سوريا وقطر.. التقارب ”المعجزة“
يبدو أن الأجواء الملبدة بغيوم الخصومة بدأت تنقشع بين دمشق والدوحة، حين عبرت أول طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية أخيرًا، الأجواء السورية لتنقل العلاقات المتوترة على الأرض بين البلدين إلى طور جديد عنوانه المصالحة، وعفا الله عما سلف.
وأقلعت الطائرة القطرية من مطار بيروت لتعبر الأجواء السورية، بعد انقطاع دام أكثر من 7 سنوات، مرورًا بالأجواء العراقية وصولًا إلى الدوحة، لتختصر بذلك نحو ساعة من زمن الرحلة التي كانت تمر سابقًا فوق الأجواء التركية.
واتبع الطيران القطري هذا الخط الملاحي الجديد المختصر، بعد السماح له من قبل وزارة النقل السورية إثر طلب رسمي قطري، في مؤشر على أن قنوات التواصل والتخاطب الرسمي بين الجانبين، باتت مفتوحة.
ولئن بدت هذه الخطوة بسيطة ورمزية، غير أن سنوات الجفاء والعداوة التي ميزت العلاقة بين دمشق والدوحة، منذ بدء الاحتجاجات في سوريا سنة 2011 ، دفعت الخبراء للنظر إليها بوصفها ”فتحًا دبلوماسيًّا“ قد يترجم، في المستقبل القريب، إلى توطيد العلاقات في مجالات أخرى، تنهي ”حالة العداء“ التي غذتها، على الدوام، قناة الجزيرة القطرية.
ويلاحظ خبراء أن التهدئة بين السورييين والقطريين، سبقت هدير الطائرة القطرية، فقناة الجزيرة التي دأبت على التحريض في الملف السوري لسنوات طويلة، تراجعت عن خطها التحريري المستفز، ولم تعد تضع الخبر السوري في مستهل نشراتها، بل باتت تتجاهل أخبار القصف على محافظة إدلب، مثلًا، كما تتجنب الخوض في الموقف السوري الرسمي من التسوية السياسية المنتظرة، وتتعاطى بمرونة مع حزب الله، وتدخلات طهران في المنطقة.
انتهازية الدوحة
ويرى خبراء أن هذا التحول في سياسة قطر، وأذرعها الإعلامية، حيال الملف السوري، نابع من انتهازية الدوحة، التي سلّحت ومولت فصائل المعارضة السورية المتشددة، على أمل أن يؤول الحكم في سوريا، إلى أحد الفصائل الإسلامية المتشددة، الموالية لها، والتي تتباهى قطر باستضافة قادتها ورموزها.
لكن من الواضح، حسب خبراء، أن الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوري، وتزايد المؤشرات على أن الرئيس السوري بشار الأسد باق في منصبه، دفعت الدوحة إلى مراجعة مواقفها ”الحازمة“، بحثًا عن مكاسب من السوريين طالما لم يستطع أن يحققها لها ”محاربوها بالوكالة“ على الأرض السورية.
وكان الائتلاف السوري المعارض، وهو أول تشكيل سياسي على قدر معقول من التنظيم مناهض للحكومة السورية، تشكل في الدوحة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، واعتبرته قطر الممثل الوحيد للشعب السوري.
وشنت دمشق، منذ ذلك الحين، هجومًا عنيفًا ضد قطر، واتهمتها بتمويل ”الإرهابيين“، إذ استفحلت حرب التصريحات بين دمشق والدوحة، على نحو يبدو معه عبور الطيران القطري الأجواء السورية، الآن، ”معجزة سياسية“.
وكانت هزيمة فيلق الرحمن، أحد أبرز فصائل المعارضة السورية المتشددة، الموالية لقطر، وخروجه من معقله الأهم في غوطة دمشق الشرقية، قبل نحو عام، بداية التحول في الموقف القطري تجاه الأزمة السورية، إعلاميًّا وسياسيًّا، حسب خبراء.
سياسة براغماتية
ويلاحظ خبراء أن تعاطي قطر وتركيا مع الملف السوري، وملفات الإقليم عمومًا، يؤكد أن ما يجمع الحليفين هو التخلي سريعًا عن المبادئ، والنظر إلى الأمور من زاوية المصالح والمكاسب، عبر اتباع سياسة ”براغماتية“ محضة لا تقيم أي وزن للجانب الأخلاقي، أو للأعراف الدبلوماسية التي تتحكم في العلاقات الدولية.
وكان حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطري الأسبق، وأحد أبرز عرابي تدخل بلاده في الشأن السوري، أقرَّ في حديث صحافي سابق بأن ”الهواش“ أو الشجار حول ”الطريدة“، أو الفريسة السورية، أدى إلى طيرانها أو هروبها، في مؤشر على أن بلاده كانت تنظر لسوريا كفريسة ”ثمينة“ ينبغي اصطيادها.
وكان الكاتب البريطاني روبرت فيسك كشف في مقال بصحيفة الإندبندنت، قبل أشهر، عن حدوث تحسن ملموس في العلاقات القطرية السورية في الفترة الأخيرة، مرشح للتطور بشكل متسارع.
وكان لإيران دور في التقارب السوري القطري، غير المعلن، ذلك أن طهران التي تقيم علاقات مع الدوحة، على أعلى المستويات، ولاسيما في أعقاب الخلاف الخليجي ـ الخليجي، لا يمكن أن تترك فرصة تمر دون أن تذكر الدوحة بضرورة الانفتاح على حليفتها دمشق.
وكانت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، لمحت، الشهر الماضي، إلى عزم بلادها المشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا.
وقالت الخاطر إنّ ”قطر ستكون جزءًا من جهود إعادة الإعمار في سوريا، إلّا أنّ ذلك يتطلّب وجود ضوابط وتوازنات معينة، لنتأكّد أنّ المستفيدين من عملية إعادة الإعمار ينتفعون فعلًا من الجهود المبذولة“.
ويفيد خبراء أن ترجمة هذا الكلام يعني أن الدوحة مستعدة للمشاركة في جهود إعادة إعمار سوريا، بوجود الأسد في السلطة، طالما أن ذلك يحقق لها مكاسب، ويكسر جزءًا من عزلتها الخانقة.
إرم نيوز بتصرف