96.6 بالمئة من المواطنين غير مؤمن لهم صحياً!
لا يتجاوز عدد المؤمنين في القطاع العام والخاص /800/ ألف مؤمن، لتاريخه، وهذا يشكل ما نسبته 3.4 بالمئة من المواطنين، بالنسبة للأقساط لا يعرف منها سوى أقساط العاملين في القطاع الإداري، وهنالك تضارب في التغطيات إذ حولت من حزمة كاملة إلى إجراء، وكذلك تحجم وزارة الصحة عن تعديل الأسعار، ناهيك عما تتقاضاه شركات إدارة النفقات الطبية من أجور خدمات، فمثلا يبلغ ما تتقاضاه مقابل إدارة بوليصة القطاع الإداري عن عام /2017/ ما قيمته /161/ مليون ليرة، بواقع /300/ ليرة عن كل شخص، وهي سبع شركات، فإن افترضنا أنها متساوية في إعداد المؤمنين تكون حصة كل شركة من أجور إدارية /23/ مليون ليرة، وهذا المبلغ لا يغطي مصاريف 10 بالمئة من الشركة، فعدد العاملين في الشركات يتجاوز /470/ عاملاً، فإذا افترضنا أن وسطي الراتب /75/ ألفاً وهذا رقم لعامل البوفيه؛ فإن الأجور في الشركات تتجاوز الـ/480/ مليون ليرة سنوياً فكيف تغطى؟ ناهيك عن بقية المصاريف وأجور المباني وغيره الكثير، وهنا نضع ألف إشارة استفهام، وإذا همس أحدهم وقال من الخصومات المتلقاة من مقدمي الخدمة، نقول أيضاً لا تكفي، والحديث يطول، ودراسة الأرقام دراسة حقيقية كافية كفيلة بكشف المستور.
يشكل الأفراد غير المؤمنين في سورية ما نسبته 96.6 بالمئة من المواطنين، فماذا قدمت لهم الحكومات المتعاقبة منذ عام 1959 ولتاريخه، على الرغم من إصدار مقام الرئاسة القوانين والمراسيم، وهنا لا ننسى الدستور أبو القوانين، والذي ضمن صحة المواطن والعامل.
إن ذلك لأمر خطير، ويجب تغطية هذه النسبة المرتفعة بالتأمين الصحي، فالمناطق النائية والفقراء تزداد بينهم نسبة وفيات الأطفال والرضع والأمهات، كذلك يقع ضمن هذه الفئة غير المغطاة؛ العاطلون عن العمل وأشباه العاطلين الذين يعملون شهراً ويتوقفون آخر، فهذه الفئات تنفق الكثير على العلاج، وكذلك العاملون في الورش والعمال الزراعيون أكثر عرضة للمخاطر المهنية والأمراض.
بالنظر إلى الخدمات الصحية المقدمة حالياً وكيفية إدارتها، لابد من الاعتراف بأنه لا يوجد فيها أي نوع من التنسيق، فوزارة الصحة تقدم الرعاية الصحية الأولية ونوعاً من الخدمات الوقائية والعلاجية الثانوية والثالثية، في الوقت الذي تقدم فيه بعض الوزارات خدمات مماثلة عدا الرعاية الصحية الأولية والوقائية، ناهيك عن القطاع الخاص غير الربحي والقطاع الخاص الربحي وغيرها؛ الكل يعمل باسم صحة المواطن من دون تنسيق أو رقابة، ونجد أحياناً ازدواجية في العمل وهدرا في الموارد، وهو ما يعرض النظام الصحي إلى زيادة الإنفاق، والمريض إلى مضاعفات، من دون أن ننسى الازدواجية بين القطاعين العام والخاص واستغلال القطاع الخاص للقطاع العام من جهة الكوادر الصحية المدربة.
لا ننكر أننا نعيش بأزمة حقيقية وخانقة، ولكن هذا لا يمنع من ترتيب الأولويات ووضع الخطط والدراسات الحقيقية موضع تنفيذ، ولا نكتفي بالأمور الإسعافية، وإصدار القرارات الارتجالية، ويجب علينا أن نكمل ما بدأه المخلصون من قبل بهذا الخصوص لا أن نخترع الدولاب من جديد.
كيف يتم إصلاح
ونشر التأمين الصحي؟
من الواضح أن الطريق طويل وصعب، يتم تقصير المدة وتجاوز الصعاب بالإرادة القوية والخطة المحكمة من جميع الأطراف، لأن تجربة الصح والخطأ في الإصلاح الصحي تؤدي إلى تأخير عملية الإصلاح وهدر الموارد البشرية والمادية وزيادة الإنفاق غير المبرر.
وكما هو معروف في أدبيات النظم الصحية، فإن النظام الصحي يرتبط مباشرة بالمقومات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكل دولة، ولا يجوز أن تستورد الحكومة نظاماً صحياً ليتم تطبيقه، لأن النظام الصحي أو إصلاح النظام الصحي يجب أن ينبع من المجتمع نفسه، آخذاً بالحسبان السلوك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
ولكن، هذا لا يمنع من دراسة النظم الصحية المطبقة عالميا والاستفادة منها، وليس نقلها.
إن عملية إصلاح النظام الصحي للدخول إلى التأمين الصحي هي عملية معقدة جداً، ويدخل فيها أكثر من شريك، ويمكن أن نذكر بعض الشركاء في هذه العملية:
العاملون وأصحاب العمل.
الصناديق ولاسيما صناديق التأمين أو صناديق الفقراء وغيرها التي ستتعاقد لأخذ الخدمة.
مقدمو الخدمات في القطاع الخاص والعام والمشترك.
هيئة الضمان أو التأمين الصحي.
الحكومة متمثلة في الوزارات وخاصة وزارة الصحة والمالية والشؤون الاجتماعية والعدل والهيئات متمثلة بهيئة الضمان والتأمينات الاجتماعية والتأمين والمعاش وهيئة تخطيط الدولة ومكتب الإحصاء وهيئة التفتيش.. وغيرها.
المجلس الصحي الأعلى بكل لاعبيه.
الشركات العامة والخاصة. ومعيدو التأمين.
الإعلام.
هؤلاء تقريباً هم من يجب أن يخططوا لإصلاح النظام الصحي للدخول في عملية التأمين الصحي، وبدرجات متفاوتة لتهيئة القدرة الإدارية والتشريعية والرقابية والمحاسبية المناسبة، لكي يصار إلى التطبيق العملي، وإلا فسوف يصاب نظام التأمين بالمديونية والإفلاس والوقوع في الأخطاء القاتلة التي تؤثر سلباً، كما وقع في بعض الدول عندما قاموا بنظام التعاقد وأعطوا أصحاب الصناديق (fund holders) للعيادات الشاملة لتوفير الدخل للأطباء، وحدوا من الإحالة للمشافي، واتبعوا سبل العمليات الجراحية ليوم واحد، الأمر الذي تسبب بحدوث العديد من الوفيات، فتم إيقاف هذا النظام بعد سنتين من تطبيقه، كما تسبب هذا النظام بإفلاس شركات التأمين في جمهورية التشيك وفي المجر أيضا، وكذا في الولايات المتحدة عبر خطة الرئيس كلينتون التي تعهد بأنه سيتم النهوض بالتأمين الصحي خلال مئة يوم، ومرت مئة شهر ولم تطبق كما ذكرت التايمز والأمثلة كثيرة في دول أخرى.
في هذا المجال لابد من وضع سياسات عامة ومن ثم الإستراتيجيات والخطط والبدائل وتطبيقها آخذين بعين الاعتبار نظام طب الأسرة والجودة واتخاذ القرارات بمعرفة الشركاء جميعاً على أن يراعى بذلك:
تفعيل المجلس الصحي الأعلى بكل لاعبيه وإنشاء مجلس صحي مصغر بكل محافظة.
إنشاء صندوق للتأمين الصحي يضم مجموعة من الصناديق (صناديق الفقراء –الرعاية – الزكاة…) يرتبط بهيئة الضمان.
إجراء نظم تعاقدية مميزة مع الهيئات الطبية المستقلة لوزارة الصحة.
الربط بين المراكز الصحية والهيئات المستقلة.
تخفيف النظم الضريبية على الأطباء والمشافي عند تطبيق نظام التأمين وتحديد المدفوعات المقتطعة لمصلحة النقابة.
تعديل الأسعار بشكل يتماشى مع أسعار السوق.
ضرورة إحداث الملف الصحي للمواطن السوري سواء مركزياً أم وفقاً للبطاقة الذكية.
استعمال الرقم الوطني.
الإبقاء على الرعاية الصحية الأولية بيد وزارة الصحة وكذا الإسعاف على أن يتم التقاص لاحقاً.
تطبيق التأمين بشكل تدريجي على أن يطبق على المواطنين كافة خلال فترة.
تحديث النظم المتبعة دورياً واستعمال وسائل الاتصال في جميع الإجراءات.
د. هشام ديواني – استشاري تأمين صحي
الوطن