متى ستغلق إيران مضيق هرمز؟
شارل أبي نادر
كما يبدو من مسار الاشتباك الايراني الاميركي، والذي ما زال حتى الان ديبلوماسي اقتصادي سياسي، انه يتأزم تدريجياً، وتقريباً كل يوم بعد يوم تضاف على هذا الاشتباك نقاط وعناصر نارية جديدة، من تلك القادرة على تقريب المواجهة ودفعها لأن تكون عسكرية، وحيث بات واضحاً ان مفتاح هذه المواجهة العسكرية هو إقدام ايران على إغلاق مضيق هرمز، بعد أن اعلنت ذلك بصراحة، الامر الذي لن تقبل به واشنطن، وايضاً كما اعلنت بصراحة.
في متابعة لاغلب وسائل الاعلام الاقليمية والدولية حالياً، تركز هذه الوسائل على تداعيات عملية إغلاق المضيق على التجارة العالمية بشكل عام ، من شرق آسيا الى وسطها مع الشرق الاوسط وإلى اوروبا بالكامل، هذا لناحية تأثر سوق النفط سلباً، وما يمكن أن يرتبط به من قطاعات اقتصادية واجتماعية سوف تكون معرضة بالتأكيد للاستهداف المؤذي، بالاضافة طبعاً للتداعيات الامنية والعسكرية في المنطقة، فيما لو تم الاغلاق بالفعل.
لا شك انه قبل الوصول الى تنفيذ ايران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز، هناك الكثير من المراحل التي ستسبق حُكّمَاً العملية، وحيث تشتهر ايران بسياسة النفس الطويل وباستراتيجية الصبر والعمل بهدوء وبروية، مع الحزم طبعاً، من الطبيعي انها سوف تحترم هذه المراحل ولن تتخطاها او تحرقها، وهذه المراحل يمكن تحديدها بالتالي:
مرحلة تطبيق العقوبات على الدول التي تخالف القرار
القرار الاميركي حتى الان يقضي فقط بوقف اعفاءات استيراد النفط الايراني على ثماني دول، اعتبارا من الاسبوع المقبل في بداية شهر ايار/ مايو القادم، وأهم هذه الدول هي الصين وتركيا والهند حيث تتوزع النسبة الأكبر من كمية المليون ونصف المليون برميل ونيف تقريبا، والتي ما زالت تزودها بها ايران، هذا حسب المعلن، مع وجود امكانية كبيرة لان تكون هذه الكميات فعليا أكبر، كاحتياط تَحَسُّباً للازمة التي كانت منتظرة.
حيث لم يصدر عن الاميركيين حتى الان أي تهديد واضح وصريح عن استهداف الناقلات الايرانية التي سوف تخرج من المضيق، او حتى عن استهداف المصافي والابار التي سوف تتابع عملها بشكل روتيني، يبقى حالياً التهديد الاميركي محصوراً بمعاقبة الدول التي ستخالف القرار، وهذه مرحلة قد تطول وليست محددة بوقت حاسم، خاصة نتكلم عن دول كبرى ولها بالاساس علاقات تجارية وديبلوماسية مع واشنطن، بمعزل عن مشكلة النفط الايراني حالياً، وهذا النزاع سوف يخضع طبعا لمباحثات متبادلة، فردية مع واشنطن او موسعة حتى، وربما ستكون الأصعب لواشنطن هي مباحثاتها مع الصين حول ذلك.
مرحلة استبدال النفط الايراني بالخليجي
حتى الان، وبالرغم من تصريح الرئيس ترامب السابق مباشرة للازمة، بان “حلفائنا” السعودية والامارات العربية أعلنتا استعدادهما لتغطية حاجة السوق بعد تصفير صادرات النفط الايراني، وبالرغم من اعلان الدولتان الخليجيتان الاستعداد لقبول المهمة “القومية” التي كُلِّفا بها خدمة للشعب الاميركي الشقيق، و”نكاية بالشعب الايراني العدو”، فان التحضيرات اللوجستية والادراية لاستلام هذا السوق الضخم الذي تغطيه ايران حاليا، لا يبدو انها قد اكتملت أو اصبحت كافية لذلك، لأن هذا يتطلب عملاً ضخماً من كافة النواحي الفنية والتقنية واللوجستية، ومن المنطقي ان يمتّد لوقت غير بسيط، وهذه ايضا مرحلة من الوقت، وايضا غير محددة وحكما لن تكون سريعة، سوف تضاف على مرحلة تطبيق العقوبات المذكورة أعلاه.
هذا لناحية الصعوبات اللوجستية، أما لناحية الحساسية التي ستنتج عن إستيلاء الدولتان الخليجيتان على لقمة عيش الشعب الايراني، بعد تبرعهما بتغطية القرار الاميركي وتداعياته على ارتفاع اسواق النفط، حيث تراهن ايران على هذا اللاستقرار العالمي المرتقب في الاسعار، وذلك لعرقلة العقوبات والقرار الاميركي، فان وضع هاتين الدولتين لن يكون مرتاجا ابداً، لا امنياً ولا عسكرياً ولا حتى شعبياً ربما، وحيث سيشكل حتما الموضوع نقطة حاملة للاخطار والمشاكل لكل من السعودية والامارات، إذ تُعتبران كَمَن يلعب بالنار، وسيكون هناك بعض التردد على الاقل، وهذا ايضاً سوف يضيف فترة من الزمن على توقيتات المراحل السابقة، كهامش اضافي لايران قبل تصفير تصدير نفطها.
مرحلة المناورة الايرانية بتهريب النفط
هذه المرحلة هي حكما من المراحل التي تضعها ايران في حساباتها، حيث وبنتيجة خبرتها العريقة بمواجهة العقوبات الاميركية، والتي امتدت لعقود من الزمن وما زالت، اصبحت طهران تجيد التحايل على العقوبات الاميركية، وباسلوب فيه من الذكاء والـ” الشطارة” ستعمد الى عدة اجراءآت تجارية بحرية لوجستية، لتصدير نفطها الذي تحتاج بقوة لثمنه، تهريباً، ومن الطبيعي ان تنجح هذه المناورات في تهريب النفط، على الاقل في بداية مرحلة التوقف العلني للدول عن إستيراد نفطها، خاصة انها سوف تؤمنه باسعار مناسبة وتشجيعية، تفضلها أغلب الدول وخاصة تركيا والهند اللتان تعانيان من اوضاع اقتصادية صعبة.
أيضاً هذه المرحلة، مرحلة تهريب النفط، سوف تاخذ وقتا غير بسيط، حتى يتم اكتشافها وحتى تعمد الولايات المتحدة الى مواجهتها، والتي سوف تكون صعبة لان حركة تهريب النفط عبر البحار هي تاريخياً حركة ناشطة، دائماً ما تقوم بها مافيات عالمية ببراعة وتنجح، وغالبا ما تسهلها الدول لانها تستفيد منها باسعار مساعدة لاقتصادياتها المتعثرة.
بعد هذه المراحل كافة، والتي سوف تأخذ حكما وقتا طويلا كما ورد اعلاه، سوف يأتي دور اغلاق المضيق، وذلك مباشرة عند قيام الولايات المتحدة الاميركية باستهداف احدى ناقلات النفط الايراني في الخليج او مضيق هرمز او في أي نقطة من المياه الدولية (بين بحر العرب او المحيط الهندي)، وقبل ذلك من غير المنطقي او الواقعي ان تعمد ايران لاغلاق المضيق، وحتى ذلك الاستحقاق، هناك متسعا كبيرا من الوقت، ستتخلله حكما نقاط ضغط وتجاذبات متبادلة، وسيكون هذا الوقت كافياً ـ باعتقادنا ـ للوصول الى نقاط قابلة للبدء بمفاوضات، من مصلحة المجتمع الدولي ان تكون ناجحة.
العهد