الوحدات العسكرية المتقدّمة عبر قاعدتها في التنف. هذا ما يُثبت أن واشنطن لاتريد إنهاء الجماعة.
“داعش” ليست جماعة مرتبطة بأرض بل هي تيار وفكر قائم بحد ذاته منذ قرون، وإنهاء وجود هذه الجماعة سيكون بتدمير النهج نفسه وإنهائه وليس بتدمير البلدان بزعم إنهاء التطرّف الذي يصنع في مراكز المخابرات الغربية والأميركية وتأتي أسلحتها لتدمّره وتدمّر الدول، ومن ثم تأتي شركاتها لتقوم بإعادة الإعمار وبالتالي وضع هذه الدول رهينة للإرادة الأميركية.
الميادين