الحرب بالعقوبات
تيري ميسان
كل الحروب مميتة ووحشية، أما بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب فمن المستحسن أن تتم بأبخس الأثمان. ولعل أنسبها، من وجهة نظره، القتل بالضغط الاقتصادي، وليس بالسلاح. وليقينه بأن الولايات المتحدة لم يعد لديها أي مبادلات تجارية مع البلدان التي تهاجمها، فإن التكلفة المالية لهذه الحروب (الاقتصادية) تتحمل أعباءها عادة بلدان محايدة، وليس قطعاً البنتاغون.
ومع انتشار مسارح العمليات الحربية الأميركية، ومن ثم ما يسمى «العقوبات»، بدأت تُطرح مشكلات خطيرة أمام حلفاء الولايات المتحدة، ولاسيما في بلدان الاتحاد الأوروبي، التي كان رد فعل البعض منها سيئاً للغاية إزاء تهديدات الولايات المتحدة الأخيرة بمصادرة أملاك الشركات الأوروبية التي تستثمر في كوبا، وهي، أي البلدان الأوروبية، تتذكر الآن جيداً الإجراءات القسرية التي اتخذتها الولايات المتحدة لإغلاق السوق الإيرانية في وجه شركاتها، فما كان منها إلا أن ترد على تلك التهديدات بتهديد مماثل، يقضي برفع شكوى أمام هيئة التحكيم التابعة لمنظمة التجارة العالمية.
من المفيد التذكير هنا بأن العقوبات الأميركية تشمل في الوقت الحالي عشرين دولة على الأقل، وهي: بيلاروسيا، بورما، بوروندي، كوريا الشمالية، كوبا، الاتحاد الروسي، العراق، لبنان، ليبيا، نيكاراغوا، الجمهورية العربية السورية، جمهورية فنزويلا البوليفارية، جمهورية إفريقية الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية، جمهورية إيران الإسلامية، صربيا، الصومال، السودان، جنوب السودان، أوكرانيا، اليمن، وزيمبابوي.
لم تكن أوروبا الغربية هدفاً للعقوبات الأميركية في أي وقت كان، وانحصرت عقوباتها في نطاق بلدان الشرق الأوسط الموسع، وأوروبا الشرقية، وحوض البحر الكاريبي، وإفريقيا.
كل هذه المناطق كانت مدرجة، منذ عام 1991 بأمر من الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، لتكون جزءاً من «النظام العالمي الجديد» المزمع إنشاؤه.
وبالنظر إلى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تتمكن، أو في أقل تقدير، لم تعد راغبة في مواصلة مشروعها، فقد تم إدراج تلك البلدان على لائحة العقوبات ونشر الفوضى فيها، منذ عام 2001 من قبل وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد، ومستشاره الأدميرال آرثر سيبروفسكي.
وكإجراء استباقي لردود فعل الاتحاد الأوروبي الذي بدأ يشعر بالقلق من عدم قدرته على التجارة مع من يرغب من بلدان العالم، تبنت إدارة بوش الأب «عقيدة وولفويتز» التي ترمي إلى ضمان ألا يكون لدول أوروبا الغربية قوات مسلحة موحدة ومستقلة مطلقاً. لهذا السبب خنقت واشنطن الاتحاد الأوروبي منذ ولادته من خلال فرض بند في معاهدة ماستريخت يؤكد على سيادة حلف الناتو لقواتها المسلحة.
علاوة على ذلك، فإن هذه التبعية هي السبب الوحيد الذي يقف وراء حل اتحاد غرب أوروبا (WEU) وهي السبب أيضاً الذي جعل ترامب يمتنع عن حل المنظمة العسكرية الدائمة للحلف الأطلنطي، لأنه، من دون حلف الناتو، سينال الاتحاد الأوروبي استقلاله، لأن الرجوع للمعاهدات شأن سيادي يخصه وحده، وليس الولايات المتحدة.
من المؤكد أن جميع المعاهدات تنص على أن تكون متوافقة مع ميثاق الأمم المتحدة. لكن، على سبيل المثال وليس الحصر، رأينا كيف اتخذت الولايات المتحدة هذا الأسبوع موقفاً في ليبيا لمصلحة الجنرال خليفة حفتر وضد الحكومة التي أنشأتها الأمم المتحدة، ورأينا في المقابل كيف راحت دول الاتحاد الأوروبي، واحدة تلو الأخرى، تصطف وراء موقف الولايات المتحدة.
دعونا لا نقل في هذه الحالة إن حلف الناتو هو حاجز أمان، لأن من يحكمه هو مجلس شمال الأطلنطي، أي الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، فهذا خطأ جسيم، لأن المجلس الأطلنطي الذي وافق على عملية حماية السكان الليبيين من «جرائم» معمر القذافي المزعومة، أعلن في الوقت نفسه عن اعتراضه على أي عملية من شأنها «تغيير النظام»، ومع ذلك، اتخذت إدارة حلف الناتو قرار الهجوم على ليبيا من دون التشاور معه.
ما من شيء بالمطلق يجبر الأوروبيين بعد الآن على البقاء سجناء في هذا الاتحاد.
الوطن