الحقائق الصعبة في سوريا
يجب على واشنطن قبول بعض الحقائق الصعبة في سوريا، أولها أن الأسد باق ولن يذهب إلى أي مكان ولا توجد فرصة لإسقاطه من قبل الولايات المتحدة أو أي شخص آخر. خلاصة ما توصّل إليه بريت ماكغورك المبعوث الاميركي السابق للتحالف الدولي ضد داعش، ونشر في “فورين أفريرز”. في المقال يشير ماكغورك إلى أنه لم يعد على واشنطن أن تستنزف مصداقيتها وهيبتها من خلال الإصرار على وجوب رحيل الأسد. ويقول إنه على الرغم من أن الولايات المتحدة يمكن أن تستمر في الضغط على دمشق بالعقوبات إلا أن الألم الاقتصادي الذي يمكن أن تسببه باهت مقارنة بما عانى منه النظام بالفعل.
تحت عنوان “الحقائق الصعبة في سوريا” كتب بريت ماكغورك المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي ضد داعش مقالاً يفنّد فيه خيارات واشنطن المتاحة في سوريا وتلك التي لم يعد بمقدروها اللجوء إليها.
خلاصة ما توصّل إليه أنه ليس بوسع أميركا أن تفعل الكثير بالقليل الذي تملكه، ويجب ألا تحاول فعل شيء بحيث يتعين على صانعي السياسة في الولايات المتحدة القبول بأن نفوذ الولايات المتحدة في سوريا أشرف على الزوال، وبالتالي عليهم أن يعيدوا النظر في أهدافهم وفقاً لذلك.
أفضل طريقة لإنقاذ الموقف بحسب ماكغورك هي أن يعيد القادة الأميركيون تنظيم أهدافهم وطرقهم ووسائلهم مع التركيز على ما يهم واشنطن حقاً وهو منع سوريا من أن تصبح نقطة انطلاق لشن هجمات ضد الولايات المتحدة أو حلفائها. هذا هدف مهم وقابل للتحقيق أما العقبة الرئيسية أمام تحقيقه فهي الإنكار.
في ما يلي ترجمة لأبرز ما جاء في المقال:
كان الوجود العسكري الأميركي هاماً لإدارة واشنطن علاقاتها مع الدول العربية، لكن شبح قوى ثلاث امبراياليات سابقة (إيران وروسيا وتركيا) تحدد مصير سوريا، ولّد ردة فعل عربية غير مفاجئة من مصر والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة، خصوصاً مع سيطرة الإسلاميين على المعارضة السورية وتحويلها إلى وكيل تركي حيث بدأت هذه الدول جهودها لإعادة دمشق إلى الحظيرة العربية.
الولايات المتحدة عارضت اندفاعة حلفائها العرب لتطبيع العلاقات مع دمشق معتبرة أن من شأن ذلك تخفيف الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في عملية جنيف.
مع وجود القوات الأميركية على الأرض في سوريا وقيادتها العملية الناجحة ضد داعش، كان يمكن للدبلوماسيين الحديث مع شركائهم العرب بشيء من السلطة لكبح اندفاعتهم نحو الأسد.
فالحضور الأميركي كان بمثابة الضمانة في وجه التوسعين الإيراني والتركي اللذين تخشيانهما الدول العربية. لكن قرار ترامب بالانسحاب من سوريا قلب الوضع.
سيكون على الولايات المتحدة الآن أن تكافح لإقناع حلفائها العرب بأنها ملتزمة بدورها كلاعب في سوريا. وبما أن إيران وتركيا تتقدمان في تنفيذ أجندتهما في سوريا، والمختلفة بشكل كبير عن أجندة الدول العربية، سيكون من الصعب على الدبلوماسيين الأميركيين الطلب من شركائهم العرب عدم متابعة مصالحهم الخاصة وفق ما يرونه مناسباً بما في ذلك العمل مع النظام السوري.
لذلك لم يكن من المفاجئ أن تعيد الإمارات فتح سفارتها في دمشق في أعقاب قرار ترامب بالانسحاب، في خطوة تليها خطوات مماثلة من دول عربية أخرى.
الحقائق الصعبة
الحقيقة الأولى أن الوجود الأميركي مكّن الولايات المتحدة من الوقوف نداً ضد روسيا واحتواء إيران ولجم تركيا وأبقى على الدول العربية إلى جانبها. الأهم أنه منع ظهور داعش من جديد.
التعليمات التي أعطاها ترامب للانسحاب الكامل من سوريا سحب كل هذه المزايا. تعديله القرار بالإبقاء على 200 جندي في شمال شرق سوريا و200 آخرين في التنف على أمل أن تسد قوات التحالف الأخرى النقص، جعل الأمور أكثر سوءاً.
خطة ترامب الجديدة لم توقف أمر الانسحاب وستبدأ الولايات المتحدة في الأشهر المقبلة بتقليص عدد جنودها، من دون معرفة ما إذا كانت ستقوم بإبدالهم بآخرين، ما سيجعل التخطيط صعباً ويزيد من الخطر الذي يتهدد القوات الباقية.
أما دول التحالف الأخرى فمن المستبعد أن تنشر العدد الكافي. ولجعل الأمور أكثر سوءاً فإن المهمة الموكلة إلى الجنود الـ200 الذين ستبقيهم واشنطن ليست فقط هزيمة داعش بل أيضاً الحفاظ على منطقة آمنة عند الحدود التركية وحماية المنطقة الآمنة الأميركية من أي تسلل إيراني أو روسي أو سوري. هذا أكثر مما يمكن لمئتي جندي القيام به حتى إنه كان سيكون صعباً بالنسبة للألفي جندي الذين كانوا موجودين.
الولايات المتحدة ستفشل في حال واصلت السعي لتحقيق أهداف كبرى في سوريا. أفضل شيء يمكن أن يفعله ترامب هو التراجع عن قرار الانسحاب. لكن إذا لم يفعل ذلك لا يمكن لواشنطن التظاهر بأن تركها عدداً قليلاً من القوات في سوريا يجنبها الحاجة لإعادة التفكير في استراتيجيتها. يجب على واشنطن قبول بعض الحقائق الصعبة. الأولى هو أن الأسد باق ولن يذهب الى أي مكان ولا توجد فرصة لإسقاطه من قبل الولايات المتحدة أو أي شخص آخر. لا تحتاج واشنطن إلى قبول حكم الأسد أو الانخراط في نظامه لكن لم يعد عليها أن تستنزف مصداقيتها وهيبتها من خلال الإصرار على وجوب رحيله. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة يمكن أن تستمر في الضغط على دمشق بالعقوبات إلا أن الألم الاقتصادي الذي يمكن أن تسببه باهت مقارنة بما عانى منه النظام بالفعل.
الحقيقة الثانية
ستعيد الدول العربية علاقاتها مع دمشق ومقاومة واشنطن لهذا الاتجاه لن تؤدي إلا إلى إحباط الدول العربية وتشجيعها على ممارسة دبلوماسيتها من خلف ظهر واشنطن. قد يكون النهج الأفضل هو أن تعمل الولايات المتحدة مع شركائها العرب لصياغة أجندة واقعية للتعامل مع دمشق – على سبيل المثال من خلال تشجيع الدول العربية على تكييف علاقاتها المتجددة مع سوريا من خلال تدابير بناء الثقة مع نظام الأسد مثل العفو العام عن الهاربين من الخدمة العسكرية والذين انضموا الى جماعات المعارضة ويريدون الآن العودة إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام. إن الانفتاح العربي المشروط المحدود على دمشق قد يبدأ في إضعاف احتكار إيران وروسيا للنفوذ في سوريا.
تركيا حليف غير شريك
على الولايات المتحدة أن تقبل أن تركيا ليست شريكاً فاعلاً وإن كانت حليفا في الناتو. صحيح أن الدبلوماسيين الأميركيين لا يزالون يأملون بتحويل انجراف أانقرة نحو السلطوية والسياسة الخارجية التي تتعارض مع المصالح الأميركية لكنهم لن ينجحوا في ذلك. لطالما كانت تركيا حليفاً إشكالياً على مدى العقد الماضي، أي قبل أي خلاف في سوريا، من خلال مساعدة إيران على تفادي العقوبات الأميركية والإبقاء على رهائن أميركيين، واستخدام موضوع المهاجرين لابتزاز أوروبا. على واشنطن أن توضح لأنقرة أن أي اعتداء على قوات سوريا الديمقراطية حتى بعد الانسحاب الأميركي سيكون له عواقب خطيرة على العلاقات بين البلدين.
الحقيقة الأخيرة
الحقيقة الأخيرة هي اعتراف الولايات المتحدة بأن روسيا هي الوسيط الأقوى في سوريا. فالولايات المتحدة ليست لديها علاقات مع دمشق أو طهران لذلك عليها العمل مع موسكو لتحقيق أي شيء. لدى روسيا والولايات المتحدة بعض المصالح المشتركة في سوريا فكلتاهما تريد حفاظ الدولة على سلامة أراضيها وحرمان داعش والقاعدة من أي ملاذ آمن ولكل منهما علاقات وثيقة مع إسرائيل. لا يمكن حل الأزمة السورية من دون التواصل المباشر بين موسكو وواشنطن ويجب على الولايات المتحدة عزل المشكلة السورية عن جوانب أخرى من علاقتها المضطربة والعدائية مع روسيا.
أمام هذه الحقائق الصعبة على واشنطن اليوم التركيز على هدفين: حرمان إيران من أي وجود عسكري من شأنه تهديد اسرائيل ومنع عودة ظهور داعش.
لكن ما طرحه كل من جون بولتون ومايك بومبيو في سبيل ذلك ليست أهدافاً واقعية. ما يجب على الولايات المتحدة القيام به هو تقديم الدعم الدبلوماسي لإسرائيل لمنع إيران من القدرة على استخدام سوريا كقاعدة انطلاق لشن ضربات صاروخية ضدها، وهو هدف تتشاركه مع روسيا الحريصة على الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومة الإسرائيلية وتريد منع سوريا من أن تصبح ساحة معركة بين إسرائيل وإيران.
وبالتالي يمكن أن يكون هدف إحباط التمركز العسكري الإيراني في سوريا بمثابة أساس للدبلوماسية الثلاثية بين إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة.
الميادين