جنبلاط.. واللعب المكشوف
رفعت إبراهيم البدوي
رمى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، قنبلة دخانية في توقيت لافت تزامن مع قرب الإعلان عن تفاصيل بنود ما سمي بصفقة القرن.
تصريح جنبلاط لقناة «روسيا اليوم» بأن «مزارع شبعا ليست لبنانية» أحدث ضجة إعلامية مستنكرة وخصوصاً أن هذا التصريح جاء متناغماً مع موقف الإدارة الأميركية ومتمماً للهدايا التي تغدق بها على العدو الإسرائيلي، الأمر الذي فسر بأنه نزع لشرعية سلاح حزب اللـه وموجه ضد سورية بالتحديد.
عندما واجهه بعض اللبنانيين بوثائق حول ملكية الأراضي، عاد واستدرك ليقول إنه «قد تكون هناك أراضٍ يملكها لبنانيون في مزارع شبعا وكفرشوبا وغيرها، لكن الملكية شيء والسيادة شيء آخر»!
بعد ساعات من تصريح جنبلاط، استفاق الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان مجدداً على «إعلان بعبدا» متهماً «حزب الله» بأنه انقلب عليه بتدخله في سورية بتكليف من إيران، مع العلم أن «إعلان بعبدا» الذي نتج عن حوار أقيم في القصر الجمهوري في العام 2012، لم يحصل عليه إجماع وطني بعد أن تبيّن أن هناك محاولات لتوظيفه ضد المقاومة في لبنان واستخدامه لمحاصرة «حزب الله» وتكبيله.
ثنائيه بدت كأنها متناغمة ومنسّقة.
المفارقة اللافتة، أن كل هذا الضجيج اندفع إلى الوقائع اللبنانية بعد محطتين بارزتين:
الأولى، إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب «إهداء» الجولان لإسرائيل!
الثانية، زيارة وزير الخارجية الأميركية مارك بومبيو إلى لبنان، في ما بدا وكأنه أعطى أمر العمليات لأولئك الذين يدورون في الفلك الأميركي من بعض اللبنانيين.
لكن مفارقة ثالثة تفرض نفسها على طبيعة هذه القنابل الدخانية، وترتبط باستعدادات الأميركيين لإطلاق ما يسمّى صفقة القرن التي من شأنها القضاء على القضية الفلسطينية، وتحظى بدعم بعض العرب.
ماذا يعني ذلك؟
الاستنتاج الأول والطبيعي، أن موقف جنبلاط لا ينفصل عن هذا المسار في المفارقات، فعندما «يتنازل» عن «لبنانية» مزارع شبعا، فإن ذلك يعني أنه يعتبرها جزءاً من الجولان المحتلّ. وبما أن ترامب قدّم الجولان «هدية» لإسرائيل، فإن جنبلاط يكون قد قدّم هو الآخر مزارع شبعا «هدية» لإسرائيل «على البيعة» مع الجولان!
والاستنتاج الثاني، والطبيعي أيضاً، أن جنبلاط الذي عجز عن استنفار دروز الجولان المحتل ليكونوا إلى جانبه، وفشل في تحريض الدروز خارج الجولان المحتلّ ضد الدولة السورية، إنما يريد الثأر من دروز سورية وإخضاعهم للاحتلال!
أما الاستنتاج الثالث، فيقود إلى مجموعة أسئلة عن خلفيات أمر العمليات الأميركي في هذا التوقيت، لإقحام لبنان مجدداً في صراع يريد كشف ظهر المقاومة ومحاصرتها، بل ربما أيضاً السعي إلى نزع سلاحها مجدداً، بالتزامن مع عقوبات أميركية متصاعدة ضد «حزب الله».
نجح الأميركيون في استدراج بعض اللبنانيين الذين لم يتعلّموا من دروس الماضي القريب والبعيد بأن الأميركي يستخدمهم ثم يرميهم.
لكن ما يثير الشبهة أكثر، أن بعض هؤلاء «المتأمركين» من اللبنانيين، قد يكونوا انجرفوا في لعبة خطيرة جداً تجري وقائعها في كل المنطقة، وتداعياتها قد تكون على لبنان فقط، إلا إذا قرّر هؤلاء الانخراط مجدداً، وعن سبق الإصرار والترصد، في الصراع الكبير الذي يفتّش عن كوّة لتنفيس احتقانه!
من الصعب الاقتناع أن جنبلاط قد أخطأ في قراءة المرحلة! أو كما يصور البعض بأن تصريح جنبلاط جاء انتقاماً على خلفية تشغيل معمل اسمنت الارز في لبنان لأن جنبلاط لو أراد ذلك لكان قايض بملف لبناني داخلي آخر وما أكثر الملفات، لكن اللافت هو التوقيت في التصريح وأهميته على الصعيد الإقليمي.
ومن الجهل التصديق أن ميشال سليمان بادر إلى الهجوم على «حزب الله» بخلفية «إعلان بعبدا» بشيء من «البراءة»!
مراجعة بسيطة للمواقف، تكفي للانتباه إلى المتأميركين في لبنان، تحصّنوا بهدوء سياسي على مدى السنوات الأخيرة، ثم استفاقوا فجأة!
ومراجعة سطحية لمواقف بعض الشخصيات المرتبطة علناً بالسفارة الأميركية في بيروت، من أمثال مكونات 14 آذار ممن حضر العشاء السري في بيت آل معوض على سبيل المثال، تكفي لفضح إستراتيجية قنبلة جنبلاط وبراءة سليمان.
الواضح أن هناك رائحة عفنة من طبخة يجري إعدادها في أقبية السفارة الأميركية في بيروت، تنفيذاً لأوامر بومبيو ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون.
لكن الأدهى هو أن «طبخة السفارة» ليست سوى أحد مكونات مشروع أكبر يجري تهيئة المناخ والبيئة والطريق أمام إطلاقه، وعلى الأرجح يرتبط بمشروع القضاء على القضية الفلسطينية عبر ما يسمّى صفقة القرن التي يتورّط بعض العرب في تأمين التغطية السياسية لها، بل أيضاً في دفع تكاليفها، على حين أن بعض اللبنانيين، كعادتهم، يحوّلون أنفسهم إلى حطب في حريق ملتهب يريد تحويلهم إلى رماد.
وأياً تكن المؤامرة التي تُحاك ضد المقاومة وسورية، فإن مصيرها الفشل كما فشلت المؤامرات السابقة.
ويبدو أن بعض هؤلاء لم يقرأ إلى اليوم انتصار سورية العربية وهزيمة المشروع الأميركي الهادف إلى تقسيمها، على الرغم من ضخامة المؤامرة التي اجتمعت بإمكانيات هائلة ضد الخيارات السياسية العربية للقيادة في سورية. اللعبة مكشوفة، وأدواتها فضحوا أنفسهم من زمن بعيد، ولن يستطيعوا دفن رؤوسهم في رمال يفتشون فيها عن مكاسب مالية تعوّض خسائرهم السياسية.
أما القنابل الدخانية فلم تعد كافية لتغطية تورّطهم في التآمر على فلسطين وسورية والمقاومة. واستداراتهم المتكررة والسريعة، وتحوّلاتهم الحادة، لن تغيّر حكم التاريخ على شراكتهم في التآمر على المقاومة وعلى الشعب السوري.
انتهى لبس الأقنعة خلف الستارة، وصار اللعب على المكشوف.
الوطن